رواد للدراسات:
ما العيب في الاتزان الفكري؟!
▪️هذه الخاطرة تتناول السرديات المختلفة ووجهات النظر المتفاوتة لنظرة الجماهير الشعبية إلى العداء الإسرائيلي-الإيراني وطبيعة الضربات الأخيرة المتبادلة :
° "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" يختصر هذا الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما تلك الطريقة الشهيرة في التفكير والاستنتاج التي طالما ذمها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (هذا ما وجدنا عليه آباءنا...) وهي فكرة مذمومة مستقبحة، يدعونا فيها ربنا إلى الابتعاد عن التقوقع الفكري وتحجر الرأي دون الاطلاع على صورة أوسع بحرية فكرية تامة ودون تبعية لرأي الأغلبية المحيطة.
° أحببنا أن نبدأ الخاطرة بهذه الفكرة لأنها ببساطة تمثل شكلا مشابها من حالة التعصب الفكري الذي ضرب أطنابه في عقول شباب أمتنا اليوم، وحتى وإن مضت سنون في تبادل الضربات الإيرانية الإسرائيلية، سيبقى من يعتقد أن #إسرائيل و #إيران ليسا على عداء بل يقومان بتمثيليات هوليودية على قناعته، وسيبقى من يعتقد أن #إيران هي المنقذ للأمة الإسلامية وأنها الدولة الوحيدة التي انتصرت لأطفال #غزة... سيبقى أيضا على قناعاته، ولن تزيد الأحداث هذا ولا ذاك إلا تمسكا بقناعاته السابقة، يلوي أعناقها بتفسيراته الجديدة لتنسجم بسلاسة مع أفكاره وتصوراته القديمة.
▪️ودخولا في صلب الخاطرة...
الرد على أصحاب نظرية المؤامرة (القائلين: لا يوجد عداء غربي-إيراني)
° إن القول بأن إيران وإسرائيل (والغرب عموما) متفقتان في السر مختلفتان في العلن، يقومان بتمثيليات إعلامية لأهداف لا ندري ما هي، هي أفكار (بعيدا عن سذاجتها) لا تتوافق مع الواقع على مدار العقود السابقة، فمعلوم أن نظام شاه إيران كان مواليا خالصا لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ومع ثورة الخميني انقلب النظام رأسا على عقب، وتغير الفلك الذي يدور حوله النظام الإيراني، فأصبحت إيران محسوبة على المعسكر الشرقي بدلا من المعسكر الغربي منذ 1979.
° يحتاج هؤلاء (المسرحيون) إلى تفسير منطقي لعملية "مخلب النسر" الأمريكية في 24 ابريل 1980 والتي أدت لمقتل العديد من الجنود الأمريكان. وتفسير منطقي آخر لأحداث "بريدجستون" في 24 يوليو 1987 عندما أطلقت واشنطن عمليتها العسكرية "الإرادة القوية" ضد السفن الإيرانية، ودمرت خلالها مصفاتي نفط إيرانيتين وأغرقت وأعطبت 5 مدمرات بحرية إيرانية. ويحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي لأحداث عملية "فرس النبي" في 18 أبريل 1988 عندما قامت البحرية الإيرانية بإعطاب المدمرة الأمريكية USS Samuel في مضيق هرمز فأعلنت واشنطن حربا مباشرة على إيران دمرت خلالها سفنا وفرقاطات إيرانية كثيرة، وردت إيران بهجمات الزوارق السريعة ودمرت ناقلات نفط غربية، وكانت هذه الحادثة أكبر خسارة للبحرية الإيرانية آنذاك. ويحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي لإسقاط إيران المتكرر لطائرات الاستطلاع الأمريكية، وما الداعي للاستطلاع أصلا؟ هل يستطلع الحلفاء أجواء بعضهم البعض في الخفاء؟ هل تسقط بريطانيا مسيرات أمريكية في أجواء لندن مثلا؟ وإليكم المراجع التالية: تموز 2011 قامت إيران بإسقاط طائرة استطلاع أمريكية كانت تحلق فوق مفاعل فوردو النووي وهو مفاعل نووي سري اكتشفته المخابرات الغربية عام 2009 بالقرب من مدينة قم، 4 ديسمبر 2011 أسقطت إيران طائرة استطلاع أمريكية متطورة من دون طيار من نوع RQ170 فوق مدينة كاشمر شرق إيران عبر اختراق تردداتها وإنزالها بشكل سليم في صحراء إيرانية، 20 يونيو 2019 أسقطت إيران بصاروخ أرض-جو أحدث طائرة استطلاع أمريكية، ادعت أنها اخترقت الحدود، بينما أكدت الولايات المتحدة أنها كانت تحلق في المجال الجوي الدولي، وجرت اتصالات (تنسيق) بين ترامب وإيران عبر سلطنة عمان طلب فيها الرئيس الأمريكي من إيران عدم الرد على ضربة "شكلية" محدودة ثم تراجع عن الرد (بتغريدة مضحكة) بعد رفض إيران للمقترح. يحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي لأحداث أسر البحارة في 13يناير2016 حيث أسرت ايران 10 بحارة أمريكيين دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية، وأطلقت سراحهم لاحقا بعد التقاط صور لهم وهم جاثون على ركبهم يجري اعتقالهم بزيهم العسكري الأمريكي ما ظهر للإعلام على شكل إهانة للولايات المتحدة. يحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي عندما استولت بريطانيا على ناقلة النفط الإيرانية جريس1 بالقرب من جبل طارق في 4 يوليو 2019 والتي كانت بطريقها إلى سوريا، فاحتجزت إيران ناقلة النفط البريطانية "ستينا إمبيرو" كرهينة مقابل ناقلتها غريس1، فاضطرت بريطانيا لإخلاء سبيل غريس1 كمقايضة فعليا مع تعهدها بعدم افراغ النفط في سوريا، إلا أن برامج مراقبة السفن أظهر أن الناقلة أفرغت حمولتها في ميناء بانياس السوري...
° في الحقيقة، لا يحتاج أصحاب نظرية المؤامرة إلى محاولة فهم كل هذه الأحداث الحربية، لأنهم غالبا لجأوا إلى نظريات المؤامرة لسهولة فهم سرديتها وبساطتها، إنما يحتاجون فقط إلى تغيير طريقة تفكيرهم، فعداء وكره إيران والوقوف ضد مشروعها في المنطقة لا يستدعي كل هذه السطحية في محاولة لتنفير الناس عن المشروع الإيراني، بل على العكس، هذه السذاجات تأتي دائما بنتائج عكسية وتقنع المزيد من الناس بأن إيران على النقيض من ذلك تماما وأنها هي الجمهورية الإسلامية الوحيدة التي ستنصر المسلمين وستحرر القدس وفلسطين !!!
▪️الرد على جماعة "محور المقاومة" :
° على الطرف الآخر كليا تجد أولئك المخدوعين بالبروباغندا الشهيرة لما يسمى "محور المقاومة"، الله أكبر إنها الحرب الكبرى وزوال الكيان الصهيوني الغاشم على يد الجمهورية الإسلامية الإيرانية!! رغم أن إيران ومحور المقاومة قد خذل غزة بشكل واضح حتى للعميان! وتركوا #حماس فريسة سهلة للجيش الإسرائيلي بعد أن عشموها وضحكوا عليها بكذبة "وحدة الساحات" التي تقتضي أن أي حرب على أي ساحة من ساحات محور المقاومة تعني حربا مباشرة على الجميع، كما أن الرد الأخير كان سببه مقتل الجنرالات ((الإيرانيين)) وليس انتقاما ((لأطفال غزة)) الذين تجري دماؤهم ليل نهار منذ 195 يوما، بالإضافة إلى أن مئات الصواريخ والمسيرات انطلقت من إيران ولم تقتل أو تصب كلبا إسرائيليا ولا قطا، ومع ذلك يصر هؤلاء على تضخيم الحدث وجعل إيران تبدو وكأنها الدولة العظمى الوحيدة التي تضرب ولا تهاب...
▪️وهنا نسأل الفريقين... ما العيب في الاتزان الفكري !؟
° ما الخطأ في كون إيران دولة كغيرها من الدول، وأمة كغيرها من الأمم، والعداء الإيراني الإسرائيلي كغيره من الصراعات الدولية بين مختلف الدول؟ ويخضع لنفس قوانين الحرب وقواعد الاشتباك ومفاهيم الصراع؟ لماذا لا يكون صراعا كغيره من الصراعات الدولية، كمثل الصراع بين الكوريتين، كمثل الصراع بين باكستان والهند، كمثل الصراع بين أي أمتين في هذا العالم؟!
° وإجابة على بعض الأسئلة التي تتكرر دائما في النقاشات ويدور حولها لغط كثير :
- أولا: الغرب يرى في مشروع التشيع الإيراني أفضل فرصة للتخلص من المشروع السني، لذلك هما حليفان لخداع السنة فقط ؟
فعلا هذا كان صحيحا في فترات سابقة، وسيكون صحيحا مستقبلا إذا تكرر أي سيناريو مشابه، فمما لا شك فيه أن نظام صدام حسين كان يشكل خطرا كبيرا على الغرب، وقد تحالف الغرب مع إيران لإسقاطه، لأنهم يعتقدون أن النظام الإيراني أخف ضررا من النظام العراقي، وكذلك عندما اندلعت الفوضى في #العراق بعد سقوط النظام وخرجت فصائل المقاومة العراقية السنية، تحالف الغرب مرة أخرى مع الميليشيات الشيعية من التيار الصدري وغيره ولاحقا مع الحشد وغيرهم، أيضا لأن هذه الميليشيات أخف ضررا على الغرب من المقاومة السنية، يفرق الغرب بين الميليشيات الشيعية التي تنضبط بأوامر محركها الايراني، ويفضلها على المقاومة السنية التي لا محرك لها ولا قيادة موحدة لها، وهذه التحالفات تتغير وتتبدل بمرور الزمن، لا ثابت في الحرب والسياسة، واليوم وقد كبرت إيران وتمددت وتوسعت وأصبحت تشكل خطرا كبيرا على الهيمنة الغربية في المنطقة، من المنطقي والطبيعي أن تتحول البوصلة الغربية بشكل معاكس في محاولة لتحجيم المشروع الإيراني في الشرق الأوسط.
- ثانيا:
لماذا لا تضرب إيران إسرائيل دون تنسيق مسبق بين الطرفين؟
ببساطة لأنه لا يوجد مجنون في العالم (ولا حتى كيم جونغ أون) يسعى لهدم دولته في حرب مهلكة لا يستفيد منها إلا خصومه الآخرين، هل ستقبل إيران أن تخوض حربا مع إسرائيل وتهدم طهران على رؤوس ساكنيها، وتضيع مكاسب 45 عاما، نصرة لأهالي غزة؟ ثم تخرج دول الخليج (كمثال) منتصرة دون أن تطلق رصاصة؟ ثم نسأل نفس السؤال بصيغة عكسية، لماذا لم ترد إسرائيل على إيران حتى اللحظة بعد مرور قرابة أسبوع على الهجوم؟ على الرغم من امتلاكها للسلاح النووي؟ ببساطة لنفس السبب تماما! لأن إسرائيل ليست مجنونة كي تضع مدنها ومواطنيها تحت نيران أكبر قوة صاروخية في الشرق الأوسط لأجل هدف هدم طهران بينما تأمل أن يتم ذلك بأيدي غيرها. إسرائيل سوف تنسق لضرب إيران عبر الوساطات بنفس الطريقة التي نسقت فيها إيران لضرب إسرائيل، باختصار... لولا التنسيق بين الأطراف المتحاربة لاندلعت الحرب العالمية الثالثة في غضون أسابيع...
التنسيق لا يعني (التمثيل) والتواصل عبر الخط الساخن والوساطات لا يعني (مسرحية) بل هو أمر معتاد يجري حتى بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بهدف السيطرة على الوضع وخفض التصعيد وتلافي الأخطاء التي عادة ما تندلع الحروب بسببها، وقد ينجح هذا التنسيق ويتم خفض التصعيد وقد لا ينجح هذا أمر غيبي! وكل ما جرى سابقا من انتظار الرد الإيراني (التنسيق بين الأطراف) يجري حاليا في الاتجاه المعاكس والهدف هو احتواء الموقف، وهو هدف مشترك يصب في صالح الطرفين.
° يمكنك أن تكره إيران أو تحبها وفي نفس الوقت تنظر للأمور بمقاديرها الصحيحة، فكل شيء في هذا العالم يخضع لموازين القوى وحسابات الربح والخسارة، وحتى بوتين، مالك ومحرك أكبر قوة نووية في العالم، رأيناه يتجرع مرارة الصفعات المتتالية وحتى قبة الكرملين تم ضربها، وصبر الرجل دون رد تصعيدي يهدم ما بناه في روسيا على أمل أن تتحقق أهدافه بتدمير الغرب على يد الصينيين وغيرهم، وكذلك إيران من الطبيعي أن تتعرض لصفعات متتالية وقوية وتلفلف القضية بشكل أو بآخر لاحتواء الموقف وحفظ ماء الوجه دون تدمير نفسها بحرب مهلكة.
- ثالثا:
هل كان بإمكان إيران ضرب إسرائيل وأمريكا بقوة؟ ولماذا لم تفعل؟
بالتأكيد كان بإمكانها فعل ذلك، تبدأ هجومها دون إعلان مسبق، مع بداية التداول في البورصة العالمية وليس في يوم العطلة، تضرب أهدافا لم يتم إخلاؤها من قبل، بمئات الصواريخ التي قد تقتل العشرات في هذه الحالة، ولكن... ثم ماذا؟ ثم سيأتي الرد الإسرائيلي الأمريكي الفوري واللحظي بدون خط ساخن ولا وساطات أيضا وتندلع حرب كبرى تدمر فيها إيران وإسرائيل معا، فأي عاقل يفكر بهذا المنحى؟
نكتفي بهذا على أمل أن يراقب المتابع ما يجري دون شطط يمنة أو يسرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق