الاثنين، 19 أغسطس 2024

ايام من حياة فتيان غزة

 بدي أحكيلكم عن تجربتنا الخاصة مع الحمام في غياهب النزوح وبين الخيام. عشان نكون متفقين اللي بيقرف أو بيخجل أو عرق الحيا بينقح عليه وعلينا ما يقرأ ويغلب حاله، المهم:

بداية نزوحنا كانت في آخر يوم من أكتوبر ٢٠٢٣، كنا رافضين نهائي الإخلاء من بيتنا رغم أنه كل الحارة طلعت، طلعنا قسراً لما ضربوا على بيتنا والجنينة عدة صواريخ استطلاع وإحنا وأطفالنا فيه. تحت الضرب والخطر اضطرينا نتوجه لمستشفى القدس بتل الهوا، كانت أسوأ ١٣ يوم في حياتنا وفي مسار نزوحنا البائس. الحمام فيها كان " يا بتلحق يا ما بتلحق "، شكله كان زي الحمامات العادية اللي بنعرفها، لكن عملياً هو عبارة عن مستنقع من المياه طافة طول الوقت، والدور/الطابور عليها كتير ، ولو أجا دورك فأنت بس تفوت بدك تكون أسرع من سرعة سونيك. ومغاسل هادي الحمامات هي اللي فيها بدك تجلي الصحنين والمعلقتين اللي حيلتك فوق الأحواض اللي بتفوا وبنخعوا فيها. غير أنه إجت أوقات تضطر تستخدم الحمامات/ التواليت وهي المية مقطوعة بالكامل، فبدك تنسى حاسة النظر والشم وانسانيتك وتمشي حالك وتتعامل ! متخيلين هيك وضع مع عدد مهول من الناس المحاصرة بالمستشفى ؟! متخيلين إنه في ناس كان مكان نومها وقعدتها على أبواب هادي الحمامات، في الممرات على البلاط. اشتدت الأمور سوء بعد ما حاصروا المستشفى وتم إخلاء الجميع قسراً. لاحقاً المبنى كله طاله الدمار والحريق، وطلعنا منه عبر ممر آمن.
بعد هيك من منتصف نوفمبر لأول ديسمبر كان نزوحنا في بيت الأفاضل نسايبنا من آل الجبور في خانيونس- حسن استقبالهم وضيافتهم عالراس من فوق للعمر - كانت أفضل اللي عشناه وكان هو البيت الوحيد اللي قعدنا فيه، للأسف تحول ركام ! تجربة الحمام فيه زي باقي البيوت - وفي ظل شح المياه - كان لازم نحوش مية غسل الأيدي عشان نستخدمها للكابنيه بعد كل استخدام.
من أول ديسمبر ل منتصف مايو كان نزوحنا الأشرس لخيام في رفح، في أول يوم النا في رفح - كنا لسة بنبدأ فيه تجهيز خيامنا - ما كان في حمام. اذكر يومها احنا الصبايا اضطرينا نستنى الدنيا تعتم وشخينا في الشارع - مش آسفة على اللفظ ولا الفعل نهائي عشان اللي بيصير فينا أوسخ من أوسخ لفظ - وآه عملنا هيك، وبالمجمل أول يومين تلاتة وأنت بين الخيم حتشوف زجاجات مليانة بول/شخة، وكنت بالليل حتسمع صوت شخة الشباب والرجال اللي بستخدموا هادي الزجاجات. آه آه زي ما بقلكم، لهالدرجة الوضع كان مزري أولها لناس نزحت فجأة وأول مرة بتتبهدل هيك! بعد كده صاروا الناس يتعرفوا على أقرب جيران من سكان المنطقة اللي قاعدين في بيوتهم ويستأذنوهم يستخدموا حماماتهم الخاصة. للأمانة كان في تعاون، بس كان لازم إنك تاخد معاك زجاجة المية، وكنت بتحاول قدر الإمكان متروحش عندهم أكتر من مرة في اليوم. هاد كله لحد ما تسهلت معنا وعملنا حمامنا الخاص، كرسي افرنجي موصول تحته برميل للصرف، والجدران عبارة عن نايلون وشادر. بليلة كنا سهرانين، والجبهة الداخلية للحمام شغالة، فمجرد ما طلعت الأصوات غنينا " اضرب والريح تصيح" ، ووقتها الله يسهل عليه مراد قال هاد مش "bathroom"، هاد "بث" حي ومباشر. المصيبة الأكبر أنه هاد ال"بث" لاحقاً صار بريحة وطف علينا و " غرقنا عمو سامي "، اتبهدلنا اي والله. وقتها صرنا نستخدم الحمامات العامة، اللي برضو لازم تمشيلها مسافة، واللي على ما تلاقي المفتاح مع مين من العائلات المشتركة معك بنفس الحمامات وعلى ما توصل وعلى ما استنى يخلص دور اللي قبلك بتكون انت عملتها ع حالك وخلصت، غير موضوع النظافة ونقل المية لهناك. اذكر بليلة من الليالي جوالي رن، رديت إلا هو شاب بيحكيلي تعالي خدي أبوكي تايه😢، بابا حبيبي نظره ضعيف وكان رايح على هادي الحمامات العامة بالليل، والدنيا عتمة ما في ولا ضو ، والطريق للخيم أشبه بالمتاهة! 😥 فموضوع الحمامات العامة صعب لكبار السن والصغار والنساء وكله بهدلة وذل وقرف ... المهم عالجنا مشكلة حمامنا الخاص وصرنا برجوازين شوية وحطينا مبلغ مش بسيط لنشبك حمام الخيمة ع أقرب منهل لخط الصرف الرئيسي. ومشي الحال، وصرنا نستخدمه تواليت واستحمام. سابقاً عشان اتحمم كنت بضطر امشي مسافة طويلة اروح لبيت زميلتي ريما عشان اتحمم في حمام بيتهم " يخلف ع آل البلبيسي والله ،. ع رااااسي من فوق ". كمان قسراً اضطرينا نخلي للمرة الرابعة وما ضل لا خيمة ولا حمام خيمة ولا ضل بيت حبايبنا آل البلبيسي ، ونزحنا كلنا على دير البلح.
من منتصف مايو لحتى الآن واحنا قاعدين في خيام في مدينة دير البلح، طبعاً وصولك لمكان نزوح جديد يعني تأسيس من جديد بكل التفاصيل، وبدك تركب خيم وبدك تنقل وترتب أغراض وبدك وبدك، بهاد الوقت ما كان في مجال لإنشاء حمام، اللي صار اول يومين أنه عشنا زي البِسس/ القطط، تعاملنا مع تلبية نداء الطبيعة بأنه بكل بساطة وقرف عملنا جورة/ حفرة لحد ما قدرنا تاني وعملنا حمام لخيمنا من الشادر والنايلون، وربطناه عخط الصرف الرئيسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق