الخميس، 8 أغسطس 2024

العلاقة الايرانية الصهيونية ما العيب في الاتزان الفكري

 

رواد للدراسات:
ما العيب في الاتزان الفكري؟!

▪️هذه الخاطرة تتناول السرديات المختلفة ووجهات النظر المتفاوتة لنظرة الجماهير الشعبية إلى العداء الإسرائيلي-الإيراني وطبيعة الضربات الأخيرة المتبادلة :

° "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" يختصر هذا الحديث النبوي الشريف الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما تلك الطريقة الشهيرة في التفكير والاستنتاج التي طالما ذمها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (هذا ما وجدنا عليه آباءنا...) وهي فكرة مذمومة مستقبحة، يدعونا فيها ربنا إلى الابتعاد عن التقوقع الفكري وتحجر الرأي دون الاطلاع على صورة أوسع بحرية فكرية تامة ودون تبعية لرأي الأغلبية المحيطة.

° أحببنا أن نبدأ الخاطرة بهذه الفكرة لأنها ببساطة تمثل شكلا مشابها من حالة التعصب الفكري الذي ضرب أطنابه في عقول شباب أمتنا اليوم، وحتى وإن مضت سنون في تبادل الضربات الإيرانية الإسرائيلية، سيبقى من يعتقد أن #إسرائيل و #إيران ليسا على عداء بل يقومان بتمثيليات هوليودية على قناعته، وسيبقى من يعتقد أن #إيران هي المنقذ للأمة الإسلامية وأنها الدولة الوحيدة التي انتصرت لأطفال #غزة... سيبقى أيضا على قناعاته، ولن تزيد الأحداث هذا ولا ذاك إلا تمسكا بقناعاته السابقة، يلوي أعناقها بتفسيراته الجديدة لتنسجم بسلاسة مع أفكاره وتصوراته القديمة.

▪️ودخولا في صلب الخاطرة...
الرد على أصحاب نظرية المؤامرة (القائلين: لا يوجد عداء غربي-إيراني)

° إن القول بأن إيران وإسرائيل (والغرب عموما) متفقتان في السر مختلفتان في العلن، يقومان بتمثيليات إعلامية لأهداف لا ندري ما هي، هي أفكار (بعيدا عن سذاجتها) لا تتوافق مع الواقع على مدار العقود السابقة، فمعلوم أن نظام شاه إيران كان مواليا خالصا لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ومع ثورة الخميني انقلب النظام رأسا على عقب، وتغير الفلك الذي يدور حوله النظام الإيراني، فأصبحت إيران محسوبة على المعسكر الشرقي بدلا من المعسكر الغربي منذ 1979.

° يحتاج هؤلاء (المسرحيون) إلى تفسير منطقي لعملية "مخلب النسر" الأمريكية في 24 ابريل 1980 والتي أدت لمقتل العديد من الجنود الأمريكان. وتفسير منطقي آخر لأحداث "بريدجستون" في 24 يوليو 1987 عندما أطلقت واشنطن عمليتها العسكرية "الإرادة القوية" ضد السفن الإيرانية، ودمرت خلالها مصفاتي نفط إيرانيتين وأغرقت وأعطبت 5 مدمرات بحرية إيرانية. ويحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي لأحداث عملية "فرس النبي" في 18 أبريل 1988 عندما قامت البحرية الإيرانية بإعطاب المدمرة الأمريكية USS Samuel في مضيق هرمز فأعلنت واشنطن حربا مباشرة على إيران دمرت خلالها سفنا وفرقاطات إيرانية كثيرة، وردت إيران بهجمات الزوارق السريعة ودمرت ناقلات نفط غربية، وكانت هذه الحادثة أكبر خسارة للبحرية الإيرانية آنذاك. ويحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي لإسقاط إيران المتكرر لطائرات الاستطلاع الأمريكية، وما الداعي للاستطلاع أصلا؟ هل يستطلع الحلفاء أجواء بعضهم البعض في الخفاء؟ هل تسقط بريطانيا مسيرات أمريكية في أجواء لندن مثلا؟ وإليكم المراجع التالية: تموز 2011 قامت إيران بإسقاط طائرة استطلاع أمريكية كانت تحلق فوق مفاعل فوردو النووي وهو مفاعل نووي سري اكتشفته المخابرات الغربية عام 2009 بالقرب من مدينة قم، 4 ديسمبر 2011 أسقطت إيران طائرة استطلاع أمريكية متطورة من دون طيار من نوع RQ170  فوق مدينة كاشمر شرق إيران عبر اختراق تردداتها وإنزالها بشكل سليم في صحراء إيرانية، 20  يونيو 2019 أسقطت إيران بصاروخ أرض-جو أحدث طائرة استطلاع أمريكية، ادعت أنها اخترقت الحدود، بينما أكدت الولايات المتحدة أنها كانت تحلق في المجال الجوي الدولي، وجرت اتصالات (تنسيق) بين ترامب وإيران عبر سلطنة عمان طلب فيها الرئيس الأمريكي من إيران عدم الرد على ضربة "شكلية" محدودة ثم تراجع عن الرد (بتغريدة مضحكة) بعد رفض إيران للمقترح. يحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي لأحداث أسر البحارة في 13يناير2016 حيث أسرت ايران 10 بحارة أمريكيين دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية، وأطلقت سراحهم لاحقا بعد التقاط صور لهم وهم جاثون على ركبهم يجري اعتقالهم بزيهم العسكري الأمريكي ما ظهر للإعلام على شكل إهانة للولايات المتحدة. يحتاجون أيضا إلى تفسير منطقي عندما استولت بريطانيا على ناقلة النفط الإيرانية جريس1 بالقرب من جبل طارق في 4 يوليو 2019 والتي كانت بطريقها إلى سوريا، فاحتجزت إيران ناقلة النفط البريطانية "ستينا إمبيرو" كرهينة مقابل ناقلتها غريس1، فاضطرت بريطانيا لإخلاء سبيل غريس1 كمقايضة فعليا مع تعهدها بعدم افراغ النفط في سوريا، إلا أن برامج مراقبة السفن أظهر أن الناقلة أفرغت حمولتها في ميناء بانياس السوري...

° في الحقيقة، لا يحتاج أصحاب نظرية المؤامرة إلى محاولة فهم كل هذه الأحداث الحربية، لأنهم غالبا لجأوا إلى نظريات المؤامرة لسهولة فهم سرديتها وبساطتها، إنما يحتاجون فقط إلى تغيير طريقة تفكيرهم، فعداء وكره إيران والوقوف ضد مشروعها في المنطقة لا يستدعي كل هذه السطحية في محاولة لتنفير الناس عن المشروع الإيراني، بل على العكس، هذه السذاجات تأتي دائما بنتائج عكسية وتقنع المزيد من الناس بأن إيران على النقيض من ذلك تماما وأنها هي الجمهورية الإسلامية الوحيدة التي ستنصر المسلمين وستحرر القدس وفلسطين !!!

▪️الرد على جماعة "محور المقاومة" :

° على الطرف الآخر كليا تجد أولئك المخدوعين بالبروباغندا الشهيرة لما يسمى "محور المقاومة"، الله أكبر إنها الحرب الكبرى وزوال الكيان الصهيوني الغاشم على يد الجمهورية الإسلامية الإيرانية!! رغم أن إيران ومحور المقاومة قد خذل غزة بشكل واضح حتى للعميان! وتركوا #حماس فريسة سهلة للجيش الإسرائيلي بعد أن عشموها وضحكوا عليها بكذبة "وحدة الساحات" التي تقتضي أن أي حرب على أي ساحة من ساحات محور المقاومة تعني حربا مباشرة على الجميع، كما أن الرد الأخير كان سببه مقتل الجنرالات ((الإيرانيين)) وليس انتقاما ((لأطفال غزة)) الذين تجري دماؤهم ليل نهار منذ 195 يوما، بالإضافة إلى أن مئات الصواريخ والمسيرات انطلقت من إيران ولم تقتل أو تصب كلبا إسرائيليا ولا قطا، ومع ذلك يصر هؤلاء على تضخيم الحدث وجعل إيران تبدو وكأنها الدولة العظمى الوحيدة التي تضرب ولا تهاب...

▪️وهنا نسأل الفريقين... ما العيب في الاتزان الفكري !؟

° ما الخطأ في كون إيران دولة كغيرها من الدول، وأمة كغيرها من الأمم، والعداء الإيراني الإسرائيلي كغيره من الصراعات الدولية بين مختلف الدول؟ ويخضع لنفس قوانين الحرب وقواعد الاشتباك ومفاهيم الصراع؟ لماذا لا يكون صراعا كغيره من الصراعات الدولية، كمثل الصراع بين الكوريتين، كمثل الصراع بين باكستان والهند، كمثل الصراع بين أي أمتين في هذا العالم؟!

° وإجابة على بعض الأسئلة التي تتكرر دائما في النقاشات ويدور حولها لغط كثير :

- أولا: الغرب يرى في مشروع التشيع الإيراني أفضل فرصة للتخلص من المشروع السني، لذلك هما حليفان لخداع السنة فقط ؟

فعلا هذا كان صحيحا في فترات سابقة، وسيكون صحيحا مستقبلا إذا تكرر أي سيناريو مشابه، فمما لا شك فيه أن نظام صدام حسين كان يشكل خطرا كبيرا على الغرب، وقد تحالف الغرب مع إيران لإسقاطه، لأنهم يعتقدون أن النظام الإيراني أخف ضررا من النظام العراقي، وكذلك عندما اندلعت الفوضى في #العراق بعد سقوط النظام وخرجت فصائل المقاومة العراقية السنية، تحالف الغرب مرة أخرى مع الميليشيات الشيعية من التيار الصدري وغيره ولاحقا مع الحشد وغيرهم، أيضا لأن هذه الميليشيات أخف ضررا على الغرب من المقاومة السنية، يفرق الغرب بين الميليشيات الشيعية التي تنضبط بأوامر محركها الايراني، ويفضلها على المقاومة السنية التي لا محرك لها ولا قيادة موحدة لها، وهذه التحالفات تتغير وتتبدل بمرور الزمن، لا ثابت في الحرب والسياسة، واليوم وقد كبرت إيران وتمددت وتوسعت وأصبحت تشكل خطرا كبيرا على الهيمنة الغربية في المنطقة، من المنطقي والطبيعي أن تتحول البوصلة الغربية بشكل معاكس في محاولة لتحجيم المشروع الإيراني في الشرق الأوسط.

- ثانيا:
لماذا لا تضرب إيران إسرائيل دون تنسيق مسبق بين الطرفين؟

ببساطة لأنه لا يوجد مجنون في العالم (ولا حتى كيم جونغ أون) يسعى لهدم دولته في حرب مهلكة لا يستفيد منها إلا خصومه الآخرين، هل ستقبل إيران أن تخوض حربا مع إسرائيل وتهدم طهران على رؤوس ساكنيها، وتضيع مكاسب 45 عاما، نصرة لأهالي غزة؟ ثم تخرج دول الخليج (كمثال) منتصرة دون أن تطلق رصاصة؟ ثم نسأل نفس السؤال بصيغة عكسية، لماذا لم ترد إسرائيل على إيران حتى اللحظة بعد مرور قرابة أسبوع على الهجوم؟ على الرغم من امتلاكها للسلاح النووي؟ ببساطة لنفس السبب تماما! لأن إسرائيل ليست مجنونة كي تضع مدنها ومواطنيها تحت نيران أكبر قوة صاروخية في الشرق الأوسط لأجل هدف هدم طهران بينما تأمل أن يتم ذلك بأيدي غيرها. إسرائيل سوف تنسق لضرب إيران عبر الوساطات بنفس الطريقة التي نسقت فيها إيران لضرب إسرائيل، باختصار... لولا التنسيق بين الأطراف المتحاربة لاندلعت الحرب العالمية الثالثة في غضون أسابيع...

التنسيق لا يعني (التمثيل) والتواصل عبر الخط الساخن والوساطات لا يعني (مسرحية) بل هو أمر معتاد يجري حتى بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بهدف السيطرة على الوضع وخفض التصعيد وتلافي الأخطاء التي عادة ما تندلع الحروب بسببها، وقد ينجح هذا التنسيق ويتم خفض التصعيد وقد لا ينجح هذا أمر غيبي! وكل ما جرى سابقا من انتظار الرد الإيراني (التنسيق بين الأطراف) يجري حاليا في الاتجاه المعاكس والهدف هو احتواء الموقف، وهو هدف مشترك يصب في صالح الطرفين.

° يمكنك أن تكره إيران أو تحبها وفي نفس الوقت تنظر للأمور بمقاديرها الصحيحة، فكل شيء في هذا العالم يخضع لموازين القوى وحسابات الربح والخسارة، وحتى بوتين، مالك ومحرك أكبر قوة نووية في العالم، رأيناه يتجرع مرارة الصفعات المتتالية وحتى قبة الكرملين تم ضربها، وصبر الرجل دون رد تصعيدي يهدم ما بناه في روسيا على أمل أن تتحقق أهدافه بتدمير الغرب على يد الصينيين وغيرهم، وكذلك إيران من الطبيعي أن تتعرض لصفعات متتالية وقوية وتلفلف القضية بشكل أو بآخر لاحتواء الموقف وحفظ ماء الوجه دون تدمير نفسها بحرب مهلكة.

- ثالثا:
هل كان بإمكان إيران ضرب إسرائيل وأمريكا بقوة؟ ولماذا لم تفعل؟

بالتأكيد كان بإمكانها فعل ذلك، تبدأ هجومها دون إعلان مسبق، مع بداية التداول في البورصة العالمية وليس في يوم العطلة، تضرب أهدافا لم يتم إخلاؤها من قبل، بمئات الصواريخ التي قد تقتل العشرات في هذه الحالة، ولكن... ثم ماذا؟ ثم سيأتي الرد الإسرائيلي الأمريكي الفوري واللحظي بدون خط ساخن ولا وساطات أيضا وتندلع حرب كبرى تدمر فيها إيران وإسرائيل معا، فأي عاقل يفكر بهذا المنحى؟

نكتفي بهذا على أمل أن يراقب المتابع ما يجري دون شطط يمنة أو يسرى.

العلاقة الايرانية الصهيونية .. صناعة الجهل

 

رواد للدراسات:
" #خاطرة_بعنوان" (صناعة الجهل)   (صناعة الجهل في مختبرات الإعلام الشعبوي).

عشرات الحسابات الإخبارية التي تتبنى وجهات النظر المبنية على نظرية المؤامرة وأن #إسرائيل وإيران وجهان لعملة واحدة، ولا عداء حقيقي بينهما وما إلى ذلك... صمتت صمت القبور عما جرى أمس واليوم في #العراق وشمال #فلسطين.

سؤال بسيط:

هل خبر إصابة 19 إسرائيليا بينهم جنود بحالات خطرة وموت سريري خبرا تافها بما يكفي لعدم ذكره لمتابعيك!؟

هل خبر مقتل وإصابة جنود أمريكيين في قاعدة عين الأسد سخيفا بما يكفي لعدم نشره على منبرك الكريم!؟

بالتأكيد لأ. ولكننا نتفهم تماما بأنه لا يمكنك أن تمضي الليل كله وأنت تحاول إقناع الناس بأن إسرائيل وإيران أصدقاء ثم تخبرهم في الصباح بأن وكلاء إيران هنا وهناك قلتوا إسرائليين وأمريكان...

وهكذا يا أصدقائنا يتم تجهيل الشعوب، والعوام بطبيعة الحال يستمعون فقط لما يحبون سماعه، وأما الرويات التي لا يحبون سماعها فلن تصلهم ليتأملوها ويضربوا فيها أخماسا بأسداس...

هذا ناهيك عن نقل متكرر لوجهة نظر أحادية بشكل دائم في التحليلات السياسية والعسكرية، ففي حالات خطر نشوب حرب اقليمية كبرى، تتوافق الاطراف على حجم الرد بشكل روتيني، وهذا طبيعي، حتى بين روسيا وأمريكا يتم هذا التنسيق، هذا هو الصمام الذي يمنع اندلاع الحرب العالمية، ومع ذلك، فالرواية التي تذكر أن إيران طلبت من ترامب قبول الضربة على قاعدة عين الأسد (ونحن أول من نقلها وترجمها بالمناسبة) انتشرت كالنار في الهشيم، بينما خبرا معاكسا آخر يظهر كيف تراجع ترامب عن الرد على إيران عام 2020 خوفا من اندلاع حرب مفتوحة ثم غرد تغريدة مضحكة سخيفة حول إلغاء الرد الأمريكي آخر 10 دقائق "خوفا على حياة المدنيين" هذه رواية لم يذكرها أحد تقريبا وماتت إعلاميا (وقد ذكرناها أيضا في تحليلاتنا)، ومع أن إيران ليست ندا لأمريكا وأضعف بمرات ومرات، ولكن وضع الامور في نصابها الحقيقي ليس شيئا سيئا.

بعيدا عن كل هذا... لكل منبر سياسة إعلامية خاصة تبقى من شأنه، ولكن هنا نسأل... ماذا لو اندلعت الحرب فعلا بين الغرب وايران؟ والغرب لا يفهم سنة وشيعة وزيدية ورافضة، الغرب لا يهمه من قتل الحسين ولا من تابع يزيد، الغرب ينظر فقط وفقط من منظور المكاسب السياسية والهيمنة الاقليمية، واليوم ينظر لايران كما كان ينظر لنظام صدام حسين، خطر بدأ يتجاوز حدوده، لا يهمه إن كان خطرا سنيا أم خطرا شيعيا، وفي الحقيقة لا يحمي إيران الان من ضربة إسرائيلية - غربية كبرى إلا الفوضى الدولية وعدم قدرة الغرب على فتح حرب كبرى جديدة في  الشرق الأوسط، وإلا لكانوا فعلوها منذ مدة. حسنا... في حال اندلعت الحرب كيف سيقدم هؤلاء (المسرحيون) لأتباعهم مجريات الأحداث؟ الله أعلم بذلك...

سمعت بالأمس أحد الباحثين يقول: نقل هذه الاخبار التي تظهر ضربات ايرانية على اسرائيل هي محاولة لغسل جرائم إيران في  سوريا والعراق... ولست أدري ما علاقة هذا بهذا؟ ومتى كان المجرمون لا يختلفون فيما بينهم؟ ونحن اليوم نشاهد حربا كبيرة في أوكرانيا بين الولايات المتحدة الأمريكية المجرمة وروسيا المجرمة، فهل غسل أحد هؤلاء المجرمين جرائمه بقتال مجرم آخر؟ إن الحروب والتنافر بين الأمم هو السمة الطبيعة للبشرية، أصلا تلك النظريات الخرندعية التي تزعم أن إسرائيل وإيران متوافقتان معا في السراء والضراء هي مضروبة أساسا تعارض سنن الكون، بل حتى بريطانيا أمة تختلف عن أمريكا، ويمكن أن يتنازعا الامر فيما بينهما، أو يتقاسمانه طالما كان ذلك ممكنا... هذه سنن الحياة، سنة التدافع بين الأمم المختلفة.

ولقد كان الحزب النازي من قبل يتبنى شعارات وأفعال أشد إيلاما لليهود من شعارات إيران اليوم، ولم يقل أحد من العالمين بأن هذه الشعارات قد غسلت للنازيين جرائم كذا وكذا... إنما تبقى الأمور في نصابها الصحيح دوما.

ويمكننا أن نقارن بين جرائم الصهاينة في فلسطين وجرائم إيران في سوريا والعراق، ثم نفاضل بينهما؟ أي المجرمين أشد إجراما بحق المسلمين؟ بالتأكيد المجرم الإيراني بلا ريب، لم نشاهد إسرائيليا يقتل مدنيا بمطرقة عبر تكسير عظامه ولا شوي المدنيين بتعليقهم فوق النار ولا شاهدنا اغتصاب النساء في مساجد غزة واستغاثاتها عبر مكبرات الصوت كما فعل حزب الله في سوريا والحشد في العراق، ومع ذلك فهذا لا يمنع من كون المجرم الأول عدو للمجرم الثاني! واختلافهما لا يغطي سوءاتهما ولا يغسل عارهما... وتفاضلهما في الشر ليس لأن أحدهما أكثر أخلاقا من الآخر وإنما لأن أحدهما أتيح له ذلك مع إمكانية الافلات من العقاب والثاني لم يتح له ذلك بكل بساطة...
إن نقل الأحداث بحجمها الطبيعي وبأبعادها كاملة هي أكبر إهانة لإيران ومشروعها في المنطقة، وهل هناك أوضح من تلك الخديعة الكبرى التي وقعت بها كتائب القسام عندما صدقت كذبة "وحدة الساحات" وفتحت معركة "طوفان الأقصى" في غزة انتظارا لفتح جبهات المقاومة الأخرى، بينما بقي حزب الله اللبناني يضرب العواميد وصحون الرادار وكميرات المراقبة لمدة 300 يوم؟

واليوم يخبط ويهدد ويضرب لماذا؟ انتقاما لأطفال غزة المساكين؟ لأ! يضرب انتقاما لمقتل قائده العسكري! وكيف قتل قائده؟ لم يقتل في حرب مفتوحة انتصارا لغزة بل في مناوشات "إشغال وإسناد" في جبهة تخضع لقواعد اشتباك منخفضة التأثير ولا تؤدي بالنهاية لأي إسناد حقيقي عملي لغزة.

وكذلك إيران عندما تنتقم لهنية، هل تنتقم لمقتل قائد مسلم سني؟ لا بالتأكيد! إنها تنتقم لأنها ضربت في عقر دارها ولو قتل في أي مكان آخر لما كان هناك أي داع للتحرك.

واليوم لماذا تتحرك الأساطيل الكبرى للشرق الاوسط وتنهار الأسواق المالية العالمية ويدخل العالم نفقا مظلما؟ لأجل دماء أهل غزة التي تسفك كالنبع الهداج منذ 300 يوم؟ لا! بل لأجل حفنة صغيرة من دماء الشيعة اهريقت في الضاحية الجنوبية وتحرك لأجلها "محور المقاومة" برمته مهددا بحرب كبرى إذا تم استهداف الشيعة مجددا...

الاثنين، 5 أغسطس 2024

اهل غزة الاحياء ونحن الاموات

 

"موتوا فماتوا جميعاً"

 

هناك قصة في القرآن الكريم لا يُركِّز عليها الدعاة كثيراً ولا يقفون عندها ، ربما لأنها وردت في نصف آية في سورة البقرة ولم تتكرر ..

اليوم قفزت إلى ذهني وأنا أقرأ كلام أحد المهزومين نفسياً عن عدد القتلى في غزة وعن مسؤولية المجاهدين عن ذلك ..

القصة تقول :

أنَّ هناك قوماً عددهم بالآلاف فروا من الموت وتركوا مدينتهم ( ربما من عدو وهو الأرجح وربما من طاعون ) لكن الله تعالى  قال لهم وهم في طريق الفرار :  موتوا فماتوا جميعاً ، ثم أحياهم الله مرة ثانية..

فأدركوا أنَّ الموت ليس بيد عدوهم بل بيد ربهم ، وأن الحياة لا تكون بالفرار بل بقرار من ربهم ، ويختم الله تلك القصة المقتضبة بالتذكير أنه ذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون ، بل هو صاحب الفضل العظيم عليهم فهم موجودون لأنه أراد لهم الوجود ولو أراد لهم العدم لما كانوا أصلاً (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ )) ..

وأجمل ما في هذه القصة هو النداء الرباني الذي تلاها مباشرة ، يأمرنا فيه بالقتال في سبيل الله فهو يرانا ويسمعنا ويعلم حالنا : (( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) ..

باختصار شديد :

الحرب لا تقتل أحداً لا يريد الله له القتل ، والسِّلم لا يحفظ أحداً لا يريد الله له البقاء ..

وباختصار أشد :   مُهِمَّتُنا أن نقاتل عدونا ، ونُعِدُّ له العُدَّة والباقي على الله ..

 هل تعلمون : أنَّ هذه الآيات جاءت تمهيداً لقصة القِلَّة المؤمنة  بقيادة طالوت التي انتصرت على الكثرة الجبارة بقيادة جالوت الذي قتله نبي الله داوود  وهو جندي شاب ..؟؟

((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)) ..

لا بد من المواجهة ..  لا بد من القتال .. لا بد من الإقدام .. لا بد من الصبر والاستبسال ..

لا بد من الإعداد قدر الإمكان .. ولا بد من التوكل على الله  والإستعانة به ..

 

هناك حقيقة علينا أن نُدرِكها جميعاً :

 وهي أنَّ الحياة مع انتصار الباطل موت ، وأن الموت مع انتصار الحق حياة..

ولولا أنَّ الله تعالى دفع الباطل بجنود الحق لفسدت الأرض ..

فأكبر فضل من الله أن يكون للحق رجال يموتون لأجله ويكتبون الحياة لغيرهم بدمائهم ..

(( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ))

●● هل تعلمون :

أن هذه الآيات كانت موجهة خاصة لنبينا صلَّ الله عليه وسلم ليتعلم منها  وَلِيُعَلِّمُها لأُمَّتِه ..؟؟

لا تحصوا عدد القتلى فهم أموات أحياء ، ولا تتركوا القتال كي لا تكونوا أحياء أمواتا ..

(( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ )) ..

قال لي أحدهم :

أنت تتكلم بالأماني ولا تعيش المأساة التي يعيشُها أهل غزة ..

قلت له :

 وأنت تتكلم بالقيود والسلاسل ولا تعيش العزة التي يعيشُها أهل غزة ..

قسماً برب العِزَّة أنَّهُم اليوم هم الأحياء ونحن الأموات ..

محمد أسوم



القدس عند المسلمين ارض وشرف ودين

 

القدس عند المسلمين ارض وشرف ودين

يتمتع  بيت المقدس بمكانة  كبيرة في الأديان السماوية، وللقدس مكانة خاصة عند الإسلام والمسلمين، من خلال المكانة التي احتلاها في العقيدة الإسلامية، وفي التاريخ الإسلامي، فالقدس والمسجد الأقصى يسكنان قلوب المسلمين جميعاً.

إن مكة والبيت الحرام  مقدستين عند نبي الله  إبراهيم وأبنه  إسماعيل عليهما السلام ، وامتد تقديسهما وتكريمهما عند أمة الإسلام، و كذلك بيت المقدس والمسجد الأقصى. ما الحكمة الربّانية من الإسراء إلى القدس، وكان المعراج منها؟ ولماذا لم يكن المعراج من مكة المكرمة ؟ . ماذا حظيت القدس بالقبلة الأولى للمسلمين قبل الكعبة المشرفة ؟ لماذا كان اهتمام المسلمين بتحرير القدس دون إراقة دماء؟

أجوبة كثيرة  جميعها كانت تتمحور حول :

1- إسلامية هذه الديار، حيث فتحت روحياً وإيمانياً بمعجزة الإسراء والمعراج.

2- ربط القدس بمكة المكرمة رباطا عقديا وتعبديا.

القدس في القران الكريم

وقد وصف القرآن الكريم أرض بيت المقدس، بصفات عدة منها البركة، والطهر، والقدسية، في كثير من المواضع:

( يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (سورة المائدة: الآية 21).

( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) (سورة الأعراف: الآية 137).

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [ الإسراء: 1]

( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (سورة الأنبياء: الآية 71).

 وفي قوله تعالى عن عيسى وأمه عليهما السلام ( وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) (سورة المؤمنون: الآية 50).

وفي قوله تعالى ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) (سورة ق: الآية 41)، ورد في تفسيرها أن المنادي هو إسرافيل، ينادي من صخرة بيت المقدس.

وجاء فيها قوله تعالى لبني إسرائيل: ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (سورة الإسراء: الآية 8)، أي: إن عدتم للإفساد، عدنا عليكم بالعقوبة. ففي حادثة الإسراء إلغاء أبدي، لصفحة (بني إسرائيل) من سجل التفضيل والاصطفاء.

قال عز وجل "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ". سورة الأنبياء الآية 71.

والضمير الغائب في لفظ (ونجيناه) يعود إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، والمراد بالأرض: هي أرض فلسطين، وكانت موضع هجرة إبراهيم ولوط عليهما السلام بعد أن منّ الله عليهما بالنجاة من الأقوام الظالمة.

القدس في السنة النبوية  الشريفة:

بالإسراء يتمثّل الرباط العقدي ، القدس القبلة الأولى تمثل الرباط التعبدي ، وشد الرحال اليها بقصد التعبّد  يدل على أهميتها الدينية ومشاركتها للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.

- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: " لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثة مَساجِد: المَسجِد الحَرام، ومَسجِد الرَّسولِ ﷺ، ومَسجِد الأقصَى).   رواه البخاري

- لا يَنبَغي لِلمَطيِّ أنْ تُشَدَّ رِحالُه إلى مَسجِدٍ يُبتَغى فيه الصَّلاةُ، غَيرَ المَسجِدِ الحَرامِ، والمَسجِدِ الأقْصى، ومَسجِدي هذا.

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا متفق عليه

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: "إنَّما تُشَدُّ الرِّحالُ إلى ثَلاثةِ مَساجِدَ"، وهو السَّفرُ إليها بنِيَّةٍ وقصْدٍ دونَ غيرِها مِن المساجِدِ، "مَسجِدِ إبراهيمَ"، وهو المَسجِدُ الحَرامُ بمكَّةَ (الكَعْبةُ)، فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالحَجِّ والعُمْرةِ والزِّيارةِ، "ومَسجِدِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" الَّذي بالمدينةِ، فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالزِّيارةِ والصَّلاةِ فيه، "وبَيتِ المَقدِسِ"، وهو المَسجِدُ الأقْصى؛ فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالزِّيارةِ والصَّلاةِ فيه، وقد خُصِّصَتْ هذه المساجِدُ لِمَا لها من الفَضلِ عِندَ اللهِ، ولِمَا للصَّلاةِ فيها من أجْرٍ مُضاعَفٍ.

فقد صلّى رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم  في ساحة المسجد الأقصى المبارك، إماما بالأنبياء، وهو دليل على أنه خاتمهم وقائدهم، وإن رسالته شاملة لجميع الرسالات، وكذلك فُرضت الصلاة على المسلمين في سماء القدس حين المعراج، والمعلوم أن الصلاة هي ركن من أركان الإسلام، بل هي عمود الدين وعماده.

ونظراً لأهمية الصلاة فإن الله عز وجل خاطب نبيه مباشرة وبلّغه فرضيتها، وأن فريضة الصلاة في سماء القدس، أثناء المعراج، تكريم لهذه المدينة التي حباها الله بالبركات وبالقداسة.

 

أهمية ارض القدس ومكانتها في الشريعة الإسلامية ومكانة أهلها :

كان المسجد الأقصى هو المكان الذي صعد منه. وكان حَدَثُ المعراج شرفاً آثر الله به النبي العظيم، ليرقى إلى ملأ عظيم، في ليلة عظيمة.

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه  قَالَ :  سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ: قَالَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأقْصَى. قُلْتُ كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً . (مسند أحمد، الحديث الرقم 20370).

وروت الصحابية الجليلة ميمونة بنت سعد رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس. قال: "أرض المحشر والمنشر، إئتوه فصلّوا فيه، فإن صلاةً فيه كألف صلاة في غيره." قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمّل إليه؟ قال: فتهدي له زيتاً يسرج في قناديله، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه".  رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والبيهقي بإسناد صحيح. وهذا الحديث النبوي الشريف صريح بارتباط مدينة القدس بالعقيدة الإسلامية، لأن المحشر والمنشر جزء من يوم القيامة. ومعنى "أتحمل إليه" أتمكن من الوصول إليه، "فتهدي له زيتا " كناية عن إعماره والتبرع له. وفي لفظ "يسرج فيه" بدلاً من لفظ " يسرج في قناديله".

وروى الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه قال: صلينا مع رسول الله نحو بيت المقدس 16 شهراً ثم حرفنا نحو الكعبة". أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وهذا الحديث النبوي الشريف صريح بأن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين.

عن الصحابي الجليل ذي الأصابع رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله، إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس فلعلّه أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون". أخرجه أحمد والطبراني. وهذا الحديث الشريف يتضمن حثاً على المرابطة والإقامة في بيت المقدس.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمئة ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمئة صلاة". رواه الطبراني في الكبير والبزار في مسنده. إسناده حسن عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. وهذا حثّ على الصلاة في المساجد الثلاثة بالإضافة إلى زيادة في الثواب.

 

 

 

 

 

القدس في التاريخ

فبعد أن قامت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وبعد أن تم فتح مكة، اتجهت أنظار النبي محمد صلى الله عليه وسلم صوب بيت المقدس في الشام، ليُطَهِّرُه من الرومان وتحرير الأرض المقدسة.

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

في العام الثامن للهجرة، بعد أن قتلَ حاكمُ بصرى من قبل الروم مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم. امر الرسول بالتجهز لغزو الروم،  فاجتمع من المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل قد تهيئوا للخروج إلى مُؤْتَةَ،  وفي هذه الغزوة قُتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، ثم عبدالله بن رواحة، ثم التقف الراية سيف الله المسلول، خالد بن الوليد، الذي فتح الله عليه بأن ينسحب ببقية الجيش انسحاباً آمناً، وقد حمد له النبي الكريم ، هذا الصنيع.

في السنة التاسعة بدأت الروم تحشد الجيوش للإغارة على دولة الإسلام، لتضمن البقاء على أرض بيت المقدس، فاستنفر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه لملاقاة العدو، بالرغم من  صعوبة الموقف وقد سُمِّيَ الجيش الذي أُنْشِئ لقتال الروم (جَيْشَ العُسْرة)، وذلك لِما اكتنف إعداده من الظروف العصيبة.

وَلَمَّا بلغ جيش المسلمين تبوك، لم يجد للرومان أثراً يدل على استعداد لحرب، ويبدو أنهم آثروا الاختفاء عن ملاقاة جيش المسلمين. وجاء ختام الغزوة طمأنينة وعزة للمسلمين، فأقفل الرسول صلى الله عليه وسلم عائدا بالجيش إلى المدينة، بعد أن أزال رهبة نزال الروم من قلوب المسلمين، وكسر حاجز الخوف من لقائهم.

وبعد عودته صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، أمر المسلمين بالتهيؤ لغزو معاقل الروم في أراضي الشام، واختار لإمرة الجيش أسامة بن زيد. وَتَجَهَّزَ الجيشُ، وخرج بقيادة أسامة، إلى ظاهر المدينة، فعسكر بالجرف، وفي هذه الأثناء، اشتدت برسول الله صلى الله عليه وسلم  شكواه' التي قبضه الله تعالى فيها، فأقام الجيش ينتظر ما الله قاضٍ في هذا الأمر.

2. في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه

وجه جيش أسامة الذي أعده الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، إلى تخوم البلقاء، فسار إلى حيث وجهه أبو بكر. ولم يكد عهد أبي بكر رضى الله عنه يستقر حتى تداعت فتنة العرب المرتدين، تتكالب على الإسلام.

وبعد أن تحقق النصر الحاسم على المرتدين، تم توجيه جيشٍ إسلامي كبير إلى الشام، وإلى العراق، فوجه أبا عبيدة حِمْص، وولاه إمرة الجيوش، كما أرسل يزيد بن أبي سفيان إلى دمشق، وعمرو بن العاص إلى فلسطين، وشرحبيل بن حسنة لوادي الأردن. وكان عدد هذه الجيوش يقارب الاثني عشر ألفا. ثم أسند أبو بكر، القيادة العامة لجيش الشام، إلى سيف الله المسلول خالد بن الوليد، بعد انتهائه من قتال الفرس في العراق. والتقت الجيوش. وتمخضت ملاحم النصر، عن فتح عدة مدن في فلسطين، منها: نابلس، وعسقلان، وغزة، والرملة، وعكا، واللد، وفتح عمرو بن العاص مدناً أخرى منها يافا ورفح.

وأقلقت هذه الانتصارات الدولة البيزنطية، فحشدت جيوشاً جرارة أخرى، لمواجهة المسلمين، وتجمع الجيش الروماني في اليرموك ، إلا أن الله عز وجل نصر جنده، وفتح للمسلمين فتحاً مبيناً، وسيطروا على المنطقة الوسطى من سورية، التي تحمي ظهورهم بالبادية. وبهذا مهدت الجيوش الإسلامية في خلافة أبي بكر الصديق للزحف نحو بيت المقدس.

3. في عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه

وجه عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبا عبيدة بن الجراح، لفتح المدينة المقدسة، فوجه خالد بن الوليد نحو بيت المقدس، ثم أتبعه جيش بقيادة يزيد بن أبي سفيان، واخر بقيادة شرحبيل بن حسنة. واجتمعت الجيوش كلها، وضربوا الحصار حول المدينة المقدسة لمدة أربعة أشهر، في أيام برد شديد. فطلب أهل "إيلياء" الصلح مع أبي عبيدة، على أن يتولى الخليفة عمر بنفسه تسلّم المدينة، ليضمنوا العهد والأمان منه. فجاءها عمر رضى الله عنه وتسلم مفاتيحها .

وبعد أن تسلم الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بيت المقدس، كَشَفَ عن مكان الصخرة المباركة التي طُمرت تحت الأتربة والنفايات. وتسابق المسلمون في مشاركته ذلك العمل حتى تم تنظيف المكان المبارك، وظهرت الصخرة. وبنى عمر رضى الله عنه ، المسجد المعروف (بمسجد عمر) وأصبحت الصخرة في آخره.

4. في العصر الأموي

ظل المسجد الذي بناه الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه قائماً في عصور الخلفاء الراشدين التالية لعهده، وتولى الخليفة عبدالملك بن مروان وابنه الوليد أمر إعمار المدينة المقدسة وتجديدها، حتى أصبحت في عهدهما، من أعظم المراكز في الدولة الإسلامية، فقد أعادا بناء الأسوار المحيطة بالمدينة، وأقاما الأبنية والقصور بجوار الزاوية الجنوبية لسور المسجد، ليسكنها أمراء القدس في العهود الأموية، ثم العباسية، ثم الفاطمية فيما بعد.

وتولى الخليفة عبدالملك، تشييد مسجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى.

ولما تولى الخليفة الأموي، العادل، عمر بن عبدالعزيز، طلب من جميع ولاته أن يزوروا المسجد الأقصى ويقسموا يمين الطاعة والعدل بين الناس فيه.

5. في العصر العباسيّ عهد أبي جعفر المنصور،  أمر بتعميره وإصلاحه وإعادته إلى الصورة التي تليق بمكانته في قلوب المسلمين، بعد تعرضه لزلزال في عام 158 هـ / 774 م، فبُني أوثق وأمتن مما كان عليه، كما قام الخليفة المهدي بإصلاحات في المسجد عام 158هـ فزاد في طوله.

6. في العصر الفاطمي تم تجديد قبة الصخرة عام 413 هـ من آثار التعرية الجوية، وتوالت التجديدات في عهدهم لتشمل الحرم القدسي بكامله.

7. سقوط القدس في يد الاحتلال الصليبي

أصيبت الدولة العباسية بالضعف والتمزق، وانتهزت أوروبا الفرصة، فجهزت الحملات الصليبية التي اتخذت مظهراً دينيّاً للاستيلاء على بيت المقدس. ونجحت في إقامة مملكة القدس عام 1099م، واستُبيحت الأعراض والممتلكات، ولم يراعوا حرمة المسجد الأقصى وقدسيته، فَحَوَّلُوا الصخرة المباركة إلى مذبح، ووضعوا التماثيل فوقها. كما شوهوا معالم المسجد الأقصى المبارك، فَبَنَوْا على محرابه جداراً لإخفاء معالمه، واتخذوا من المسجد ثكنات لجنودهم، وذبحوا الكثير من المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً.

8. القدس في عصر المماليك

استمر المماليك في الحكم قرابة ثلاثة قرون، أَمْضَوْا جانباً منها في القضاء على ما تبقى من الصليبيين. فاستسلمت في عهدهم باقي الإمارات الصليبية عام 690 هـ/1291م.

9. القدس في العصر الأيوبي

ظل الصليبيون يعيثون فساداً في مدينة القدس قرابة التسعين عاماً، إلى أن أَذِنَ الله بالنصر، للسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب. فطهر القدس من الصليبيين، وعمل على إزالة التشوهات التي لحقت بالآثار الإسلامية. فطهر قبة الصخرة من التماثيل والهياكل، التي وضعت فوقها، وأزال الجدار الذي وضعه الصليبيون على محراب المسجد الأقصى، وأمر بتجديده، ونقل إلى المسجد الأقصى من حلب، المنبر الذي أعده نور الدين زنكي لهذا اليوم. وقد ملأ المسجد والحرم القدسي الشريف بنسخ من القرآن الكريم، كما شيد عدداً من المدارس الإسلامية.

10. القدس في عصر الأتراك العثمانيين

أولى الأتراك العثمانيون المسجد الأقصى عنايتهم، فأقاموا عدداً من العمارات الإسلامية، وتمت توسعة المسجد، ليصل إلى 80 متراً طولا و 55 متراً عرضاً، وأضيف عدد من الأعمدة الرخامية، ليصل عددها إلى 53 عموداً رخامياً و49 سارية. وشملت التجديدات، والتحسينات، قبة الصخرة، التي زُيِّنَتْ بالآيات القرآنية، أما الصخرة المشرّفة فقد أقيم حولها سياج، من الخشب، على شكل مربع بلغ طوله ثمانية عشر متراً، وعرضه ثلاثة عشر متراً. وامتدت الإصلاحات والتجديدات لتشمل الحرم القدسي كله.

 

 

الاحتلال البريطاني والصهيوني

في عام 1917 احتلت القوات البريطانية القادمة من مصر القسم الجنوبي من فلسطين من الدولة العثمانية، وفرضت عليها حكماً عسكرياً، دخل قائد القوات البريطانية الجنرال إدموند ألنبي مدينة القدس من باب يافا. أثار ذلك مشاعر الابتهاج في أوروبا وأمريكا إذ وقعت القدس لأول مرةٍ تحت سيطرة الأوروبيين بعد تحريرها من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي. كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية قد اتفقت على تقسيم بلاد الشام بينها في اتفاقية سايكس-بيكو السرية 1916 بين الأطراف الثلاثة. جرى الاتفاق على أن تكون منطقة فلسطين منطقةً دوليةً مراعاةً لروسيا، ولكن بعد انتهاء الحرب عَدَلَتْ بريطانيا عن هذا البند من الاتفاقية فقد أرادت إنشاء معبرٍ أرضيٍّ متصلٍ بين الخليج العربي وميناء حيفا، فضلاً عن هدفها تأسيسَ دولةٍ صهيونيةٍ في فلسطين.

في 1920 اجتمع مندوبو الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى في مدينة سان ريمو الإيطالية  (مؤتمر سان ريمو) لتعديل اتفاقية سايكس-بيكو وتقرير الشكل النهائي لتقسيم الأراضي التي احْتُلت من الدولة العثمانية. في هذا المؤتمر اتفق الطرفان على منح فلسطين لبريطانيا.

أصرّت الحكومة البريطانية على عصبة الأمم على إدراج تصريح بلفور في صك الانتداب على فلسطين لتصبحَ السياسةُ البريطانيةُ في فلسطين الداعمةُ للهجرةِ اليهوديةِ تحت غطاءٍ دولي، وعيّنت أول مندوبٍ سامٍ لها هربرت صموئيل الوزير البريطاني السابق واليهودي .

الحرب العالمية الثانية

ابتداءًا من عام 1939، ترأس الموساد منظمة تُشرف على الهجرة السرية لليهود بعد الحرب، تم ترحيل غالبية اليهود في أوروبا الى فلسطين وبدات الحركة الصهيونية بالاستيلاء على ارض الفلسطينين عن طريق المذابح والمجازر وسرقة الممتلكات العربية .

مثلما هو الحال في أغلب أنحاء العالم العربي، لم يكن ثمّة إجماع بين العرب الفلسطينيين على موقفهم من المتحاربين في الحرب العالمية الثانية. فقد رأى عدد من الزعماء والشخصيات العامة أن انتصار المحور هو الطريقة السريعة لعودة فلسطين من الصهاينة والبريطانيين. على الرغم من أن العرب لم يحظو بتقدير كبير من قبل النازية ، إلا أن النازيون قد شجعوا الدعم العربي باعتباره معاكسًا للهيمنة البريطانية.

عام 1944 تم تشكيل مجموعة اللواء اليهودي في الجيش البريطاني ، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في مساعدة اليهود على الهجرة من أوروبا إلى فلسطين، وأصبح قدماء اللواء اليهودي مشاركين رئيسيين في الجيش الإسرائيلي.

في أعقاب تقسيم فلسطين اندلعت المقاومة الفلسطينية المسلحة على نطاق واسع وجابهتها بريطانيا بعنف شديد وقامت بدعم المناطق اليهودية لأسباب دينية. نظمت فرق ليلية بريطانية خاصة مؤلفة من جنود بريطانيين ومتطوعين صهاينة غارات على قرى عربية في الجليل الأدنى وفي مرج بن عامر.

بعد نهاية الحرب عام 1948 تقسمت منطقة الانتداب بين إسرائيل والأردن ومصر حيث منحت إسرائيل الجنسية الإسرائيلية لليهود ورفضت عودة النازحين الفلسطينيين من خارج هذه الحدود. أما الأردن فمنحت جنسيتها لسكان الضفة الغربية بما في ذلك اللاجئين إليها. أما سكان قطاع غزة واللاجئين إليها فبقوا دون مواطنة إذ رفضت مصر منحهم الجنسية المصرية.

وبذلك سيطرت الحركة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية وبما فيها القدس الشريف ، وبالرغم من العنف والقتل والتشريد والحصار المطبق على اهل فلسطين ما زالوا يقامون المحتل وهدفهم الوحيد تحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى الشريف .

الخاتمة:

فقد قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال:

 قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط بإسناد. قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات. والله أعلم.

وهذه بشارة من الرسول محمد عليه السلام للأمة الإسلامية بأنّ الفئة المنصورة هي التي ترابط في بيت المقدس.

هلاّ تنبّه المسلمون في هذه الأيام لهذه المدينة المباركة المقدسة؟! وهلاّ أعطوها العناية اللائقة بها؟! وهلاّ تذكّروها وهي في الأسر؟! وهي تحت وطأة الاحتلال؟! أم هم عنها لاهون غافلون؟!

مدينة القدس أمانة في اعناق جميع المسلمين لأنها الأرض المقدسة وارض المحضر ، ويجب أن يتنبّه المسلمون في هذه الأيام لهذه المدينة المباركة المقدسة وأن يعطوها العناية اللائقة بها، وأن نعمل على تحريرها من  الاحتلال وبأسرع وقت .

على العالم الإسلامي أن يتحمل المسؤولية تجاهها. ولو قصر العرب في العمل على تحريرها ولا يركن المسلمين  للحكام العرب فأن لهم مصالح وسياسات لا تتناسب مع أهمية تحرير الأقصى .

                                              خاص لحراس الأقصى                        محمد اللكود

المصادر: القران الكريم – السنة النبوية – مقالات متنوعة من الشابكة –  المنهاج السوري

الأحد، 4 أغسطس 2024

القدس تحت الحماية الدولية

القدس تحت الحماية الدولية 



معارف مقدسية / القدس عبر التاريخ

محمد اللكود

باحث تربوي / دراسات سياسية

القدس تحت الحماية الدولية

تحاول أجهزة الاعلام والثقافة الصهيونية ترويج أن القدس مدينة يهودية وكل ما فيها يعود الى المجتمع اليهودي من ثقافة وعمران وحضارة ، وتحاول أن تطمس التاريخ العربي للمنطقة وكذلك المحاولات الدولية للسيطرة على القدس وجعلها مدينة دولية بسبب مكانتها المقدسة عند كل الأديان وبسبب البعد الجيوسياسي لفلسطين، فكان الصراع بين الدول للسيطرة على القدس تارة وتارة أخرى قيام تحالف لوضعها تحت حماية دولية .

فمن واجباتنا كحراس الأقصى أن نوضح كثيرا من القضايا التاريخية حول مدينة القدس والمسجد الأقصى من خلال مجلة حراس 144 ونتعرف مدى التآمر الدولي على مقدساتنا، وفضح الاعلام الصهيوني الكاذب.

 والسؤال المهم الذي شغلنا هو لماذا وضعت القدس تحت الحماية الدولية ؟

وتتمتع مدينة القدس بأهمية دينية بالغة بالنسبة لملايين المؤمنين من أتباع الديانات التوحيدية الثلاث في مختلف أرجاء العالم، والقدس من أقدم المدن في العالم وقد ظلت طوال تاريخها ملتقى الحضارات والمدنيات ووجهة للحجاج والفاتحين ومنذ العهود الغابرة خاضت شعوب وجماعة أنت مختلفة معارك لا تحصى للسيطرة عليها، وهؤلاء خلفوا مدينة ذات عمق ونسيج ثقافي وديني فريدين.

 في هذه المقالة نحاول أن نوضح تاريخ القدس القديم ونبين الاطماع الدولية بالسيطرة عليها قبل الحركة الصهيونية ومع استمرار هذه الحركة وتخاذل العرب في الحفاظ عليها.

مراحل مرت بها مدينة القدس:

أنشأ العرب القدس قبل خمسة آلاف سنة، حيث اختارها اليبوسيون في 3000 ق.م عاصمتهم؛ ومن بقايا مدينة القدس اليبوسية عين سلوان أو عين الدرج، وهم الذين استقبلوا  نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما جاء إلى فلسطين ، وظل العرب يشكلون الأكثرية طوال عهود التاريخ، حتى زمن الاحتلال (العبري) لفلسطين منذ القرن الحادي عشر ق.م.  وقد تعلم الغزاة العبريون فنون الزراعة من العرب (سكان البلاد الأصليين). وورد في ألواح مصرية 1879 ق.م  ان اسمها  (أورسالم) أي (مدينة السلام)، وعاد الاسم وتكرر عام 1300ق.م في ألواح (تل العمارنة) حيث كان اليبوسيون العرب يسكنونها في ذلك الحين.

 في فترة الحكم الروماني: 63ق.م - 636م جرت احداث كثيرة من أهمها :

 ظهور المسيح عليه السلام، وتدمير القائد الروماني تيطس للقدس في عام 70م، وكذلك دمرها القائد الروماني (هدريان) وأنشأ مكانها مدينة (إيليا كابيتولينا) في عام 139م.

في عام 335م أنشئت كنيسة القيامة، وعام 395م تبعت القدس للإمبراطورية البيزنطية، واحتلها الفرس. 614م حتى 629م، وفي فترة 629-636م: أعادها الرومان إلى حكمهم.

في عام 636م  أعاد العرب المسلمون تحرير القدس وفتحوها سلماً؛ حيث دخل الخليفة عمر بن الخطاب المدينة وكتب لأهلها العهدة العمرية المشهورة، وخضعت القدس لسيطرة العباسيين، فالطولونيين، فالاخشيديين، فالفاطميين الذين اهتموا بالقدس، وقاموا بتعمير المسجد الأقصى وقبة الصخرة وغيرهما من أبنية المدينة؛ بعد ما أصابها من الدمار نتيجة الزلازل.

احتل الصليبيون القدس عام 1099م وارتكبوا مذبحة رهيبة قتلوا فيها معظم سكانها، ثم حولوا مسجد قبة الصخرة إلى "كنيسة السيد المسيح"؛ أما المسجد الأقصى فحولوا جزءاً منه إلى كنيسة، والجزء الآخر إلى مسكن لفرسان "الداوية"، وبنوا فيه مستودعاً للأسلحة، واستخدموا السراديب التي تحته كإسطبلات خيول؛ وهي المعروفة باسم "الأقصى القديم، والمصلى المرواني"، واستمر الاحتلال الصليبي للمدينة 88 سنة.

حرر صلاح الدين الأيوبي عام 1187م المدينة من الصليبيين، وتولى المماليك الحكم 1250م واهتموا بالقدس، وأنشأوا فيها العديد من الزوايا والربط والتكايا والمدارس والمساجد والسبل، حتى عام 1516م حيث أصبحت تحت سيطرة الأتراك العثمانيون، الذين توصلوا مع الدول الغربية لوضع  لما يعرف باسم "اتفاق الوضع الراهن" فيما يخص الأماكن الدينية المقدسة في القدس.

مع بدايات الحرب العالمية الأولى صدر وعد بلفور المشؤوم والاحتلال البريطاني للمدينة1917، وتبعه عام 1947م صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وإنشاء كيان خاص بالقدس بشكل مستقل.

 

الصراع الدولي وأحلام عودة الصليبين ومنطق "أرض الميعاد" للصهاينة :

تتعلق فكرة الصراع بين الدول الأوروبية بالتراث الديني البروتستانتي تحديدا، وتاريخ العلاقات الإسلامية بالغرب في زمن الحروب الصليبية، حيث تجمعت المصالح الدينية والسياسية والثقافية والإستراتيجية معا لإنشاء إسرائيل ودعمها من قِبَل البريطانيين ثم الأميركيين فيما بعد.

وكان لقانون الامتيازات أو قانون المِلَل الذي سمح بمقتضاه السلطان سليمان القانوني للفرنسيين برعاية وحماية الكاثوليك في أراضي الدولة العثمانية دوراً في التدخل الدولي في القدس حيث سُمح للروس بحماية الأرثوذكس القاطنين أيضا في أراضي الدولة العثمانية، ولذا وجد البريطانيون ضالّتهم في رعاية اليهود القاطنين في أراضي الدولة العثمانية بوصفها إحدى أهم أدوات التوسع الاستعماري في الأقطار العربية .

اما روسيا اعتنت بموضوع الدين واتخذت من الدفاع عن الأرثوذكس شماعة لحماية الأقليات وبابا للنفوذ إلى قلب منطقة الشرق الأوسط، لتجد لها موطئ قدم في أراض كانت فيها قبلها فرنسا وإنجلترا والنمسا وبروسيا، فهتمت  بالدفاع عن الأرثوذكس في مواجهة المذاهب الأخرى مثل الكاثوليكية والبروتستانتية، لأنها جزء لا يتجزأ من السياق القومي الروسي، وكونها خط الدفاع الروحي الأهم عن الهوية الروسية.

تنبهت روسيا إلى أن في الامبراطورية العثمانية طائفة أرثوذكسة، وأرادت أن تسيطر على البطاركة والأساقفة الأرثوذكس، وتتخذهم وسيلة لتحقيق أطماعها السياسية، فأخذوا يشترون الأراضي في فلسطين، ويقيمون عليها الأبنية ويتدخلون في الأمور الدينية والسياسية، وبدأ التدخل الروسي بطلبهم من السلطان العثماني عبد المجيد الأول تنحية الرهبان الكاثوليك من القدس، وأن يكون الرهبان الأرثوذكس هم أصحاب الكلمة العليا في الأماكن المقدسة، فوقعت الدولة العثمانية مع روسيا اتفاقية سمحت للروس بالحصول على امتيازات ضمن البلاد العثمانية، تشمل حماية الأرثوذكس في أي مكان في الدولة.

القدس في فترة الحرب العالمية الأولى:

بدأت المشكلة الفلسطينية كقضية دولية مع قرب نهاية الحرب العالمية الأولى، فقد أدت احداث الحرب إلى اتخاذ عصبة الأمم قرارا بوضع فلسطين تحد إدارة بريطانيا العظمى كدولة منتدبة، ولم يأخذ هذا القرار في الاعتبار رغبات الشعب الفلسطيني، رغم اشتراط العهد ’’أن يكون لرغبات هذه الأقوام اعتبار رئيسي في اختيار الدولة المنتدبة‘‘.

ونجد من بنود الاتفاقية البريطانية الفرنسية الروسية عام 1916 حول فلسطين كما جاء في المادة الثالثة ((تنشأ إدارة دولية في المنطقة السمراء (فلسطين)، يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة)). والمادة العاشرة: ((تتفق الحكومتان الإنگليزية والفرنسية، بصفتهما حاميتين للدولة العربية، على أن لا تمتلكا ولا تسمحا لدولة ثالثة أن تمتلك أقطاراً في شبه جزيرة العرب، أو تنشئ قاعدة بحرية على ساحل البحر المتوسط الشرقي)).

ففي 11 كانون الأول/ديسمبر 1917، استطاع اللنبي انتزاع القدس من الأتراك العثمانيين وحليفهم الألماني .

ودخل من بوابة يافا في القدس سيراً على الأقدام، دون أي أعلامٍ أو موسيقى رنانة مخالفاً لما فعل القيصر فيلهلم الثاني الألماني عندما زار القدس عام 1898، دخل على جواد أبيض وسط لافتات مرفرفة، وانتشر كلام يقول إنه 'لو كان رجلاً أفضل لدخلها مشياً [على الأقدام]'. حتى يعطي حسن نية بريطانيا تجاه العرب، وعند مدخل القلعة ("برج داود")، قرأ  اللنبي إعلاناً مفاده أنه سيتمّ وضع المدينة تحت الأحكام العرفية، وسيبقى الوضع القائم فيما يتعلق بالأماكن المقدسة على ما هو عليه.

عندما سقطت القدس، كانت اتفاقية سايكس- بيكو السرية المبرمة في أيار/مايو 1916 لا تزال نافذة بتقسيم الإمبراطورية العثمانية، من قبل القوى المتحالفة الرئيسية: بريطانيا وفرنسا وروسيا.

وبما أن بريطانيا وفرنسا أعربتا كلتيهما عن رغبتهما بالسيطرة على فلسطين، وأرادتا منع وقوع أي تصادم قبل غزوها، فقد قررتا تقاسمها، وتخضع القدس ويافا والمنطقة الممتدة بينهما "لإدارة دولية"، يتم تحديد شكلها من خلال التشاور بين الحلفاء. وبالتالي، كانت اتفاقية سايكس- بيكو أول خطة لتدويل القدس.

ولهذا السبب انطلق بيكو إلى القدس مدعوماً بجيش اللنبي المنتصر، ولكن الأخير تحايل على الفرنسيين في إبقاء القدس وبقية البلاد تحت سلطة نظام عسكري، حيث أعلن اللنبي في تصريحه الشهير على أدراج "برج داود" حين خاطب الحشود قائلاً، إن القدس قد احتلتها "قواتي. وأنا بالتالي أعلن من هنا والآن أنها خاضعة للقانون العرفي، وستبقى تحت هذا الشكل من الإدارة طالما استدعت الاعتبارات العسكرية ذلك".

وصف لورنس العرب  وفي كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" الذي تناول سيرته الذاتية المشهد كالآتي:

قال بيكو السياسي الفرنسي (... غداً عزيزي الجنرال، سأتخذ الخطوات اللازمة لتشكيل حكومة مدنية في هذه المدينة '؛ أعقبها صمت ، وبدا اللنبي مرتبكاً. ولون وجهه تحوّل إلى الأحمر، وقال بتجهم: ' في المنطقة العسكرية، السلطة الوحيدة هي سلطة القائد الأعلى، وهو أنا'. فردّ بيكو متلعثماً: ' لكن السير غراي، [غراي وزير الخارجية البريطاني في عام 1916، عندما تم إبرام اتفاق سايكس بيكو]. وسرعان ما قاطعه اللنبي مجيباً: ' السير إدوارد غراي أتى على ذكر الحكومة المدنية التي سيتمّ تشكيلها عندما أرى أن الوضع العسكري يسمح بذلك ' "

 وقد كتب لويس ماسيغنون، ضابط فرنسي مرتبط بـ بيكو، أن "اللنبي هدد بيكو بصرامة بأنه سيتم القبض عليه إذا تدخّل".

وعلى الرغم من أن اللجنة الفرنسية بقيادة بيكو حاولت فرض "وصاية دينية" على الأماكن المقدسة الكاثوليكية (كمعارضة للإيطاليين)، لم تستطع أن تكون ضمن "إدارة دولية" في القدس، بل كانت السيطرة فقط لبريطانيا كونهم وحدهم المؤهلين لحكم القدس، وأنهم  القوة الوحيدة المناسبة لحكم المسلمين واليهود والروم الكاثوليك وكافة الديانات" كما ادعوا ، وبذلك باءَ أول اتفاق لتدويل القدس بالفشل، ولم تعرف المدينة يوماً واحداً من الإدارة الدولية.

نتيجة المقاومة والثورات في فلسطين ضد الانتداب قدمت بريطانيا  ما أصبح ’’المشكلة الفلسطينية‘‘ إلى الأمم المتحدة على أساس أن الدولة المنتدبة تواجه التزامات متضاربة ثبت عدم إمكانية التوفيق بينها، واقترحت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين، إحداهما عربية فلسطينية والأخرى يهودية، مع تدويل القدس.

في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 اقترح تقسيم فلسطين ووضَعَ تصوّراً ومنح القدس وضعاً منفصلاً تماماً كمدينة لا تنتمي إلى أي دولة إنما تخضع "لنظام دولي خاص".

القدس في الأمم المتحدة

تبنت الأمم المتحدة في عام ١٩٤٧م مشروع تقسيم فلسطين الذي حافظ على وحدة القدس وإقامة نظام دولي تحت سيطرة الأمم المتحدة.

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/8/8f/EastJerusalemMapAR.jpgأضفى اتفاق الهدنة بين (إسرائيل) والأردن في عام ١٩٤٩م طابعا رسميا على تقسيم المدينة بحكم الأمر الواقع إلى جزء شرقي يضم المدينة القديمة ويسيطر عليه الأردن الذي كان يسيطر أيضا على الضفة الغربية)، وجزء غربي، أو المدينة الجديدة التي تسيطر عليها (إسرائيل).

أسفرت حرب عام ١٩٦٧، عن احتلال القدس الشرقية والأراضي الفلسطينية ، وفي عام ۱۹۸۰ أعلنت الصهيونية  "القدس كاملة وموحدة، عاصمة لها، ومطالبة (إسرائيل) بالقدس لم تلق اعترافا من المجتمع الدولي ويعتبر إجراء أي تغييرات على الأرض غير قانوني وباطلا.

وأوصت اللجنة الخاصة بالقدس بوضع أحكام خاصة تضمن الطابع المقدس للأماكن المقدسة، وإنشاء نظام دولي دائم للإشراف على الأماكن المقدسة في القدس وغيرها وحمايتها، وتقوم الأمم المتحدة عن طريق مجلس الوصاية بإدارة النظام الدولي الخاص بالقدس.

ومع تخلي المملكة المتحدة عن انتدابها على فلسطين في ١٤ أيار / مايو ١٩٤٨ وبعد إعلان قيام دولة  (إسرائيل) خضعت القدس الشرقية، بما فيها الأماكن المقدسة والضفة الغربية لإدارة الأردن.

واتخذ تقسيم المدينة بحكم الأمر الواقع بين بلدين متحاربين حدودهما مغلقة، طابعا رسميا في اتفاق الهدنة بين إسرائيل والأردن في 3 نيسان / أبريل ١٩٤٩،

بيد أن المجتمع الدولي اعتبر أن الاتفاق ليس له أثر قانوني على استمرار صلاحية الأحكام المتعلقة بتدويل القدس في قرار التقسيم، واتخذت (إسرائيل) عقب ذلك عددا من التدابير لبسط سيطرتها على القدس الشرقية، وأعلن المجتمع الدولي بطلان تلك التدابير.

من خلال ما سبق نجد بأن جميع المحاولات للسيطرة على القدس من القوى الغازية فشلت ، وجميع المؤامرات التي حيكت ضد القدس ومقدساتنا من الدول الاستعمارية لم تستطع أن تحقق أهدافها بالرغم من قوة وجبروت هذه الدول ، وما استعانتهم باليهود والصهيونية إلا دليل فشلهم في السابق وفشلهم اللاحق مهما امتد الزمان .

والثورات الفلسطينية التي قامت ما اسكتها إلا تامر الحكام العرب عليها ، واستمرارها الى الان ورفضها لجميع المشاريع الصهيونية إلا دليل على ايمان الشباب العربي المسلم بقدرته على تحرير ارضه واسترجاع حقوقه المسلوبة ، وهذا ما برهنته القوى الإسلامية في فلسطين الان.

 

 

 محمد اللكود

المراجع :

-         مارتن كريمر هو "زميل كوريت الزائر" في معهد واشنطن.

-         البعد المسيحي للسياسة الروسية في المشرق العربي الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية/2021

-         مؤسسة الدراسات الفلسطينية

-         وضع القدس . دراسة للجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الأمم المتحدة 1997م