الأحد، 18 يونيو 2023

الخطاب السياسي الديني مع الحراك الثوري

 

الخطاب الإسلامي في الثورة ودور الإسلام السني في بناء الدولة

دور الإسلام السني بنظرة اجنبية

يمكن للقادة الدينيين ومؤسساتهم أن يلعبوا دوراً مهماً في عملية بناء الدولة، بشرعيتهم، ومستوياتهم العالية من الثقة، وغالباً بمواردهم المادية  والبشرية الواسعة، فيمكن للمؤسسات الدينية أن تكون إما حلفاء أقوياء أو أعداء أشداء للجهود الدولية لإعادة بناء الدول، وتُحدد قدرة المؤسسات الإسلامية السنية على الإسهام في الاستقرار عبر مشاركتها في الفصل بين الخلافات، وبناء رأسمال اجتماعي ونشر قيم مدنية. وحل الخلافات.

أن العدد الكبير من رجال الدين وشعبيتهم الواسعة بالإضافة لوجود شبكة كبيرة من المؤسسات التعليمية يجعل منهم قوة جبارة لنشر القيم المدنية، إلا أن المساهمات الدينية في الاستقرار من المرجح أن تكون منخفضة أو متوسطة، وبصورة عامة، قد يشير هذا إلى أن المؤسسات الدينية قادرة على الإسهام في بناء الدولة، لكن فقط عبر آليات محددة وبصورة أكثر قوة بوصفها مصادر لتشريع سلطة ونشر القيم المدنية.

وحتى حين نفهم العمليات التي يمكن من خلالها للمؤسسات الدينية الإسهام في بناء الدولة يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت ستقوم بذلك، يفترض الرأي الشائع أن المؤسسات الدينية تطمح لذات الأهداف التي ينشدها الفاعلون الدوليون-السلام والازدهار في المقام الأول- وهو موقف قاد إلى احتواء الدين للوفاء بأهداف عابرة لمنظمة دولية أو عسكرية أجنبية. بدلاً من ذلك، ينبغي أن يتضمن أي جهد للتعامل مع المؤسسات الدينية في جهود بناء الدولة فهماً للكيفية التي يمكن بها للدولة أن تساعد في تحقيق ما يعتبرونه إرادة الله. وبعبارة أخرى، ما هو الغرض الذي تخدمه الدولة في أصول الدين؟ وأخذ هذا السؤال بعين الاعتبار هو الخطوة التالية المطلوبة قبل أن ينظر الفاعلون الدوليون في التعامل مع المؤسسات السنية.
دور الإسلام السني بنظرة واقعية علمية المجلس الإسلامي

ولدت فكرة تأسيس المجلس الإسلامي السوري اثناء لقاء دوري مع علماء دمشق وبعض المحافظات الأخرى قبل خروجنا بسنوات، رحب جميع العلماء بفكرة التعاون، حيث التقت أربعون رابطة ومنظمة وهيئة علمية وهيئة شرعية على إقامة هذا المجلس واجتمعت على فكرة واحدة ونظام داخلي واحد، وانتخاب أعضاء المجلس الإسلامي السوري الذي يضم نخبة علماء الأمة.

الهدف من المجلس الاسلامي هو تكوين مرجعية شرعية دينية علمية للشعب السوري ولأهل السنة والجماعة من كافة الشرائح، فنحن لا نعمل بالسياسة أو العسكرة، بل بضرورة التواصل مع جميع مكونات الثورة لجمعها على كلمة واحدة وهدف واحد مهما اختلفت الرؤى والأفكار والتوجهات ومواقف الأحزاب .

بعض الدول الغربية تقدم لبعض الفصائل ببعض الأسلحة، فهذه الدول لا تمدهم بهذه الأسلحة لإسقاط النظام، وإنما لتتوازن القوى بينهم وبين النظام لإطالة حتى يذبح من المسلمين أكثر ما يمكن أن يتصور.

 

الخطاب الديني لشيوخ السلطة

عمل النظام على تحييد المؤسسة الدينية في البلاد منذ عام 1963، تاريخ استلام  حزب "البعث" السلطة  عام  1970 حين استلم حافظ الأسد السلطة، وهو يعرف أنه ما كان ليستمر لولا مباركة هذه المؤسسة، التي كان يقودها الشيخ أحمد كفتارو الذي نسج مع مشايخ آخرين خيوط علاقة متينة مع الأسد منحتهم امتيازات جمّة مقابل الولاء وتهدئة الشارع طيلة حكمه،

وغضّت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، الطرف عن بروز تيار ديني يُوصف بـ"النخبوي"، انتشر بين نساء الطبقة الغنية في دمشق تحت إشراف المفتي العام حينذاك أحمد كفتارو، عُرف بـ"القبيسيات"، نسبة إلى مؤسسة هذا التيار النسائي منيرة القبيسي،

في بداية الثورة السورية في 2011 "عمل الأسد على استرضاء المؤسسة الدينية، حيث تراجع عن قرار فصل المنقبات، مع الاعتراف بالشهادات التي تصدرها المعاهد الدينية. كما استعان بالمؤسسة الدينية لتطويق الحراك الثوري".

وكان معظم رجال الدين التابعين لوزارة الأوقاف ومفتي الجمهورية أصدروا فتاوى ضد الخروج على رئيس النظام، وكان من أبرزهم الشيخ رمضان البوطي والمفتي بدر الدين حسون.

أشاد بشار الأسد بالدور الذي لعبته المؤسسة الدينية في سورية، كرديف إلى جانب قواته في حربها على الشعب السوري، مضيفاً أن "الجيش يحارب الإرهاب" و"المؤسسة الدينية تحارب الفتنة".

في أسباب الحضور الباهت للتدين الدعوي في الثورة السورية

1-   يتبنى التدين الدعوي في سورية في غالبيته وبتوجهاته المختلفة المعارض المؤيد والمحايد، إلى أن مشكلة السوريين تكمن في ابتعادهم عن الشريعة الإسلامية وهم بذلك يلغون السياسة بوصفها عاملا أساسي في تكوين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية للناس .

2-   النظام اكبر المستفيدين من هذا التدين الذي دأب على تغريب السوريين عن السياسة لصالح جعل السوري يعتقد أن أوضاعه الدينية والنفسية والأخلاقية هي سبب المشكلات كلها ومفتاح الحلول لها،

3-   يردد غالبية وجهاء التدين الدعوي أن الحل بالعودة إلى الإسلام وتعاليمه، ويتجاهلون أن تطبيق تعاليم الدين الإسلامي الإنسانية موجودة في الغرب». والمقصود هنا العدالة والمساواة والحقوق، وهى تحتاج إلى نظام سياسي يطبقها، لأن علة تنظيم المجتمع في الغرب وعدالته هو النظام السياسي، وليس مدى التزام الغربيين بتعاليم الأديان.

4-   نشر قيم الإسلام الإنسانية بحاجة نظام حكم ديمقراطي يؤمن بالعدالة والمساواة، ومسألة تأخر المسلمين مسألة سياسية، وليست مسألة دينية، والسوريون مسلمون في غالبيتهم، ويذهب المتصوفة أن السوريين العاديين بحاجة إلى الدعاة  والمتصوفة، لأن هؤلاء بمفردهم لا يعرفون كيف يفسرون الآيات الكريمة ولا كيف يطبقون احكام الشريعة الإسلامية،

5-   ولا يحمل الدعاة والمشايخ أي مسؤوليات تجاه أوضاع السوريين، لأنه يحمل السوريين أوزار كل ما يحصل لهم، خطاب يشبه في جوهره خطاب النظام من حيث إنه خطاب يبرئ نفسه من أوضاع السوريين وأزماتهم، لأن الثورة وكامل أوضاع السوريين مسألة دينية ناتجة عن عدم التزام الناس بالشريعة الإسلامية وتراجعهم الأخلاقي، وبذلك يخرجون السياسة من المعادلات.

6-   ينتمي الدعاة والمتصوفة إلى أيديولوجية دينية. تشابه الأيديولوجية القومية من حيث أنها لا تتهاون مع المستعمر والعدو الخارجي ولكنها تتهاون بالمقابل مع النظم الطاغية. وهذا الوضع الصعب والمتوتر، وضحته تفسيرات الدعاة المؤيدين للنظام (ابتلاء)

7-   دعوات الناس لفعل الخير وبر الوالدين والالتزام بالشريعة الإسلامية ونبذ التحاسد والغيرة والبخل والتعصب أمور لا تخيف النظام ولا أي طاغية عربي ولن تخيفه لأنها مجرد دعوات أخلاقية ونصائح، ما يخافه النظام هو تحول المواعظ إلى أفعال عبر أليات معينة. أي تحول الأمر إلى عمل سياسي إنهم بكل بساطة يفكرون بالقضية السورية من حيث هي مشكلة غير قابلة للحل البشري.

8-   سلطة بعض رجالات الإسلام في سورية مزيفة ويمكن وصفهم بأنهم ضمن النسق السياسي المهيمن على سورية. ولكنهم فئة مهيمن عليها ضمن هذا النسق، أنهم يشكلون في النهاية فئة مأمورة، أو تابعة، ولسلطتها سقف واضح لا يمكن لها أن تتجاورة.

9-   أن اغلب الدعاة لا يؤمنون بالحربات والديمقراطية (الأهداف العريضة للثورة السورية). لأنها قضايا مستجلبة من الغرب الذي يريد الهيمنة على بلاد المسلمين وهذا ما يجمعهم مع النظام خاصة إذا طالب هؤلاء بحرياتهم وكامل حقوقهم وفق النموذج الغربي

10-         بعض رجالات الإسلام الدعوى في سورية مطالبون بإعادة حساباتهم بشكل جذري وتشجيع الناس على طلب حقوقهم من الحكام ولو بالقوة. ونبذ الفتاوى التي تنافق للأنظمة. وتكوين نظرية جديدة للسياسة وعلاقة الدين بها ورفع الوصاية الدينية على السياسة، وإلا سيظلون يخدمون النظام السوري من حيث يدرون أو لا يدرون.

للتوسع بمعرفة الأفكار جميعها ادخل الى رابط الموضوع  https://kenanaonline.com/users/lkoud/downloads/125146

 

انتهى بتوفيق من الله

         الخطاب السياسي في سورية محمد اللكود

الأربعاء، 14 يونيو 2023

شعوب هجرها الاتحاد السوفيتي السابق

 

شعوب هجَّرتها روسيا عبر التاريخ.. تهجير الشركس الأديغة

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2022/02/chechens_aukhyurt_1957_zvryni4-width-800.jpgشهد شمال القوقاز بين عامي 1763 و1864، حرباً استمرت 101 عام بين روسيا القيصريّة والشركس الأديغة، وصنفت تلك الحرب باعتبارها من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ وأطولها، ويعدُّ الشركس من شعوب بلاد القوقاز الأصليّة، وهم أحد أقدم الشعوب التي دخلت الإسلام في أوروبا.

اندلعت هذه الحرب للعديد من الأسباب، أولها أن سكان شمال القوقاز من المسلمين، وثانيها هو أهمية موقع القوقاز، الذي يعتبر صلة وصل بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وكونه طريقاً تجارياً آمناً بين الهند والصين إلى أوروبا، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المميز، إذ تنتشر في القوقاز الغابات والسهول، وتساعد الأمطار الوفيرة على زراعة المحاصيل على أنواعها، فضلاً عن الثروات الباطنية من البترول والغاز.

أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة تجاه سكان شمال القوقاز المسلمين في القرن التاسع عشر، وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعب هذه المنطقة، راح ضحيتها أكثر من 500 ألف قتيل من الشركس، عندما أوقف العثمانيون والإنجليز دعمهم عن الشركس، بدأوا بخسارة أراضيهم لصالح روسيا القيصرية بعد صمودٍ دامَ أكثر من 100 عام، كما بدأ الروس بتهجير الشركس الأديغيا باتجاه الدولة العثمانية على متن قوارب متهالكة تسببت بوفاة كثيرين في البحر الأسود.

في معركة وادي كبادا في سوتشي يوم 21 مايو/أيار 1864  تعتبر آخر معركة بين الشركس والروس والتي أعلن بنهايتها سيطرة روسيا على مناطق الشركس بالكامل، وتحوّل هذا التاريخ إلى يوم الإعلان عن بداية مرحلة جديدة بالنسبة للشركس الأديغة المسلمين وبات يسمى بـ"يوم الحزن الشركسي" أو "يوم الحداد".

وعندما وصل المهجَّرون باتجاه الدولة العثمانية، بدأت الأخيرة بتوزيعهم على مناطق سيطرتها في الأردن التي كانت المحطةَ الأساسية لهم في بلاد الشام ومن ثم سوريا ولبنان وفلسطين، ونحو 90% من الشركس تم تهجيرهم بعد الحرب، ومعظمهم لا يزالون يعيشون في الدول التي هُجِّروا إليها، كما لا تزال روسيا حتى يومنا هذا ترفض الاعتراف بإبادة الشركس وتهجيرهم.

تهجير الشيشان والأنغوش

في الـ23 من فبراير/شباط 1944، جاءت دعوة من الشرطة السريّة السوفييتية إلى كبار رجالات قبائل الشيشان والأنغوش؛ من أجل حضور احتفالات يوم الجيش الأحمر.

توجه الرجال إلى مكان الحفل، لكنهم فوجئوا بوجود كثير من الجنود السوفييت يحملون رشاشات آلية ويقفون أمامهم، الاحتفالات كانت مجرد خدعة لإفراغ القرى من الرجال الكبار أصحاب الكلمة العليا هناك.

تمّ حصار الرجال ونزع أسلحتهم، ومن ثم وقف أحد الجنود وقرأ عليهم مرسوماً خاصاً من جوزيف ستالين يأمرهم بالخروج القسري من مناطقهم.

في الأثناء، اجتاحت القوات الروسيّة القرى الشيشانية والأنغوشية وأفرغتها من جميع سكانها ولم تمهلهم أكثر من 30 دقيقة من أجل تجميع متاعهم، ومن ثمّ أودعتهم في شاحنات القطارات وأرسلتهم جميعاً باتجاه المنفى في جمهوريات آسيا الوسطى وأقصى شرقي سيبيريا، رغم أن الشيشان والأنغوش لم يكونا شعباً واحداً، لكن الديانة الإسلامية التي يؤمنان بها كانت كافية للسوفييت لإخراجهما معاً.

بعد أن انتشر الشيشان في مناطق المنفى تمت تسميتهم بـ"مستوطنين خاصين" وهو أحد المصطلحات السوفييتية التي تشير إلى فئة معينة من الناس تمّ ترحيلها قسراً من أراضيها الأصلية، لأغراض اقتصادية أو عرقية أو دينية، وهم محرومون من أي حقوق دستورية أو جماعية.

وفي عام 1934، قامت الحكومة السوفييتية بدمج شعبي الشيشان والأنغوش في كيان سياسي إداري واحد سمَّته منطقة الشيشان الأنجوشية المستقلة، التي أصبحت جمهورية اشتراكية سوفييتية مستقلة في عام 1936. استمر النفي 13 عاماً، حتى عام 1957، عندما أبطلت السلطات السوفييتية الجديدة بقيادة خروتشوف العديد من سياسات ستالين، وضمن ذلك ترحيل الأمم.

عاد الشيشان والأنغوش في نهاية المطاف ليشكلوا الأغلبية في البلاد، ومع ذلك لايزال الاثنان يعتبران يوم 23 فبراير/شباط يوم إبادة جماعية بحقهما، وهو ما اعترف به أيضاً البرلمان الأوروبي في 2004.

تهجير تتار القرم

مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.

ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا. حيث تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج، مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى.

ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه "يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية".

تهجير شعب الكالميك

تعود جذور شعب الكالميك إلى آسيا وقبائل المغول الغربيّة التي كانت تربي الماشية، في منتصف القرن السابع عشر، أعطى أمير شابٌّ البيعة للقيصر الروسي واستقروا في سهوب منطقة الفولغا السفلى.

وتعتبر منطقة شعب الكالميك هي الوحيدة في أوروبا التي تعتنق البوذية ديناً على المذهب "التبتية" الذي يُعرف بـ"غيلوغبا".

تعرض نحو 100 ألف من شعب الكالميك لعمليات تهجير قسرية من قِبل الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1943، من أرضهم الواقعة شمال الشيشان باتجاه سيبيريا. إذ تمّ نقلهم في عربات الماشية إلى مستوطنات خاصة؛ للعمل الإجباري في سيبيريا. ورغم أنّ أكثر من 23 ألف كالميكي قاتلوا إلى جانب الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، وتوفي ما يقارب 1400 شخص في أثناء نقلهم، أصيب مثلهم بأمراض خطيرة، تم وضع الكالميك المهجرين تحت إدارة المستوطنات الخاصة في سيبيريا للعمل القسري، وعملوا بشكل روتيني 12 ساعة يومياً، حيث استمرت عمليات التهجير القسرية نحو سيبيريا نحو 13 عاماً، ولم يسمح لهم بالعودة إلى أرضهم حتى العام 1957، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت كالميكيا إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية.

تهجير البلقار 

على غرار الشيشان والأنغوش والكالميك هجّرت السلطات السوفييتية أيضاً كامل شعب البلقار الذي يقطن في شمال غربي القوقاز إلى آسيا الوسطى في عام 1944، والبالغ عددهم 37713 شخصاً، من قراهم خلال يوم واحد، وتمّ في يوم 8 مارس/آذار باتجاه جمهوريتي كازاخستان وقرغيزستان السوفيتيين.

البلقار هم شعبٌ تركي يقطن شمال غربي القوقاز، وهم من السكان الأصليين لجمهورية قبردينو-بلقاريا، ويعتبرون شعباً واحداً مع سكان جمهورية قراتشاي تشيركيسيا المجاورة ويتحدثان اللغة ذاتها.

الشيخ شامل الداغستاني

الشيخ شامل الداغستاني أو الإمام شامل، الرجل الذي كان كابوس الإمبراطورية الروسية طيلة ربع قرن.

تقع داغستان فيما يسمّى بالقوقاز الشمالي بين بحري قزوين والبحر الأسود. كانت هذه المنطقة دائماً موطناً للحروب والصراعات بين الدول الكبرى، فمن ناحية الدولة العثمانية ومن ناحيةٍ أخرى دول وسط آسيا وفي الشمال روسيا القيصريّة.

من يسيطر على داغستان يصبح الطريق أمامه مفتوحاً للسيطرة في سواحل البحر الأسود وكذلك في سواحل بحر قزوين، ومن بحر قزوين ينطلق من يريد للسيطرة على آسيا الوسطى، والتي لها أهمية جيو-استراتيجية عالية جداً باعتبار وقوع طرق التجارة الرئيسية بين آسيا وأوروبا خلالها.

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2020/09/shamil_imam_of_chechenia_and_dagestan.jpgيعرف هذا الرجل بألقاب مثل: "أسد القفقاس" و "صقر الجبال" وهما ليسا لقبين مجازيّين وفقط، بل لقبان لهما أصولهما. فهذا الرجل بتكتيكاته العسكريّة المتقنة استطاع تكبيد الإمبراطورية الروسية خسائر هائلة.

ولد الشيخ شامل الداغستاني عام 1796 في إحدى قرى داغستان. كان وهو صغير كثير المرض وتوقعت عائلته موته، وحسب العادات فقد تمّت تسميته باسمٍ آخر لتبتعد عنه الأمراض، فأصبح اسمه محمد شامل..

درس اللغة العربيّة والفلسفة والفقه والأدب العربي، وهكذا كانت اللغة العربيّة لاحقاً لغته في المراسلات الرسميّة.

دخل الإسلام إلى منطقة داغستان والشيشان من خلال الطرق الصوفيّة، ولهذا فقد كان تاثُّرهم بالشكل الصوفي للإسلام كبيراً، وهكذا تعلّم شامل في الطريقة النقشبنديّة الصوفيّة مع رفيقه الإمام غازي محمد الغيمراوي، الذين قادان معاً مقاومة مسلّحةً مفتوحة مع احد أقوى جيوش العالم في تلك الفترة، من خلال مريدي الطريقة النقشبندية ومن انضمّ لهم من القبائل التي رفضت السيطرة الروسية.

في عام 1832، سقط الملا غازي شهيداً في معركةٍ عنيفة في مواجهته مع الروس، ولم ينجُ من جيشه القليل سوى شخصين، كان أحدهما الشيخ شامل الذي جرح بشدّة ولكنّه استطاع الهرب.

فكان على الإمام شامل أن يلملم جراحه سريعاً، فبعدما قتل رفيق دربه وصديقه المقرّب عليه أن يكمل الرحلة وحده الآن، وبعد سنتين من مقتل الإمام غازي أصبح الإمام شامل إماماً وقائداً لحركة المقاومة. كان جيشه يتكوّن بالأساس من المريدين في الطريقة النقشبنديّة، إضافةً إلى رجال القبائل الذين انضموا له لمقاومة الروس.

تمتّع الشيخ شامل الداغستاني بنظرة ثاقبة ومهارات إدارية عالية، إضافةً لقدرةٍ عسكرية استثنائيّة. فبدأ ترتيب البيت الداخلي، وطبّق نظاماً صارماً قوامه التمسُّك بالإسلام وتوحيد جبهة المقاومة. كانت بلاده من عرقيات مختلفة (حوالي 30 عرقيّة و40 لغة) وقد اعتبر الإمام شامل أنّ الشيء الوحيد الذي سيوحدهم في مواجهة الغزو الروسي هو الإسلام.

قسّم جيشه إلى فرق، كان جيشه حوالي 60 ألفاً. قسّم الفرق على كامل البلاد، وقسمت البلاد إلى 32 ناحية "محافظة" وعيّن على كلٍ منها نائباً عنه ومفتياً وأربع قضاة. وبهذا أصبح جيشه يتحرّك: لا مركزياً تجاه قوّات روسيا القيصرية.

بدأت قيادة الشيخ شامل للمقاومة عام 1834، واستمرّت طيلة ربع قرن حتّى 1859. استمرّت المقاومة سنين طويلة، وكان الجيش الروسي يرتكب العديد من المجازر تجاه المدنيين والقبائل، ما أنهك هذه القبائل، بل إنّ بعض أمراء القبائل رأوا أنّ الأنسب من مقاومة الروس هو التصالح معهم، والتوصُّل معهم لاتفاق.

خاف قادة القبائل من مواجهة الشيخ شامل بهذا الاقتراح، فقد كانوا يعرفون جميعاً العقاب. فقرروا التقرُّب لأمّه ومحاولة استمالتها لتعرض عليه هذا الاقتراح. وقد كان، قرّرت أمه أن تفاتحه في التوصُّل لاتفاقٍ مع الروس. تكشّفت له خيوط المؤامرة شيئاً فشيئاً، فجمع مريديه وأخبرهم: هناك مؤامرة للتعاون مع الروس. وأمِّي ضالعةٌ فيها!

تغيّب الشيخ شامل عدة أيام، اعتكف في المسجد للصلاة والدعاء ليرشده الله إلى الحكم الصواب. لو عاقب الأمراء وأعدمهم سيخسر كثيراً من شعبيته. صحيح أنّ هذه القبائل التي تعيش في جبال الشيشان وداغستان قبائل مسلمة، لكنّها لم تتخلّص من عادة أخذ الثأر والانتقام. ومن ناحيةٍ أخرى لو ترك الأمر يمرُّ دون عقاب فستتزعزع صورة المقاومة أمام الناس.

بعد ثلاثة أيامٍ من الاعتكاف، خرج الشيخ شامل إلى الناس معلناً حكمه: تُجلد والدته مائة جلد! دهش الجميع، فأمر أحد أتابعه بتنفيذ الحُكم، وبعد 5 جلدات طلب منه التوقّف قائلاً: سأتحمّل أنا بقيّة الجلدات، وطلب من الجندي جلده 95 جلدة. وهكذا استطاع أن يحافظ على وحدة القبائل دون أن يجعل الموقف يمرّ دون عقاب.

كانت معارك الشيخ شامل تنتهج ما يعرف في العلوم العسكرية بـ"حرب العصابات"، وكانت هذه الطريقة مناسبة جداً للتعامل مع الجيش الروسي الضخم.

في واحدةٍ من المعارك عام 1835، أرسل القيصر الروسي قوةً ضخمة قوامها 30 ألف جندي للقضاء على الإمام شامل. عندما وصلوا للقرية التي يتحصن فيها الشيخ شامل وسط الأدغال، وهجموا وجدوا مقاومةً بسيطة، فانتصروا بسهولة.

أثناء رجوعهم منتشين بنصرهم كان جيش الشيخ شامل ينتظرهم في كمينٍ محكم وسط الغابات، قتل من الروس في تلك المعركة 25 ألف جندي من أصل 30 ألفاً. وهكذا كانت طبيعة وشكل معارك الشيخ شامل الداغستاني طيلة ربع قرن.

استطاع أن يستحوذ على 4 مدافع روسيّة ضخمة، واستخدمها ضدّ الجيش الروسي، وبعد فترة أصبح لديه منها 12 مدفعاً. وفي معركةٍ أخرى، أرسل القيصر ولي عهده مع كبار قادته في حملةٍ على الإمام شامل، في إحدى المرات حاصروا بلدةً صغيرة. وكانت خطة تلك القرية كالتالي: غطوا أبواب بيوتهم ونوافذهم بالطين، وغيروا سقف منازلهم لتصبح أسقفاً خفيفةً ورخوة، وعندما وصل الروس بدؤوا بالقفز على أسطح المنازل، وبدأت الأسطح تنهار بهم ليتلقفهم مريدو الشيخ شامل.

هُزمت روسيا القيصرية في حرب القرم مع الدولة العثمانية التي تلقت حينها دعماً أوروبياً قوياً، سجلت الهزيمة عام 1856، وأمام هذه الهزيمة الكبيرة كان قادة الجيش الروسي يحتاجون أن ينتصروا في معركةٍ تعيد لهم هيبتهم، وهكذا في عام 1859 تحوّل مائتا ألف جندي روسي إلى جبهة الشيخ شامل الداغستاني بقيادة الجنرال الشاب أليكساندر إيفانوفيتش بارياتسكي.

عكف بارياتسكي على دراسة نمط معارك الشيخ شامل، الذي كان حينها في سن 63 عاماً. وهكذا فقد جعل بارياتسكي مهمّة فرقة كاملة من الجيش الروسي: تقطيع الأشجار الضخمة من الغابات، لأنّ تلك الأشجار الضخمة التي يصل طولها أحياناً 100 م، كانت مقرّ مكامن الشيخ شامل ومقاومته.

وهكذا استطاع بارياتسكي أن يوهم الشيخ شامل بهجومٍ من ناحية، بينما هاجمه جيشٌ آخر من ناحيةٍ أخرى بطريقة "الكمّاشة". كان الشيخ شامل في 500 فقط من مجاهديه، أمام 40 ألفاً من الروس، قرّر حينها الشيخ شامل الاستسلام.

استسلم الشيخ شامل بعد ربع قرن من المقاومة، وقد أخذه الروس في رحلةٍ بريةٍ طويلة من بلاده إلى موسكو ليحسِّنوا سمعة الجيش الروسي المهزوم في حرب القرم، فها قد انتصرنا أخيراً على عدونا اللدود الشيخ شامل. وبعدها بعشر سنين في عام 1869 طلب الشيخ شامل مغادرة الأراضي الروسية ليحجّ إلى مكّة، ووافقت السلطات الروسية على طلبه، فوصل إلى إسطنبول ومنها إلى مكّة، ثمّ منها إلى المدينة التي توفي فيها عام 1871 ودفن هناك.

المرجع عربي بوست خير الدين الجابري

الفتاوة في زج المسلمين في الصراع الروسي الاكراني

 

إشكاليات اقتتال المسلمين بدوافع وطنية

الأصل في الإسلام أن القتال يكون بين المسلمين وغيرهم، لا بين المسلمين بعضهم البعض؛ حيث تحرم النصوص قتال المسلم للمسلم، فالنبي ﷺ جعل أكبر الوعيد على تقاتل المسلمين فيما بينهم، ففي الحديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار) مسلم 2888.

وما من حالة يجوز فيها قتال المسلمين بعضهم البعض إلا في حالة البغي، حيث يرفع فريق من المسلمين السلاح ويبغون على جماعة أخرى من المسلمين، فإذا لم تنجح دعوات الإصلاح فإن قتال البغاة يصبح واجباً حتى يرتدع الباغي عن بغيه ويعود إلى رشده، فإذا استقرت الأمور فلا مبرر لاستمرار القتال، قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا  فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ  فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9].

ولكن هذه الحالات تفترض أن هناك "دولة مسلمة" و"جيشاً مؤمناً" ولكن الأمر في الحرب الأوكرانية الروسية مختلف تمام الاختلاف، فما ثمة جيش مسلم ولا دولة مسلمة!

وحدث مثل هذا الاقتتال بين المسلمين  في حرب الخليج الثانية التي اجتمع فيها عدد كبير من قوات الدول الإسلامية تحت إمرة أمريكية وهو ما جعل كثيراً من المسلمين يتحرجون من مسألة الاستعانة بدولة غير مسلمة وقوات غير مسلمة لتحل خلافاً بين المسلمين، وارتكزت الفتاوى الرسمية السعودية حينها على فكرة رفع الظلم ومقاومة الباغي بما هو متاح وممكن، وهي الفتاوى التي مهدت الطريق لوجود عسكري أمريكي مستقر في الجزيرة العربية لم ينتهِ حتى وقتنا الحالي!

إن تحديد الهدف من القتال يعتبر أهم ما ينبغي معرفته لتحديد مدى مشروعية القتال، فقد يكون الانخراط في القتال واجباً إذا كان دفاعاً عن المقدسات والأرواح والأعراض، ويكون إهداراً للأرواح إذا لم يكن له هدف مشروع وواضح ومحدد، والناظر في الحرب الحالية لا يستطيع أن يجد مسوغاً شرعياً لموقف الرئيس الشيشاني وانخراطه في القتال الذي لا يوجد فيه دفع لظلم ولا نصر لمسلم ولا أي مقصد شرعي معتبر!

إشكاليات الدولة والمواطنة، مَن الصديق ومن العدو؟!

يعتبر تحديد المعسكر الذي سيقاتل فيه المسلم أحد أكبر الإشكاليات المعاصرة، حيث ذوبت الدولة الحديثة فكرة الأخوَّة في الدين واستبدلتها بالقومية والوطنية، حيث قد يجد المسلم نفسه مقاتلاً في جيش غير مسلم ولكنه ينتمي إلى جنسيته!

وهنا يقوم الفرد المسلم بتحقيق أهداف غير المسلمين، وهي أهداف لا يمكن بحال من الأحوال أن تتوافق مع مقاصد الإسلام من القتال، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ  إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، ولقد نهى الله تعالى عن موالاة غير المسلمين في مسائل القتال تحديدًا لحساسيتها: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر: 11].

وهذه الإشكالية ظهرت بجلاء عند غزو الولايات المتحدة للعراق 2003 حيث تضاربت الفتاوى حول حكم خدمة المسلمين في الجيش الأمريكي، وهو ما كشف وجود فجوات كبيرة بين التنظير والتطبيق في مجال السياسة الشرعية.

والحقيقة أن موقف مسلمي أوكرانيا طبيعي ومتوافق مع مقاصد الشرع التي توجب الدفاع عن النفس والعرض، فهم في موقع دفاع لحماية أنفسهم، ولكن الزج بمسلمي الشيشان في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل ويقاتلون إلى جوار العدو الذي سحق بلادهم في حربين انتهت آخرهما عام 2009 يعتبر أمراً عجيباً والأعجب أن يتم الزج بهم في هذه الحرب تحت راية دينية وشعارات إسلامية وكأنهم منطلقون إلى تحرير المقدسات!

إن حرباً مثل التي تدور حالياً بين روسيا وأوكرانيا تضع على عاتق العلماء المسلمين والباحثين واجبات توضيح المساحة التي يمكن أن تتدخل فيها السياسة وتعمل عملها وبين المساحة التي تعتبر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تعديها تحت أي ذريعة كانت، كما تضع هذه الأحداث مسؤولية شخصية في عنق كل مسلم ألا يلقي بنفسه في صراع لا يعلم أبعاده ولا تتضح له أهدافه ولا يستطيع أن يفرق فيه بوضوح بين الصديق والعدو، طالما أنه ليس مضطراً لذلك.

جدل كبير وتساؤلات عدة أثارتها الحرب الروسية- الأوكرانية ولا سيما بعد إقحام الجيش الشيشاني المسلم فيها، انقسمت الآراء حول ذلك بين طرف مؤيد مشجع وآخر معارض مخوّن، وفي الحقيقة وراء تلك الآراء تختبئ الكثير من وجهات النظر المحقّة، لكن غالباً ما يتم إظهار المشهد السياسي بدافع العاطفة.

فهناك من يؤيد تدخُّل الجيش الشيشاني؛ لأنه مسلم يغزو دولة غير مسلمة، متناسياً أنه يغزو باسم الدولة الروسية، بينما يقوم الآخر بتخوين هذا الجيش ومحاسبته كما لو أنه مستقل يتخذ قراراته الدولية بنفسه، متناسياً وقوعه تحت الحكم الروسي الغاشم، وموالاة رئيس الجمهورية للقيادة الروسية.

الصراع الجديد في اوروبا والتوسع الروسي

 

الصراع الحالي في أوروبا

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ظهرت الحرب الباردة بين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية ومحاولة كل كتلة الاستحواذ على الاقتصاد العالمي والسيطرة على الجغرافيا السياسية للكتلة الأخرى ، ولكن الانفراج في العلاقات الدولية التي حدثت مع تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء حلف وارسو ادى الى ظهور سياسة القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الامريكية والدول الشريكة لها في حلف الناتو التي أخذت باستقطاب الدول الجديدة في المستقلة عن الاتحاد السوفيتي فنشأ نوع من الصراع الجديد محوره أن تحافظ روسيا على قوتها العسكرية وعلى موقعها المنافس للولايات المتحدة الامريكية وعلى عودة القطبية الثنائية للعالم .

هذه الأيديولوجيات التي سيطرت مع توفر مناخ عدم الثقة بين الأطراف المتنازعة أدى الى الصدام العسكري بين الطرفين في أوروبا وتمثل بمحاولة احتلال روسيا لاكرانيا وزعزعة الامن الأوروبي ، فماذا تريد روسيا ؟ وكيف عالجت المشكلة ؟ ومن الأطراف التي شاركت بالصراع ؟ وما فكرة زج المسلمين في صراع ليس لهم فيه ناقة ولا جمل ؟ وما المخرج من هذا الصراع .

هذه الأسئلة كانت وراء فكرة كتابة هذه المقالة وتسليط الضوء على تاريخ انتهاكات حقوق الانسان من قبل الروس وإدارتهم للصراعات من اجل السيطرة على الأقليات والدول الإسلامية بعد الثورة الاشتراكية وما النتائج .

روسيا وأوكرانيا: ماذا يريد بوتين وهل ستنهي روسيا حربها؟

روسيا لا تستطيع أن تشعر "بالأمان والتطور والوجود".لان أوكرانيا المعاصرة ذات الميول الغربية تشكل تهديدا دائما لها .

هذا ما اطلقه الرئيس الروسي عندما دمر السلام في أوروبا بإطلاق العنان للحرب على دولة ديمقراطية عدد سكانها 44 مليون نسمة، يبقى السؤال: ما هو هدف حرب؟  وهل هناك مخرج ؟

ماذا يريد بوتين؟

أن الأهداف التي حددها الرئيس الروسي في بداية الغزو الروسي قد تم تقليصها أثناء الحرب التي افترض أنها ستنتهي بانتصار سريع. لم يستطع بوتين حتى الاعتراف بأنها كانت غزوا أو حربا، مفضلا عبارة "عملية عسكرية خاصة"، لأنه يرى هذه لحظة محورية في التاريخ الروسي. وأن مستقبل روسيا ومكانتها المستقبلية في العالم على المحك".

كان الهدف الأساسي هو اجتياح أوكرانيا وإقالة حكومتها، ثم ضمها الى روسيا كما فعل بالقرم ومنهيا للأبد رغبتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وقال بوتين للشعب الروسي إن هدفه هو "نزع السلاح من أوكرانيا واجتثاث النازية منها"، لحماية أولئك الذين تعرضوا لما وصفه بـ 8 سنوات من التنمر والإبادة الجماعية من قبل الحكومة الأوكرانية.

 وشدد على أن "احتلال الأراضي الأوكرانية ليس خطتنا، لا ننوي فرض أي شيء على أحد بالقوة".

روسيا وأوكرانيالكن لم يكن هناك نازيون ولا إبادة جماعية ، وفرضت روسيا سيطرتها بقوة وحشية على عشرات البلدات والمدن، ووحدت الأوكرانيين في معارضة احتلالها.

ويتواصل القصف، لكن التقارير الأخيرة من محادثات السلام تشير إلى أن روسيا لم تعد تسعى للإطاحة بالحكومة الأوكرانية، وتهدف بدلا من ذلك إلى أن تصبح أوكرانيا محايدة.

لماذا يريد بوتين أوكرانيا محايدة؟

منذ حصول أوكرانيا على استقلالها في عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتي، اتجهت تدريجيا نحو الغرب .. صوب كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو".

ويهدف الزعيم الروسي إلى عكس ذلك التوجه حيث يرى أن سقوط الاتحاد السوفيتي كان بمثابة "تفكك لروسيا التاريخية"، لقد زعم بوتين أن الروس والأوكرانيين شعب واحد. وأكد "لم يكن لأوكرانيا أبدا تقليد إقامة دولة حقيقية"، نافيا التاريخ الأوكراني.

وضغط بوتين في عام 2013 على فيكتور يانوكوفيتش الزعيم الأوكراني الموالي لروسيا حتى لا يوقع اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي مما أدى إلى احتجاجات أطاحت في نهاية المطاف بذلك الرئيس الأوكراني في فبراير/شباط من عام 2014.

وردت روسيا في 2014 بالسيطرة على منطقة القرم الجنوبية في أوكرانيا وإثارة تمرد في الشرق ودعمت الانفصاليين الذين قاتلوا القوات الأوكرانية في حرب استمرت 8 سنوات وأودت بحياة 14 ألف شخص.

وكان هناك وقف لإطلاق النار واتفاق سلام مينسك لعام 2015 الذي لم يتم تنفيذه مطلقا. وقبل غزوه أوكرانيا بفترة وجيزة، مزق الرئيس بوتين اتفاقية السلام واعترف بدولتين صغيرتين تدعمهما روسيا على أنهما مستقلتان عن أوكرانيا، وعندما أرسل قواته إلى أوكرانيا، اتهم بوتين الناتو بتهديد "مستقبلنا التاريخي كأمة"، زاعما، دون أساس، أن دول الناتو تريد نقل الحرب إلى القرم.

هل هناك مخرج من هذه الحرب؟

يعتقد مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك أن وقف إطلاق النار يمكن أن يبدأ في الأيام المقبلة لأن القوات الروسية عالقة في مواقعها الحالية، وتحدث الجانبان بشكل إيجابي عن التقدم في المفاوضات، ويقول بودولياك إن الرئيس الروسي خفف من مطالبه.

في بداية الحرب، أراد الزعيم الروسي أن تعترف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا وأن تعترف باستقلال الشرق الذي يديره الانفصاليون، وأن تغير أوكرانيا دستورها لضمان عدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوروبي.

ولا يزال الوضع المستقبلي لشبه جزيرة القرم والدويلات المدعومة من روسيا في لوهانسك ودونيتسك بعيدا عن الحل، لكنهما قد لا يفسدان الاتفاق إذا اتفق الجانبان على معالجة هذه المشكلة في وقت لاحق.

منطقتا لوهانسك ودونيتسك

ويبدو أن روسيا وافقت على عدم قدرتها على الإطاحة بالقيادة الأوكرانية واستبدالها بحكومة دمية، كما هو الحال في بيلاروسيا. وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي في بداية الحرب إنه تلقى تحذيرا "لقد صنفني العدو باعتباري الهدف رقم واحد، وعائلتي هي الهدف الثاني".

لأن روسيا تفكر في إنشاء أوكرانيا "المحايدة والمنزوعة السلاح" بجيشها وقواتها البحرية على غرار النمسا أو السويد وكلاهما عضو في الاتحاد الأوروبي.

وتعد النمسا محايدة، لكن السويد ليست كذلك فهي في الواقع غير منحازة وتشارك مع ذلك في مناورات الناتو، لم يقتنع الجميع بأن روسيا تتفاوض بحسن نية. وقال وزير الخارجية الفرنسي إن على موسكو إعلان وقف إطلاق النار أولا، لأنك لا تجري محادثات "وبندقية موجهة صوب رأسك".

ما هي مطالب أوكرانيا؟

يقول المستشار الرئاسي إن مطالب أوكرانيا واضحة: وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية، ولكن أيضا ضمانات أمنية ملزمة قانونا من شأنها أن تمنح أوكرانيا الحماية من مجموعة من الدول الحليفة التي من شأنها أن تمنع الهجمات و "تلعب دورا نشطا إلى جانب أوكرانيا في الصراع ".

و يقول مارك ويلر، أستاذ القانون الدولي و خبير وساطة سابق للأمم المتحدة، إن تأمين الانسحاب العسكري الروسي إلى مواقع ما قبل الحرب لن يكون مطلبا أوكرانيا فحسب، بل سيكون أيضا خطا أحمر بالنسبة للغرب الذي سيرفض قبول "صراعات روسية مجمدة" أخرى.

كما خففت أوكرانيا من موقفها منذ الغزو الروسي حيث قال الرئيس زيلينسكي إن الأوكرانيين يفهمون الآن أن الناتو لن يقبلهم كدولة عضو: "إنها حقيقة ويجب الاعتراف بها".

وقال بودولياك لمحطة بي بي إس الأمريكية: "نحن نعمل على وثائق سيتمكن الرؤساء من مناقشتها بشكل أكبر والتوقيع عليها. من الواضح أن ذلك سيحدث في وقت قريب لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه الحرب".

هل سيتوصل بوتين إلى اتفاق مع الناتو؟

لقد زاد بغض الرئيس الروسي للغرب وتحالفه العسكري الدفاعي (الناتو)، وقناعته أن الغرب سيستمر بالضغط عليه حتى ينسحب من كل الأرض التي احتلها دون شرط وسيستمر الغرب بتنفيذ برنامجه بالقضاء على روسيا واتفكيكها وتقسيم المجتمع في روسيا وتدميره في نهاية المطاف. ربما يفكر ايضاً في التوصل إلى حل وسط مع أوكرانيا بالانسحاب مقابل اعتراف لحكومة الاكرانية بأن المناطق التي احتلها تتبع لروسيا وهذا لن يحصل .

روسيا وأوكرانياوقبيل الحرب، طالب الناتو بإعادة عقارب الساعة إلى عام 1997 والتراجع عن توسعه شرقا، وإزالة قواته وبنيته التحتية العسكرية من الدول الأعضاء التي انضمت إلى الحلف منذ عام 1997 وعدم نشر "أسلحة هجومية بالقرب من حدود روسيا"، وهذا يعني أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية ودول البلطيق، ولكن لم تلتزم دول الناتو بهذا الطلب.

في نظر الرئيس بوتين، وعد الغرب في عام 1990 بأن الناتو لن يتمدد "شبرا واحدا نحو الشرق"، لكنه فعل ذلك على أي حال.

كان ذلك قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، لذلك فإن الوعد الذي قُطع للرئيس السوفيتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف أشار فقط إلى ألمانيا الشرقية في سياق ألمانيا الموحدة.

وقال غورباتشوف لاحقا إن "موضوع توسيع الناتو لم يُناقش أبدا" في ذلك الوقت.

وبعد أن شهدوا استعداد بوتين لتدمير المدن الأوروبية لتحقيق أهدافه، فإن القادة الغربيين ليس لديهم أي وهم الآن، ويعتقد المستشار الألماني أولاف شولتز أن الرئيس الروسي "يريد السيطرة على أوروبا وفقا لرؤيته للعالم"، وقد وصفه الرئيس جو بايدن بأنه مجرم حرب. وتحدث كل من شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أن القارة الأوروبية عند نقطة تحول في تاريخها.

وكانت روسيا قد طالبت قبل الحرب بمنع جميع الأسلحة النووية الأمريكية من الخروج من الولايات المتحدة. وعرضت الولايات المتحدة بدء محادثات بشأن الحد من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وكذلك بشأن معاهدة جديدة تتعلق بالصواريخ العابرة للقارات، لكن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك في الوقت الحالي.

ماذا بعد لروسيا؟

لقد أصيب الرئيس بوتين بالذهول من حجم رد الفعل الغربي على غزوه. كان يعلم أن أعضاء الناتو لن يضعوا جنودا على الأرض أبدا في أوكرانيا، لكنه لم يكن بإمكانه أن يخمن مدى العقوبات التي لها بالفعل تأثير كبير على الاقتصاد الروسي، وهو غاضب.

واستهدف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا الاقتصاد الروسي بعدة طرق:

·       فقد تم تجميد أصول البنك المركزي الروسي وإبعاد البنوك الروسية الكبرى عن شبكة تحويل مدفوعات سويفت الدولية.

·       حظرت الولايات المتحدة استيراد النفط والغاز الروسي. ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى خفض واردات الغاز بمقدار الثلثين في غضون عام، وتسعى بريطانيا إلى التخلص التدريجي من النفط الروسي بحلول نهاية عام 2022

·       أوقفت ألمانيا الموافقة على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الروسي، وهو استثمار كبير لكل من روسيا والشركات الأوروبية

·       مُنعت شركات الطيران الروسية من المجال الجوي فوق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا

·       تم فرض عقوبات شخصية على الرئيس بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف والعديد من الأفراد الآخرين

هذه العقوبات ستستمر ولن تنهي اتفاقية السلام مع أوكرانيا هذه العقوبات وفلاديمير بوتين يعرف ذلك، وهذا الاعتقاد دفعه انقلب على الروس الذين عارضوا الحرب  بدلا من التعامل مع هذا الأمر بطريقة سياسية تضمن سالم روسيا، فقد تم سجن ما يقرب من 15 ألف متظاهر مناهض للحرب، وتم إسكات جميع وسائل الإعلام المستقلة تقريبا، ولم يتبق في روسيا أي معارضة سياسية ذات مغزى لأن المعارضين إما فروا من البلاد، أو كما هو في حالة زعيم المعارضة أليكسي نافالني ، تم سجنهم.

ويقول الرئيس الروسي بوتين: "سيكون الشعب الروسي دائما قادرا على التمييز بين الوطنيين الحقيقيين والحثالة والخونة".

ولتحقيق خلط عدد اكبر من الأوراق في استمرار حربه في أوروبا فعمل على استرجاع ارض الاتحاد السوفيتي وأول محاولاته كانت ضم القرم الي روسيا ، ولهذا سنسلط الضوء على هذه المناطق المقاومة فيها ومن قاوم الاحتلال الروسي ولماذا ؟ وما دور المقاومة الإسلامية وكيف تم زجوها ؟

 

 

 

تتار القرم المسلمون

من هم تتار القرم المسلمون؟

تتار القرم هُم مجموعة عرقيّة، تُقيم بإقليم شبه جزيرة القرم الذي سيطرت عليه روسيا من أوكرانيا في عام 2014، ويتحدثون لغتهم المحليّة الخاصة القريبة من اللغة التركية. يعود أصل تتار القرم إلى قبائل تركيّة قديمة سكنت الساحل الشمالي للبحر الأسود، ويقال إن أجدادهم ينحدرون من جبال القوقاز.

وتتحدث المصادر التاريخية عن أن تتار القرم استقروا في شبه جزيرتهم خلال العصر العباسي، فأسسوا جمهورية "تتار القرم" المُسلمة التي أصبحت دولة قوية في القرن الرابع عشر الميلادي، واستطاعت أن تمد نفوذها إلى المناطق المجاورة، حتى إنها فرضت ذات يوم الجزية على موسكو

ولاحقاً، ضمت القرم إلى الخلافة العثمانية، إلى أن تمكّن الروس بعد قرابة القرن من غزو شبه جزيرة القرم وضمها إليهم في سنة 1783م، خلال عهد الإمبراطورة الروسية كاثرين العظيمة، حيث عانى عشرات الآلاف من تتار القرم في العقود التي تلت ذلك، من السياسات التمييزية الروسية، مما دفع الكثيرين منهم إلى النزوح إلى الدول المجاورة، بما في ذلك الإمبراطورية العثمانية.

عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.

ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين ليلة وضحاها وتحديداً بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا. ووفقاً لما ذكرته  فقد تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج.

مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية، والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى، وأودى الترحيل بحياة من ثلث إلى نصف سكان تتار القرم في ذلك الوقت. أما نفيهم من منازلهم فكان عقاباً لهم على تعاونهم المزعوم مع ألمانيا النازية، التي احتلت شبه جزيرة القرم في الحرب العالمية الثانية.

ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه "يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية".

خلال الأزمة الأوكرانية في عام 2014، رفض تتار القرم العيش تحت ظل الاتحاد الروسي وتظاهروا داخل شبه الجزيرة ضد الإجراءات الانفصالية عن أوكرانيا، حيث لم تغب عنهم ذكريات الاضطهاد الروسي القديمة. لكن في 16 مارس/آذار 2014، وقع ما كان تتار القرم المسلمون يخشونه، حيث تم ضم شبه الجزيرة إلى روسيا، عبر استفتاء من جانب واحد، لم يُعترف به دولياً.

يقاومون "الغزاة الروس" الذين أخرجوهم من ديارهم.

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2022/03/image-2-1.pngما كتيبة القرم الإسلامية التي تقاتل في أوكرانيا؟

 بدأت حكاية كتيبة القرم الإسلامية بعد أحداث الثورة الشعبية الأوكرانية عام 2014 على نظام فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، والتي تسببت باضطرابات واسعة جنوب وشرق أوكرانيا، أدت في النهاية إلى انفصال منطقتي دونيتسك ولوغانسك بدعم روسي، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس/آذار عام 2014 بعاصمتها سيمفروبول، بعدما كانت جزءاً من الأراضي الأوكرانية منذ عام 1954، ضمن الاتحاد السوفييتي

في شهر فبراير/شباط 2014، رافق الضم تدخل عسكري كبير من روسيا في شبه جزيرة القرم، وذلك بعدما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "يجب علينا أن نبدأ العمل على إعادة شبه جزيرة القرم إلى روسيا". ونجحت القوات الروسية بالسيطرة على مدن شبه الجزيرة ومواقع ومبان استراتيجية، أبرزها برلمان القرم، ونصبت حكومة محلية موالية لها هناك، وتم إجراء استفتاء من طرف واحد حول حالة القرم على الفور، وأعلن "استقلالها" عن أوكرانيا، في 16 مارس/آذار 2014، وبعد يومين فقط منذ ذلك الحدث أعلنت موسكو رسمياً ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي.

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2022/03/image-3-1-1024x776.pngرفضت أوكرانيا وكثير من دول العالم، الضم الروسي لشبه جزيرة القرم، وتم فرض عقوبات دولية على موسكو، لكن في النهاية سحبت أوكرانيا قواتها بشكل كامل من القرم، وأصبحت السيطرة الروسية على شبه الجزيرة أمراً واقعاً، وهو ما أدى إلى ظهور حركات مقاومة للاحتلال الروسي، مثل كتيبة تتار القرم الإسلامية وغيرها، حيث يعد التتار المسلمون من أبرز الأقليات التي تعيش داخل شبه الجزيرة منذ عقود طويلة.

وفي عام 2015، كانت "كتيبة تتار القرم" الإسلامية التي أسس رجل الأعمال "عيسى أكاييف" نواتها الأولى في عام 2014، واحدة من عدة كتائب مسلمة مثل كتيبة الشيخ منصور، وكتيبة جوهر دوداييف الشيشانيتين، وكتيبة نعمان جيلبيتشان التترية، تم تشكيلها للقتال التطوعي إلى جانب الجيش الأوكراني، لمواجهة الحركات الانفصالية المدعومة من روسيا، وصد التدخل العسكري الروسي الذي انتهى باحتلال جزيرة القرم وانفصال إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي البلاد، في عام 2014.

 

كيف تشكّلت كتيبة القرم ومن أين حصلت على الدعم؟

كان عيسى أكاييف رجل أعمال يدير شركته الخاصة في عاصمة القرم "سيمفيروبول"، قبل أن تحتلها روسيا في عام 2014، وبعد أن نزح مع عائلته وكثيرين من أبناء تتار القرم إلى المناطق الأوكرانية المحاذية لشبه الجزيرة (نحو 20 ألفاً)، قرر توحيد أبناء الأقلية التترية لقتال روسيا والانفصاليين المدعومين منها، حيث تم تسليح كتيبته الإسلامية بتمويل ذاتي في البداية، قبل أن تحظى بدعم وتدريب من القوات المسلحة الأوكرانية لاحقاً.

ويقول عيسى أكاييف في تصريحات سابقة لوكالة أنباء القرم (QHA)، إنه "عندما دخلت القوات الروسية القرم، أردنا مقاومة الغزاة الروس، وكنا نناقش ما يمكننا القيام به، مثل إنشاء قوات دفاع خاصة بنا لحماية شعبنا. ومع دخول الجنود الروس بأعداد كبيرة، قررنا نقل عائلاتنا إلى أوكرانيا، والعودة إلى شبه جزيرة القرم بأنفسنا لتنظيم مقاومة سرية، لكننا لم ننجح بذلك لسوء الحظ".

ويضيف أكاييف أنه في بداية يونيو/حزيران 2014، تم إرسال مقاتلي الوحدة التي ضمت بالإضافة إلى مقاتلين من تتار القرم مقاتلين قوقازيين وأوكرانيين، إلى مناطق الصراع مع الانفصاليين في دونباس شرق أوكرانيا، كما خاضت الكتيبة معارك أخرى للدفاع عن ماريوبول جنوباً.

ويروي أكاييف أن مجموعته حظيت بالبداية بدعم مباشر من جنرال كبير في الجيش الأوكراني، هو اللواء إيغور جورديتشوك، قائد وحدة استخبارات لمكافحة الإرهاب في دونباس، الذي" أحب الفكرة كثيراً، وكان معجباً بفكرة تشكيل الوحدات على أساس الانتماء العرقي أو الديني، حيث كان يرى أن هذه الوحدات فعالة للغاية في المعارك".

لكن بالرغم من ذلك، يقول أكاييف إنه لم يعتنِ أحد بكتيبته، "لم يرغبوا في ضمنا كوحدة منفصلة ضمن نطاق القوات المسلحة الأوكرانية أو الحرس الوطني، بل أرادوا فقط تفريقنا إلى وحدات مختلفة داخل الجيش الأوكراني".

علاقة كتيبة "تتار القرم" مع كتيبة "نعمان جيلبيتشان"

في عام 2015، تحدثت تقارير عن توحيد كتيبة "تتار القرم" بقيادة عيسى أكاييف، تحت سقف واحد، مع كتيبة "نعمان جيلبيتشان" التترية أيضاً، والتي تأسست في مدينة خيرسون، التي تبعد تبعد 3 كيلومترات عن شبه جزيرة القرم، حيث كان يقود كتيبة "نعمان جيلبيتشان" لينور إسلاموف، وهو رجل أعمال وسياسي تتري معروف، فقد كان النائب السابق لرئيس وزراء القرم قبل أن تسقط بيد روسيا.

وكانت كتيبة "نعمان جيلبيتشان" تضم مئات المقاتلين من تتار القرم، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى نعمان جيلبيتشان، مفتي تتار القرم ورئيس جمهورية القرم الشعبية المستقلة التي لم تدُم طويلاً، حيث قامت القوات البلشفية بإعدامه في عام 1918، وألقت جثته في البحر دون أن تمنحه دفناً إسلامياً لائقاً، ولا يزال يُذكر حتى اليوم كبطل بين تتار القرم.

 ويقول إسلاموف ، إن كتيبته شاركت في فرض حصار تجاري على شبه جزيرة القرم التي احتلها الروس، وقامت بقطع الإمدادات عنها مثل خطوط الكهرباء وغيرها عام 2015، كما منعت السيارات من دخول شبه الجزيرة، وحرّضت على ضرب السفن الروسية في البحر.

في عام 2015، أعلن إسلاموف، وهو مالك قناة "ATR" لتتار القرم، وشركة النقل "سيم سيتي ترانس"، ومصرف "جاست بنك"، عن الشروع في تشكيل كتيبته ضمن قوام الجيش الأوكراني،

بعد عام 2016، انصهرت المجموعات المسلحة التابعة لتتار القرم داخل الجيش الأوكراني بعدما تم تفكيكها، وانضم معظم أفرادها إلى القوات المسلحة الأوكرانية. وفي عام 2019، تم انتخاب قائد كتيبة القرم الإسلامية عيسى أكاييف، كعضو في مجلس المحاربين القدامى التابع لوزارة شؤون المحاربين القدامى، ممثلاً لجمهورية القرم المحتلة.

في 28 فبراير/شباط 2022، وبعد أربعة أيام من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، عاد عيسى أكاييف، ليعلن مشاركة كتيبته في الدفاع عن أوكرانيا، محذراً القوات الروسية من استمرار غزو أوكرانيا، وموجهاً في الوقت نفسه رسالة إلى مسلمي روسيا والقرم، يدعوهم فيها لرفض القتال في أوكرانيا، وقال: "انضموا إلى الأوكرانيين، وإلا فمن لا يريد الانضمام إلينا فليعود إلى دياره، أما الذي سوف يبقى هنا فسيكون مصيره الدفن في أرض أوكرانيا".

وذكر القائد المتطوع أكاييف، أن الإمبراطورية الروسية دمرت تتار القرم المسلمين لسنوات طويلة، واستولت على أرضنا وجميع ممتلكاتنا، ويجب علينا استعادة كرامتنا".

وخلال الحرب، ظهر مقاتلو كتيبة القرم الإسلامية في صور ومقاطع فيديو عديدة وهم يقاتلون على الجبهات في أوكرانيا .

وقالت الكتيبة إنها نفّذت عملية استعادة قرية موتيجين الإستراتيجية الواقعة جنوب الطريق السريع من ماكاريف التي تعتبر أحد المحاور الرئيسية لحصار العاصمة كييف، بمساندة من قوات الجيش الأوكراني، متوعدة في الوقت نفسه بإلحاق الخسائر في صفوف الجيش الروسي.

يقاتلون روسيا بشراسة ويهتفون "الله أكبر".. كتيبة الشيخ منصور الشيشانية التي تحارب إلى جانب أوكرانيا؟

ما كتائب الشيخ منصور الشيشانية التي تحارب إلى جانب أوكرانيا منذ عام 2015؟ ومن هو الإمام منصور الشيشاني الذي استلهمت منه الكتيبة اسمها؟

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2022/03/image-shikh-mansur-1.jpgما هي كتيبة الشيخ منصور الشيشانية؟

منذ بدء الحرب، في 24 فبراير/شباط 2022،

عمل رمضان قديروف، على دعم الغزو الروسي لأوكرانيا، وإرساله آلاف المقاتلين لمساندة الجيش الروسي في السيطرة على المدن الأوكرانية.

ولجأ بوتين إلى قوات قديروف، متفاخراً بسمعة مقاتليهم "الشرسين"، حيث تخوض موسكو في بعض المناطق بأوكرانيا حرب شوارع مع القوات الأوكرانية والمقاومة الشعبية العنيدة هناك

لكن في الوقت نفسه تقاتل كتائب من "المتطوعين" الشيشان، إلى جانب القوات الأوكرانية، ويعملون على صد الجيش الروسي وقوات الانفصاليين التابعة له، وقوات قديروف، ومن بين تلك المجموعات "كتيبة الشيخ منصور".

 

 

 

 

ظهر اسم هذه المجموعة الشيشانية المناوئة لروسيا، في عام 2015، حيث كانت واحدة من ثلاث كتائب مسلمة، تم تشكيلها للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني، ضمن ما يعرف بـ"كتائب المتطوعين الأوكرانية"، لمواجهة الحركات الانفصالية المدعومة من روسيا في عام 2014 وصد التدخل العسكري الروسي الذي انتهى باحتلال جزيرة القرم وانفصال إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي البلاد، بدعم روسي.

وإذا رجعنا بالزمن الى الوراء فنجد أن معظم مقاتلي الكتائب الشيشانية فروا بعد سقوط جمهورية الشيشان (جمهورية إشكيريا الشيشانية) إلى دول أوروبية، بعدما خاضوا لسنوات معارك ضارية مع روسيا خلال الحرب الشيشانية الثانية التي انتهت في عام 2009 بسيطرة حكومة قديروف المدعومة من روسيا على البلاد، حيث تدفق مئات الآلاف منهم نحو أوروبا وتركيا ومناطق أخرى.

من هو الشيخ منصور الذي جاءت منه تسمية هذه الكتيبة الشيشانية؟

يعتبر بطلاً قومياً أسطورياً لدى الشعب الشيشاني ورمزاً للتحرر والاستقلالية عن الهيمنة الروسية، إذ يقول قائد كتيبة الشيخ منصور "مسلم تشيبرلوف" :

إن الكتيبة سميت بهذا الاسم نسبة إلى الإمام منصور الشيشاني، الشيخ المعروف الذي قاد المقاومة الشيشانية في القرن الثامن عشر ضد حملة الإمبراطورة الروسية "كاثرين العظيمة" التوسعية في القوقاز، والذي استطاع أن يلحق بالروس هزائم متكررة في شمالي القوقاز لسنوات طويلة، قبل أن يتم أسره وقتله في عام 1794.

عام 1785، وفي خضم حروب الإمبراطورة كاثرين مع الدولة العثمانية، بدأت الإمبراطورية الروسية التوسع تجاه أراضي القوقاز المسلمة، وظهر حينها عالم الدين الشيخ منصور ونادى بالجهاد ضد الروس، واستثار الحمية الإسلامية في نفوس القوقازيين، حيث كان ذلك بداية حرب جديدة، لم يألفها الروس من قبل، والتي أطلق عليها منصور "حرب الجهاد المقدس".

وتجاوب مع الشيخ منصور شعوب داغستان، والقبارطاي، والنوغاي، بالإضافة إلى الشيشان، وتجمع لديه جيش ضخم، استطاع أن يلحق بالروس هزائم متكررة في شمالي القوقاز بدعم عثماني، حتى تحول الإمام إلى أسطورة لدى شعوب القوقاز، وصار له نفوذ وتأثير لا يجارى بين الشعوب الشركسية القوقازية المسلمة.

وخاض الشيخ منصور الشيشاني معارك عدة متحدياً الإمبراطورة "كاثرين "، بعدما نجح بقتل قادة عسكريين بارزين في جيشها، وأسر المئات من جنودها، إلى أن وقع في يد الروس في مدينة أنابا المطلة على البحر الأسود عام 1791، وذلك بعد أن استولت القوات الروسية عليها بأخذها من الجيوش العثمانية، إذ ظل الشيخ صامداً بها حتى سقط جريحاً، وتم نقله إلى الإمبراطورة كاثرين، التي رغبت في رؤية هذا الشيخ الشيشاني، الذي كان مصدر إزعاج دائم لها منذ عام 1785 م، حيث أودع السجن وقُتل، بعد أن قَتَل الجندي المسؤول عن حراسته، في 13 أبريل 1794م."

كتيبة الشيخ منصور يقاتلون جنباً إلى جنب مع حركات "اليمين المتطرف" الأوكرانية

في عام 2015، خاضت كتيبة الشيخ منصور معارك ضد الانفصاليين في دونباس (شرق) وماريوبول (جنوب)، إلى جانب كتيبة شيشانية أخرى اتخذت من اسم زعيم الشيشان الراحل وعدو روسيا اللدود "جوهر دوداييف" اسماً لها، والذي اغتالته موسكو في عام 1996 بعدما قاد شعبه لمقاومة الغزو الروسي لمدة عامين.

يقول مسلم تشيبرلوف قائد كتيبة الشيخ منصور في أوكرانيا، إنه قضى عقدين في قتال الروس في الشيشان بعدما دفن بيديه العديد من أفراد عائلته الذين قتلتهم روسيا، كجزء من التعبئة الشعبية التي قاومت القوات الروسية في حربين من أجل الاستقلال، ثم لاحقاً كجزء من الحركة المسلحة السرية، التي نفذت عدداً من الهجمات المسلحة الدامية ضد الروس حتى في قلب موسكو.

وغادر جبال الشيشان في عام 2007 وجاء إلى أوكرانيا في عام 2014 سيراً على الأقدام، للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية ومحاربة الروس، مردفاً: "لدينا عدو مشترك لا يهتم بنا ويستبيح أرضنا".

ويقول إننا نقاتل جنباً إلى جنب مع حركات اليمين المتطرف الأوكرانية و"لدينا علاقة جيدة للغاية مع كتائب المتطوعين الأوكرانية، بما في ذلك آزوف، نحن نقاتل معاً على الجبهة، ونتشارك في العديد من الصداقات، ولا نجادل أبداً حول العرق أو الدين"، لإننا نقاتل فقط من أجل أرضينا وليس من أجل المال "ونشارك الأوكرانيين في هذه القضية .

وزداد نشاط الكتائب الشيشانية مثل كتيبة الشيخ منصور وكتيبة جوهر دوداييف  مع الغزو الروسي لأوكرانيا بالقرب من بوتشا وهوستوميل والعاصمة الأوكرانية كييف.

كما دعا القائد الشيشاني أحمد زكاييف، والذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة إشكيريا الشيشان، قبل أن يتولى رئاسة الحكومة في المنفى لعدة سنوات، المقاتلين الشيشان من جميع أنحاء أوروبا للذهاب للقتال من أجل حرية الشعب الأوكراني وصد العدوان الروسي " وأنه "من غير المعقول أن بعض الشيشان، الذين تعرضوا عدة مرات للإبادة الجماعية من روسيا، يقاتلون اليوم إلى جانب روسيا، هذا غير مقبول في أي دين".

كان "المتطوعين المسلمين الذين يقاتلون روسيا من شمال القوقاز من الشيشان ومن كل دول القوقاز التي احتلتها روسيا، سواء كان ذلك من الشيشان أو الأنغوش أو الداغستان أو الأوسيتيين". 

مسلمو الجيش الروسي في مواجهة مسلمي المقاومة الأوكرانية..

يشكل المسلمون في روسيا نسبة تقارب 10% من إجمالي عدد السكان، ويتركز أغلبهم في الجمهوريات الشيشان وداغستان، وهي مناطق ليست على تماس جغرافي مع مناطق الصراع الحالي، بينما يشكل المسلمون في أوكرانيا نسبة تقارب 1% فقط من إجمالي السكان. في ضوء هذه المعطيات البسيطة يمكننا أن نجزم بأن هذه الحرب قامت لاعتبارات سياسية لا دخل فيها للعرق ولا للدين، وتم توظيف الدين والعرق من رجال السياسة باعتبارها "أدوات" في المعركة وليست غاية يتم القتال من أجلها.

 ولو قُمنا بالتدقيق في المشهد السياسي ذلك، وحاولنا تحليل منهج بوتين في هذه الحرب، لوجدنا أن هذا المشهد سيحدد نوع الولاء والانتماء عند الحاكم الشيشاني نحو السلطة الروسية، وهو بمثابة اختبار حقيقي قام به بوتين ليعرف مدى صلاحية هذا الجيش في دفاعه عن سياسة البلاد الروسية، وهو اختبار حقيقي أيضاً لولاء قاديروف تجاه بوتين وامتحان للثقة الممنوحة له، ولو عدنا بذاكرتنا للوراء وأعدنا قراءة الحاضر وفق المشهد الحالي لالتمسنا في ذلك محاولة صريحة وخفية في آن واحد في سبيل القضاء على ما تبقى في ذاكرة الشعب الشيشاني من مجازر تاريخية ومذابح حصلت على يد المجرم الروسي يوماً من الأيام، وبالتالي فإن الذاكرة الجديدة التي يقوم بوتين بتحضيرها في رأس الجيل الجديد هي ذاكرة ضعيفة جداً سيكون أحدث ما فيها بالمرحلة الجديدة هو دفاع الشعب الشيشاني عن وطنه روسيا لا الوطن الشيشان، وهذا ما يصب في مصلحة روسيا أولاً وأخيراً.

بوتين الروسي هو سياسي يشن حروباً عديدة في أكثر من ساحة، فهو في الحين الذي يدير حربه في أوكرانيا لا يزال يشن هجماته في سوريا، وبينما هو يشن حربه في سوريا يحاول أن يتخلّص من الشباب الشيشاني دون أن يحوله إلى طرف معادٍ يقاتل ضده في ساحة المعركة، لذلك اتبع طريقاً أكثر أماناً وأقل ضرراً، خطة عسكرية ذكية، لو نجحت لكان الرابح فيها ولو فشلت لم يكن خاسراً فيها على الأقل، فلو تمكّن بوتين من توسيع نفوذه في أوكرانيا فسيعود اسم روسيا عالياً وستعود إلى عرش السيادة الدولية مرة أخرى لكن بجهود قتالية شيشانية، ولو فشل بوتين يكون قضى على ما تبقى من شباب شيشاني، والذي قد يتحول إلى بركان ثوري في أي لحظة بالمستقبل، وبالتالي فإن روسيا تكون قد ضحت بمن تمنت القضاء عليهم.

عن تواجد المقاتلين الشيشان في الطرف الأوكراني أيضاً!

لو قرأنا التاريخ من جديد لرأينا فيه الكثير من الروابط التي جمعت بين الشعبين الشيشاني والأوكراني، لا سيما عندما كانت أوكرانيا أرضاً حاضنة للمجاهدين الشيشان، وكانت الساحة القتالية التي مارَس فيها المقاتلون الشيشان حروبهم ضد روسيا، ولنا في قصة الشيشانية أمينة أوكييفا خير مثال، تلك التي بقيت في أوكرانيا تحارب روسيا لأعوام طويلة قبل أن يتم اغتيالها من قِبل رجال بوتين، بعد أن تركت أثراً طيباً في أوكرانيا والتي دفعت الناس إلى تسمية شارع كامل باسمها الذي لمع في أوكرانيا حتى أصبحت أمينة أيقونة النضال عند الشعب الشيشاني والأوكراني أيضاً، كلها أحداث قديمة، لكنها لا تزال حية في ذاكرة بوتين.

شعوب هجَّرتها روسيا عبر التاريخ.. تهجير الشركس الأديغة

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2022/02/chechens_aukhyurt_1957_zvryni4-width-800.jpgشهد شمال القوقاز بين عامي 1763 و1864، حرباً استمرت 101 عام بين روسيا القيصريّة والشركس الأديغة، وصنفت تلك الحرب باعتبارها من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ وأطولها، ويعدُّ الشركس من شعوب بلاد القوقاز الأصليّة، وهم أحد أقدم الشعوب التي دخلت الإسلام في أوروبا.

اندلعت هذه الحرب للعديد من الأسباب، أولها أن سكان شمال القوقاز من المسلمين، وثانيها هو أهمية موقع القوقاز، الذي يعتبر صلة وصل بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وكونه طريقاً تجارياً آمناً بين الهند والصين إلى أوروبا، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المميز، إذ تنتشر في القوقاز الغابات والسهول، وتساعد الأمطار الوفيرة على زراعة المحاصيل على أنواعها، فضلاً عن الثروات الباطنية من البترول والغاز.

أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة تجاه سكان شمال القوقاز المسلمين في القرن التاسع عشر، وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعب هذه المنطقة، راح ضحيتها أكثر من 500 ألف قتيل من الشركس، عندما أوقف العثمانيون والإنجليز دعمهم عن الشركس، بدأوا بخسارة أراضيهم لصالح روسيا القيصرية بعد صمودٍ دامَ أكثر من 100 عام، كما بدأ الروس بتهجير الشركس الأديغيا باتجاه الدولة العثمانية على متن قوارب متهالكة تسببت بوفاة كثيرين في البحر الأسود.

في معركة وادي كبادا في سوتشي يوم 21 مايو/أيار 1864  تعتبر آخر معركة بين الشركس والروس والتي أعلن بنهايتها سيطرة روسيا على مناطق الشركس بالكامل، وتحوّل هذا التاريخ إلى يوم الإعلان عن بداية مرحلة جديدة بالنسبة للشركس الأديغة المسلمين وبات يسمى بـ"يوم الحزن الشركسي" أو "يوم الحداد".

وعندما وصل المهجَّرون باتجاه الدولة العثمانية، بدأت الأخيرة بتوزيعهم على مناطق سيطرتها في الأردن التي كانت المحطةَ الأساسية لهم في بلاد الشام ومن ثم سوريا ولبنان وفلسطين، ونحو 90% من الشركس تم تهجيرهم بعد الحرب، ومعظمهم لا يزالون يعيشون في الدول التي هُجِّروا إليها، كما لا تزال روسيا حتى يومنا هذا ترفض الاعتراف بإبادة الشركس وتهجيرهم.

تهجير الشيشان والأنغوش

في الـ23 من فبراير/شباط 1944، جاءت دعوة من الشرطة السريّة السوفييتية إلى كبار رجالات قبائل الشيشان والأنغوش؛ من أجل حضور احتفالات يوم الجيش الأحمر.

توجه الرجال إلى مكان الحفل، لكنهم فوجئوا بوجود كثير من الجنود السوفييت يحملون رشاشات آلية ويقفون أمامهم، الاحتفالات كانت مجرد خدعة لإفراغ القرى من الرجال الكبار أصحاب الكلمة العليا هناك.

تمّ حصار الرجال ونزع أسلحتهم، ومن ثم وقف أحد الجنود وقرأ عليهم مرسوماً خاصاً من جوزيف ستالين يأمرهم بالخروج القسري من مناطقهم.

في الأثناء، اجتاحت القوات الروسيّة القرى الشيشانية والأنغوشية وأفرغتها من جميع سكانها ولم تمهلهم أكثر من 30 دقيقة من أجل تجميع متاعهم، ومن ثمّ أودعتهم في شاحنات القطارات وأرسلتهم جميعاً باتجاه المنفى في جمهوريات آسيا الوسطى وأقصى شرقي سيبيريا، رغم أن الشيشان والأنغوش لم يكونا شعباً واحداً، لكن الديانة الإسلامية التي يؤمنان بها كانت كافية للسوفييت لإخراجهما معاً.

بعد أن انتشر الشيشان في مناطق المنفى تمت تسميتهم بـ"مستوطنين خاصين" وهو أحد المصطلحات السوفييتية التي تشير إلى فئة معينة من الناس تمّ ترحيلها قسراً من أراضيها الأصلية، لأغراض اقتصادية أو عرقية أو دينية، وهم محرومون من أي حقوق دستورية أو جماعية.

وفي عام 1934، قامت الحكومة السوفييتية بدمج شعبي الشيشان والأنغوش في كيان سياسي إداري واحد سمَّته منطقة الشيشان الأنجوشية المستقلة، التي أصبحت جمهورية اشتراكية سوفييتية مستقلة في عام 1936. استمر النفي 13 عاماً، حتى عام 1957، عندما أبطلت السلطات السوفييتية الجديدة بقيادة خروتشوف العديد من سياسات ستالين، وضمن ذلك ترحيل الأمم.

عاد الشيشان والأنغوش في نهاية المطاف ليشكلوا الأغلبية في البلاد، ومع ذلك لايزال الاثنان يعتبران يوم 23 فبراير/شباط يوم إبادة جماعية بحقهما، وهو ما اعترف به أيضاً البرلمان الأوروبي في 2004.

تهجير تتار القرم

مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.

ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا. حيث تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج، مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى.

ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه "يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية".

تهجير شعب الكالميك

تعود جذور شعب الكالميك إلى آسيا وقبائل المغول الغربيّة التي كانت تربي الماشية، في منتصف القرن السابع عشر، أعطى أمير شابٌّ البيعة للقيصر الروسي واستقروا في سهوب منطقة الفولغا السفلى.

وتعتبر منطقة شعب الكالميك هي الوحيدة في أوروبا التي تعتنق البوذية ديناً على المذهب "التبتية" الذي يُعرف بـ"غيلوغبا".

تعرض نحو 100 ألف من شعب الكالميك لعمليات تهجير قسرية من قِبل الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1943، من أرضهم الواقعة شمال الشيشان باتجاه سيبيريا. إذ تمّ نقلهم في عربات الماشية إلى مستوطنات خاصة؛ للعمل الإجباري في سيبيريا. ورغم أنّ أكثر من 23 ألف كالميكي قاتلوا إلى جانب الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، وتوفي ما يقارب 1400 شخص في أثناء نقلهم، أصيب مثلهم بأمراض خطيرة، تم وضع الكالميك المهجرين تحت إدارة المستوطنات الخاصة في سيبيريا للعمل القسري، وعملوا بشكل روتيني 12 ساعة يومياً، حيث استمرت عمليات التهجير القسرية نحو سيبيريا نحو 13 عاماً، ولم يسمح لهم بالعودة إلى أرضهم حتى العام 1957، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت كالميكيا إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية.

تهجير البلقار 

على غرار الشيشان والأنغوش والكالميك هجّرت السلطات السوفييتية أيضاً كامل شعب البلقار الذي يقطن في شمال غربي القوقاز إلى آسيا الوسطى في عام 1944، والبالغ عددهم 37713 شخصاً، من قراهم خلال يوم واحد، وتمّ في يوم 8 مارس/آذار باتجاه جمهوريتي كازاخستان وقرغيزستان السوفيتيين.

البلقار هم شعبٌ تركي يقطن شمال غربي القوقاز، وهم من السكان الأصليين لجمهورية قبردينو-بلقاريا، ويعتبرون شعباً واحداً مع سكان جمهورية قراتشاي تشيركيسيا المجاورة ويتحدثان اللغة ذاتها.

الشيخ شامل الداغستاني

الشيخ شامل الداغستاني أو الإمام شامل، الرجل الذي كان كابوس الإمبراطورية الروسية طيلة ربع قرن.

تقع داغستان فيما يسمّى بالقوقاز الشمالي بين بحري قزوين والبحر الأسود. كانت هذه المنطقة دائماً موطناً للحروب والصراعات بين الدول الكبرى، فمن ناحية الدولة العثمانية ومن ناحيةٍ أخرى دول وسط آسيا وفي الشمال روسيا القيصريّة.

من يسيطر على داغستان يصبح الطريق أمامه مفتوحاً للسيطرة في سواحل البحر الأسود وكذلك في سواحل بحر قزوين، ومن بحر قزوين ينطلق من يريد للسيطرة على آسيا الوسطى، والتي لها أهمية جيو-استراتيجية عالية جداً باعتبار وقوع طرق التجارة الرئيسية بين آسيا وأوروبا خلالها.

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2020/09/shamil_imam_of_chechenia_and_dagestan.jpgيعرف هذا الرجل بألقاب مثل: "أسد القفقاس" و "صقر الجبال" وهما ليسا لقبين مجازيّين وفقط، بل لقبان لهما أصولهما. فهذا الرجل بتكتيكاته العسكريّة المتقنة استطاع تكبيد الإمبراطورية الروسية خسائر هائلة.

ولد الشيخ شامل الداغستاني عام 1796 في إحدى قرى داغستان. كان وهو صغير كثير المرض وتوقعت عائلته موته، وحسب العادات فقد تمّت تسميته باسمٍ آخر لتبتعد عنه الأمراض، فأصبح اسمه محمد شامل..

درس اللغة العربيّة والفلسفة والفقه والأدب العربي، وهكذا كانت اللغة العربيّة لاحقاً لغته في المراسلات الرسميّة.

دخل الإسلام إلى منطقة داغستان والشيشان من خلال الطرق الصوفيّة، ولهذا فقد كان تاثُّرهم بالشكل الصوفي للإسلام كبيراً، وهكذا تعلّم شامل في الطريقة النقشبنديّة الصوفيّة مع رفيقه الإمام غازي محمد الغيمراوي، الذين قادان معاً مقاومة مسلّحةً مفتوحة مع احد أقوى جيوش العالم في تلك الفترة، من خلال مريدي الطريقة النقشبندية ومن انضمّ لهم من القبائل التي رفضت السيطرة الروسية.

في عام 1832، سقط الملا غازي شهيداً في معركةٍ عنيفة في مواجهته مع الروس، ولم ينجُ من جيشه القليل سوى شخصين، كان أحدهما الشيخ شامل الذي جرح بشدّة ولكنّه استطاع الهرب.

فكان على الإمام شامل أن يلملم جراحه سريعاً، فبعدما قتل رفيق دربه وصديقه المقرّب عليه أن يكمل الرحلة وحده الآن، وبعد سنتين من مقتل الإمام غازي أصبح الإمام شامل إماماً وقائداً لحركة المقاومة. كان جيشه يتكوّن بالأساس من المريدين في الطريقة النقشبنديّة، إضافةً إلى رجال القبائل الذين انضموا له لمقاومة الروس.

تمتّع الشيخ شامل الداغستاني بنظرة ثاقبة ومهارات إدارية عالية، إضافةً لقدرةٍ عسكرية استثنائيّة. فبدأ ترتيب البيت الداخلي، وطبّق نظاماً صارماً قوامه التمسُّك بالإسلام وتوحيد جبهة المقاومة. كانت بلاده من عرقيات مختلفة (حوالي 30 عرقيّة و40 لغة) وقد اعتبر الإمام شامل أنّ الشيء الوحيد الذي سيوحدهم في مواجهة الغزو الروسي هو الإسلام.

قسّم جيشه إلى فرق، كان جيشه حوالي 60 ألفاً. قسّم الفرق على كامل البلاد، وقسمت البلاد إلى 32 ناحية "محافظة" وعيّن على كلٍ منها نائباً عنه ومفتياً وأربع قضاة. وبهذا أصبح جيشه يتحرّك: لا مركزياً تجاه قوّات روسيا القيصرية.

بدأت قيادة الشيخ شامل للمقاومة عام 1834، واستمرّت طيلة ربع قرن حتّى 1859. استمرّت المقاومة سنين طويلة، وكان الجيش الروسي يرتكب العديد من المجازر تجاه المدنيين والقبائل، ما أنهك هذه القبائل، بل إنّ بعض أمراء القبائل رأوا أنّ الأنسب من مقاومة الروس هو التصالح معهم، والتوصُّل معهم لاتفاق.

خاف قادة القبائل من مواجهة الشيخ شامل بهذا الاقتراح، فقد كانوا يعرفون جميعاً العقاب. فقرروا التقرُّب لأمّه ومحاولة استمالتها لتعرض عليه هذا الاقتراح. وقد كان، قرّرت أمه أن تفاتحه في التوصُّل لاتفاقٍ مع الروس. تكشّفت له خيوط المؤامرة شيئاً فشيئاً، فجمع مريديه وأخبرهم: هناك مؤامرة للتعاون مع الروس. وأمِّي ضالعةٌ فيها!

تغيّب الشيخ شامل عدة أيام، اعتكف في المسجد للصلاة والدعاء ليرشده الله إلى الحكم الصواب. لو عاقب الأمراء وأعدمهم سيخسر كثيراً من شعبيته. صحيح أنّ هذه القبائل التي تعيش في جبال الشيشان وداغستان قبائل مسلمة، لكنّها لم تتخلّص من عادة أخذ الثأر والانتقام. ومن ناحيةٍ أخرى لو ترك الأمر يمرُّ دون عقاب فستتزعزع صورة المقاومة أمام الناس.

بعد ثلاثة أيامٍ من الاعتكاف، خرج الشيخ شامل إلى الناس معلناً حكمه: تُجلد والدته مائة جلد! دهش الجميع، فأمر أحد أتابعه بتنفيذ الحُكم، وبعد 5 جلدات طلب منه التوقّف قائلاً: سأتحمّل أنا بقيّة الجلدات، وطلب من الجندي جلده 95 جلدة. وهكذا استطاع أن يحافظ على وحدة القبائل دون أن يجعل الموقف يمرّ دون عقاب.

كانت معارك الشيخ شامل تنتهج ما يعرف في العلوم العسكرية بـ"حرب العصابات"، وكانت هذه الطريقة مناسبة جداً للتعامل مع الجيش الروسي الضخم.

في واحدةٍ من المعارك عام 1835، أرسل القيصر الروسي قوةً ضخمة قوامها 30 ألف جندي للقضاء على الإمام شامل. عندما وصلوا للقرية التي يتحصن فيها الشيخ شامل وسط الأدغال، وهجموا وجدوا مقاومةً بسيطة، فانتصروا بسهولة.

أثناء رجوعهم منتشين بنصرهم كان جيش الشيخ شامل ينتظرهم في كمينٍ محكم وسط الغابات، قتل من الروس في تلك المعركة 25 ألف جندي من أصل 30 ألفاً. وهكذا كانت طبيعة وشكل معارك الشيخ شامل الداغستاني طيلة ربع قرن.

استطاع أن يستحوذ على 4 مدافع روسيّة ضخمة، واستخدمها ضدّ الجيش الروسي، وبعد فترة أصبح لديه منها 12 مدفعاً. وفي معركةٍ أخرى، أرسل القيصر ولي عهده مع كبار قادته في حملةٍ على الإمام شامل، في إحدى المرات حاصروا بلدةً صغيرة. وكانت خطة تلك القرية كالتالي: غطوا أبواب بيوتهم ونوافذهم بالطين، وغيروا سقف منازلهم لتصبح أسقفاً خفيفةً ورخوة، وعندما وصل الروس بدؤوا بالقفز على أسطح المنازل، وبدأت الأسطح تنهار بهم ليتلقفهم مريدو الشيخ شامل.

هُزمت روسيا القيصرية في حرب القرم مع الدولة العثمانية التي تلقت حينها دعماً أوروبياً قوياً، سجلت الهزيمة عام 1856، وأمام هذه الهزيمة الكبيرة كان قادة الجيش الروسي يحتاجون أن ينتصروا في معركةٍ تعيد لهم هيبتهم، وهكذا في عام 1859 تحوّل مائتا ألف جندي روسي إلى جبهة الشيخ شامل الداغستاني بقيادة الجنرال الشاب أليكساندر إيفانوفيتش بارياتسكي.

عكف بارياتسكي على دراسة نمط معارك الشيخ شامل، الذي كان حينها في سن 63 عاماً. وهكذا فقد جعل بارياتسكي مهمّة فرقة كاملة من الجيش الروسي: تقطيع الأشجار الضخمة من الغابات، لأنّ تلك الأشجار الضخمة التي يصل طولها أحياناً 100 م، كانت مقرّ مكامن الشيخ شامل ومقاومته.

وهكذا استطاع بارياتسكي أن يوهم الشيخ شامل بهجومٍ من ناحية، بينما هاجمه جيشٌ آخر من ناحيةٍ أخرى بطريقة "الكمّاشة". كان الشيخ شامل في 500 فقط من مجاهديه، أمام 40 ألفاً من الروس، قرّر حينها الشيخ شامل الاستسلام.

استسلم الشيخ شامل بعد ربع قرن من المقاومة، وقد أخذه الروس في رحلةٍ بريةٍ طويلة من بلاده إلى موسكو ليحسِّنوا سمعة الجيش الروسي المهزوم في حرب القرم، فها قد انتصرنا أخيراً على عدونا اللدود الشيخ شامل. وبعدها بعشر سنين في عام 1869 طلب الشيخ شامل مغادرة الأراضي الروسية ليحجّ إلى مكّة، ووافقت السلطات الروسية على طلبه، فوصل إلى إسطنبول ومنها إلى مكّة، ثمّ منها إلى المدينة التي توفي فيها عام 1871 ودفن هناك.

المرجع عربي بوست خير الدين الجابري

 

 

 

 

إشكاليات اقتتال المسلمين بدوافع وطنية

الأصل في الإسلام أن القتال يكون بين المسلمين وغيرهم، لا بين المسلمين بعضهم البعض؛ حيث تحرم النصوص قتال المسلم للمسلم، فالنبي ﷺ جعل أكبر الوعيد على تقاتل المسلمين فيما بينهم، ففي الحديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار) مسلم 2888.

وما من حالة يجوز فيها قتال المسلمين بعضهم البعض إلا في حالة البغي، حيث يرفع فريق من المسلمين السلاح ويبغون على جماعة أخرى من المسلمين، فإذا لم تنجح دعوات الإصلاح فإن قتال البغاة يصبح واجباً حتى يرتدع الباغي عن بغيه ويعود إلى رشده، فإذا استقرت الأمور فلا مبرر لاستمرار القتال، قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا  فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ  فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9].

ولكن هذه الحالات تفترض أن هناك "دولة مسلمة" و"جيشاً مؤمناً" ولكن الأمر في الحرب الأوكرانية الروسية مختلف تمام الاختلاف، فما ثمة جيش مسلم ولا دولة مسلمة!

وحدث مثل هذا الاقتتال بين المسلمين  في حرب الخليج الثانية التي اجتمع فيها عدد كبير من قوات الدول الإسلامية تحت إمرة أمريكية وهو ما جعل كثيراً من المسلمين يتحرجون من مسألة الاستعانة بدولة غير مسلمة وقوات غير مسلمة لتحل خلافاً بين المسلمين، وارتكزت الفتاوى الرسمية السعودية حينها على فكرة رفع الظلم ومقاومة الباغي بما هو متاح وممكن، وهي الفتاوى التي مهدت الطريق لوجود عسكري أمريكي مستقر في الجزيرة العربية لم ينتهِ حتى وقتنا الحالي!

إن تحديد الهدف من القتال يعتبر أهم ما ينبغي معرفته لتحديد مدى مشروعية القتال، فقد يكون الانخراط في القتال واجباً إذا كان دفاعاً عن المقدسات والأرواح والأعراض، ويكون إهداراً للأرواح إذا لم يكن له هدف مشروع وواضح ومحدد، والناظر في الحرب الحالية لا يستطيع أن يجد مسوغاً شرعياً لموقف الرئيس الشيشاني وانخراطه في القتال الذي لا يوجد فيه دفع لظلم ولا نصر لمسلم ولا أي مقصد شرعي معتبر!

إشكاليات الدولة والمواطنة، مَن الصديق ومن العدو؟!

يعتبر تحديد المعسكر الذي سيقاتل فيه المسلم أحد أكبر الإشكاليات المعاصرة، حيث ذوبت الدولة الحديثة فكرة الأخوَّة في الدين واستبدلتها بالقومية والوطنية، حيث قد يجد المسلم نفسه مقاتلاً في جيش غير مسلم ولكنه ينتمي إلى جنسيته!

وهنا يقوم الفرد المسلم بتحقيق أهداف غير المسلمين، وهي أهداف لا يمكن بحال من الأحوال أن تتوافق مع مقاصد الإسلام من القتال، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ  إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، ولقد نهى الله تعالى عن موالاة غير المسلمين في مسائل القتال تحديدًا لحساسيتها: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر: 11].

وهذه الإشكالية ظهرت بجلاء عند غزو الولايات المتحدة للعراق 2003 حيث تضاربت الفتاوى حول حكم خدمة المسلمين في الجيش الأمريكي، وهو ما كشف وجود فجوات كبيرة بين التنظير والتطبيق في مجال السياسة الشرعية.

والحقيقة أن موقف مسلمي أوكرانيا طبيعي ومتوافق مع مقاصد الشرع التي توجب الدفاع عن النفس والعرض، فهم في موقع دفاع لحماية أنفسهم، ولكن الزج بمسلمي الشيشان في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل ويقاتلون إلى جوار العدو الذي سحق بلادهم في حربين انتهت آخرهما عام 2009 يعتبر أمراً عجيباً والأعجب أن يتم الزج بهم في هذه الحرب تحت راية دينية وشعارات إسلامية وكأنهم منطلقون إلى تحرير المقدسات!

إن حرباً مثل التي تدور حالياً بين روسيا وأوكرانيا تضع على عاتق العلماء المسلمين والباحثين واجبات توضيح المساحة التي يمكن أن تتدخل فيها السياسة وتعمل عملها وبين المساحة التي تعتبر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تعديها تحت أي ذريعة كانت، كما تضع هذه الأحداث مسؤولية شخصية في عنق كل مسلم ألا يلقي بنفسه في صراع لا يعلم أبعاده ولا تتضح له أهدافه ولا يستطيع أن يفرق فيه بوضوح بين الصديق والعدو، طالما أنه ليس مضطراً لذلك.

جدل كبير وتساؤلات عدة أثارتها الحرب الروسية- الأوكرانية ولا سيما بعد إقحام الجيش الشيشاني المسلم فيها، انقسمت الآراء حول ذلك بين طرف مؤيد مشجع وآخر معارض مخوّن، وفي الحقيقة وراء تلك الآراء تختبئ الكثير من وجهات النظر المحقّة، لكن غالباً ما يتم إظهار المشهد السياسي بدافع العاطفة.

فهناك من يؤيد تدخُّل الجيش الشيشاني؛ لأنه مسلم يغزو دولة غير مسلمة، متناسياً أنه يغزو باسم الدولة الروسية، بينما يقوم الآخر بتخوين هذا الجيش ومحاسبته كما لو أنه مستقل يتخذ قراراته الدولية بنفسه، متناسياً وقوعه تحت الحكم الروسي الغاشم، وموالاة رئيس الجمهورية للقيادة الروسية.

  • المراجع
  • بول كيربي بي بي سي نيوز 8 ديسمبر/ كانون الأول 2021 آخر تحديث 21 آذار 2022

         عربي بوست خير الدين الجابري