الاثنين، 26 يونيو 2023

طريقة التحليل السياسي في قضية تمرد مجموعة فاغنر

 التحليل السياسي 

الانقلاب الأبيض في روسيا ومن خطط له

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده تواجه تمردا مسلحا، وذلك بعدما أعلن قائد مجموعة فاغنر العسكرية غير النظامية التحرك للإطاحة بقيادة الجيش الروسي وأكد السيطرة على المقرات العسكرية في مقاطعة روستوف جنوبي البلاد.

وفيما يأتي أبرز ما نعرفه حتى الآن عن هذا التمرد:

  • ما العامل الذي أثار التمرد؟

منذ أشهر يخوض يفغيني بريغوجين قائد المجموعة صراعا مع قيادة الجيش الروسي، إذ اتهم كبار الضباط بعدم تجهيز قواته بما تحتاجه من العتاد وتعطيل تقدمها لأسباب بيروقراطية.

تصاعدت مساء الجمعة حين اتهم بريغوجين الجيش الروسي بتنفيذ ضربات صاروخية على معسكرات قواته بأمر من وزير الدفاع وقتل عدد "هائل" من مقاتليه، مشيرا إلى وجود قرابة ألفي جثة، وتوعد بريغوجين بالإطاحة بمن وصفهم بالخونة في قيادة الجيش وشنق وزير الدفاع في الساحة الحمراء، داعيا "الوطنيين" إلى التحرك لمساندته.

وبدأ التحرك الميداني ليلا، حيث أعلن قائد فاغنر أن قواته انطلقت من مواقعها في أوكرانيا وعبرت الحدود إلى مقاطعة روستوف جنوبي روسيا حيث مقر القيادة الجنوبية للجيش،

وأعلن بريغوجين بعد ظهر السبت أن قواته سيطرت على المقر العام للجيش في روستوف "من دون إطلاق رصاصة واحدة". ، ورفض قائد فاغنر اتهامات الرئيس الروسي له بالخيانة، وأكد أنه ورجاله لن يسلموا أنفسهم بناء على طلب الرئيس أو جهاز الأمن الفدرالي أو غيرهما.

من جهته، أعلن "فيلق المتطوعين" الروسي أنه يدعم تحرك بريغوجين، وقال إن قوات الفيلق الموجودة على الأراضي الروسية مستعدة للمساعدة في القضاء على نظام بوتين، وأضاف أن هذا النظام الذي وصفه بالدموي "لن يقهر إلا بالقوة العسكرية".

  • ما رد موسكو على الأحداث؟

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن ما يجري تمرد مسلح سيتم الرد عليه بشكل قاس، و ما يحدث بأنه خيانة داخلية وطعنة في الظهر، وحذّر من خطر "الحرب الأهلية" اللذين يمثلهما قائد مجموعة فاغنر بتمرده على القيادة الروسية.ووقّع قانونا يسمح باحتجاز من ينتهك الأحكام العرفية 30 يوما.و وقّع قانونا يسمح بتجنيد المحكوم عليهم والسجناء للقيام بالخدمة العسكرية.

ورفعت السلطات قضية جنائية ضد بريغوجين بتهمة التمرد المسلح، ودعا جهاز الأمن الفدرالي الروسي مقاتلي فاغنر إلى عدم الانصياع لأوامر قائد المجموعة واتخاذ خطوات لاعتقاله، وحذرهم من "ارتكاب الأخطاء التي لا يمكن الرجوع عنها".

أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، الموالي للكرملين، أن قوات وزارة الدفاع والحرس الوطني في جمهورية الشيشان انطلقت باتجاه مناطق التوتر في روستوف جنوبي روسيا.

و أكد قديروف أن قواته مستعدة لتقديم العون في إحباط تمرد قائد فاغنر، واستخدام أساليب قاسية إن لزم الأمر، على حد تعبيره. وهذا الموقف بسسب علاقات سابقة بين الاثنين .

  • ما مجموعة فاغنر؟

انخرطت قوات فاغنر في نزاعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأقر بريغوجين العام الماضي بأنه أسس المجموعة بتجنيده الكثير من العناصر من السجون الروسية مقابل وعد بالعفو.

وكان مقاتلوها في الصفوف الأولى للهجوم على مدينة باخموت التي استولت عليها روسيا بعد أن تكبدت فاغنر خسائر فادحة في صفوفها.

أثار التمرد أيضا ردود أفعال عدد من زعماء العالم. وقالت واشنطن وباريس وبرلين وروما إنها تراقب التطورات من كثب. أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد أكد لنظيره الروسي استعداد تركيا للقيام بما يلزم من أجل إيجاد حل لما يجري في روسيا.

ولنستطيع الحكم بطريقة علمية عن علاقة بوتين بهذا التمرد يجب أن نعود لنذكر بشخصي هذا الرئيس وكيف يفكر.

فلاديمير بوتين.. بدأ حياته جاسوسا ويحلم بالسلطة حتى 2036

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثاني أطول زعماء الكرملين بقاء في السلطة بعد جوزيف ستالين في عهد بوتين دخلت قوات روسية إلى إقليم كوسوفو عام 1999 لكنها خرجت سريعا، ثم غزت روسيا الشيشان في العام نفسه وسيطرت عليها وضمتها للاتحاد الفدرالي الروسي، واحتلت أجزاء من جورجيا عام 2008.

وفي عهده أيضا، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، وهو الآن يخوض حربا أوسع في أوكرانيا لمنعها من الانضمام إلى الناتو.

النشأة والعائلة

7 تشرين الأول 1952: ولد فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين في لينينغراد (سان بطرسبورغ لاحقا) التي شارك والده في الحرب العالمية الثانية دفاعا عنها. ـ كانت والدة بوتين عاملة في مصنع وكان والده مجندًا في البحرية السوفياتية، وخدم في أسطول الغواصات في أوائل الثلاثينيات. وقُتلت جدة بوتين لأمه على يد المحتلين الألمان لمنطقة تفير في عام 1941، واختفى أعمامه على الجبهة الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية. وكان سبيريدونوفيتش بوتين، جد فلاديمير بوتين، طباخا شخصيا لفلاديمير لينين وجوزيف ستالين.

عام 1973: أصبح محترفا للعبة السامبو التي تعد من فنون الدفاع عن النفس الروسية، وتحول بعدها إلى لعبة الجودو التي حصل فيها على الحزام الأسود. وعام 1975: تخرج بوتين من كلية الحقوق بجامعة سان بطرسبورغ متخصصا في العلاقات الدولية. 28 يوليو/تموز 1983: تزوج من المدرسة لودميلا بوتينا ، وعام 2013: أُعلن طلاق بوتين من زوجته لودميللا بعد زواج استمر نحو 30 عاما. وصفته زوجته السابقة بأنه مدمن عمل.
ـ إحدى بنات بوتين، وتدعى كاتيرينا، تشغل منصبا إداريا رفيعا في جامعة موسكو الحكومية، كما أنها راقصة تشارك في عروض الروك أند رول الأكروباتية. ـ أما ماريا، الابنة الكبرى لبوتين، فهي أكاديمية متخصصة في طب الغدد الصماء.

يجيد اللغتين الألمانية والإنجليزية بجانب الروسية ـ وحصل على الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد.

عام 1985: عمل بوتين عضوا في الاستخبارات السوفياتية "كيه جي بي" (KGB) سابقا في درسدن بألمانيا الشرقية مستخدمًا هوية مترجم.

عام 1996: أصبح نائبا لمدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية. وعام 1997: عين نائبا لمدير ديوان الرئيس يلتسن.

ـ 25 يوليو/تموز 1998: عين يلتسن، بوتين مديرًا لجهاز الأمن الفدرالي، وهي المنظمة الأمنية والاستخباراتية الأساسية للاتحاد الروسي. وفي 1999: تم تعيين بوتين كواحد من 3 نواب لرئيس الوزراء، وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، تم تعيينه رئيس وزراء بالإنابة من قبل الرئيس يلتسن، وفي نفس اليوم، وافق بوتين على الترشح للرئاسة

بوتين رئيسا

1999: تولى مهام رئيس روسيا الاتحادية بالوكالة بعد تنحي الرئيس بوريس يلتسن.

2000: فاز بانتخابات الرئاسة في الجولة الأولى بنسبة 53% من الأصوات.

ـ شهدت فترة ولاية بوتين الأولى -التي استمرت 4 سنوات- إجراء تعديلات في النظام السياسي أحكم بفضلها سيطرته على القرار السياسي والاقتصادي في روسيا.

ـ عام 2001: أمر بانسحاب الجيش الروسي جزئيا من الشيشان، مقابل منح صلاحيات واسعة لأجهزة الاستخبارات السرية التي كلفت بتصفية المعارضين، بعد أن شكلت موسكو إدارة تابعة لها لتحكم الشيشان بقيادة ستانيسلاف إلياسوف.

ـ عام 2004: أعيد انتخابه لولاية رئاسية جديدة. وعام 2009: عرفت الحرب في الشيشان نهاية رسمية لها بتصفية جل المعارضين وتنصيب موسكو حاكما لها ذا صلاحيات واسعة على الشيشان وأنغوشيا وأوسيتيا الشمالية وداغستان.

2012: فاز بوتين في الانتخابات الرئاسية بحصوله على 63.6% من أصوات الناخبين، وسط احتجاج من المعارضة الروسية وبعض المنظمات الدولية .

2017: أغلقت حكومة موسكو الحدود مع إقليم أبخازيا في جورجيا المجاورة، واحتلت القوات الروسية بعض الجيوب هناك بالإضافة إلى إقليم أوسيتيا الجنوبية، واعترفت بهما جمهوريتين مستقلتين. ووقع بوتين أيضا على مرسوم يسمح بتجنيد مواطني أوسيتيا الجنوبية في القوات المسلحة الروسية.

2018: فاز بوتين بولاية رابعة مدتها 6 سنوات إثر تعديل الدستور، حيث حصل على أكثر من 70% من الأصوات، وهي نسبة تفوق بكثير تلك التي حصل عليها في انتخابات 2012.

ـ عام 2020: أُجري استفتاء مثير للجدل على إصلاحات دستورية منحت الرئيس بوتين فرصة البقاء في منصبه بعد انتهاء فترة رئاسته الرابعة في عام 2024، ما يعني أنه قد يمكث في الكريملين حتى عام 2036.

عمل بوتين داخليا على تعزيز السلطة المركزية وإحداث التوازن في العلاقات يبن أجهزة الدولة، ـ وصف مسؤولون كبار سابقون بوتين لديه شكوك في كل المحيطين به حتى من كبار مساعديه ممن عملوا معه لسنوات طويلة،

قال بوتين في مقابلة له عام 2017 مع أوليفر ستون، إنه استقال من لجنة أمن الدولة في عام 1991، وذلك بعد انقلاب ضد ميخائيل غورباتشوف، حيث أنه لم يكن موافقًا على ما حدث ولم يرغب بأن يكون جزءًا من المخابرات تحت الإدارة الجديدة 

 عندما أصبح بوتين رئيسًا للجمهورية لاحقًا اتهم الزملاء في معهد بروكينز أطروحته بالسرقة الأدبية، بعد أن اكتُشف أن 15 صفحة منها منسوخة من كتاب مدرسي أمريكي

كان خصوم يلتسن الرئيسيون وخلفاؤه المحتملون يقومون مسبقًا بحملات لاستبدال الرئيس الذي تنحرف صحته، وقد حاربوا بشدة من أجل منع ظهور بوتين كخليفة له. في أعقاب تفجيرات الشقق الروسية وغزو داغستان على يد المجاهدين، بما فيهم عملاء سابقين في لجنة أمن الدولة، الذين كانوا متمركزين في جمهورية إيشكريا الشيشانية، شكل النهج الصارم لبوتين مع الصورة المعكوسة لنظامه وقوانينه في الحرب الشيشانية الثانية .

في أغسطس 2000، عندما تعرض لانتقادات لسوء التعامل مع كارثة غواصة كورسك، بسبب أن الأمر استغرق عدة أيام حتى يعود بوتين من الإجازة، وما حصل من الكارثة

حدثت أزمة رهائن مسرح موسكو في أكتوبر 2002. ومقتل 130 رهينة في عملية إنقاذ القوات الخاصة خلال الأزمة .

في عام 2003، أجري استفتاء لتبني دستور جديد يعلن أن جمهورية الشيشان جزء من روسيا؛ وخلال الحرب الشيشانية الثانية، أعاقت روسيا بشدة حركة المستقلين الشيشان بالاستقلال.

 وقعت أزمة رهائن مدرسة بسلان في 2004؛ مات أكثر من 330 شخصًا، من بينهم 186 طفلًا.

الملاحقة الجنائية لأغنى رجل في روسيا، رئيس شركة النفط والغاز يوكوس ميخائيل خودوركوفسكي، بتهمة الاحتيال والتهرب الضريبي، بمثابة انتقام لتبرعات خودوركوفسكي لكل من المعارضين الليبراليين والشيوعيين للكرملين، و ألقي القبض على خودوركوفسكي، وأُعلن إفلاس شركة يوكوس، وبيعت أصول الشركة بالمزاد بأقل من قيمتها السوقية،

في عام 2007، نظمت «مسيرة المنشقين» من قبل جماعة المعارضة روسيا بقيادة بطل الشطرنج السابق غاري كاسباروف والزعيم البلشفي الوطني إدوارد ليمونوف، وقوبلت المظاهرات بقمع الشرطة، والتي تضمنت التدخل في سفر المتظاهرين واعتقال ما يصل إلى 150 شخصًا حاولوا اختراق خطوط الشرطة.

في 2007، حل بوتين الحكومة بناءً على طلب رئيس الوزراء ميخائيل فرادكوف. وعلق فرادكوف قائلاً إن ذلك كان لإعطاء الرئيس «حرية التصرف» في التحضير للانتخابات البرلمانية.

بعد الانتخابات البرلمانية في 4 ديسمبر 2011، شارك عشرات الآلاف من الروس في احتجاجات ضد التزوير الانتخابي ، وانتقد المتظاهرون بوتين وحزب روسيا الموحدة وطالبوا بإلغاء نتائج الانتخابات

في 4 اذار 2012، فاز بوتين بالانتخابات الرئاسية  في الجولة الأولى، بنسبة 63.6٪ من الأصوات، على الرغم من الاتهامات الواسعة بتزوير

حدثت الاحتجاجات المناهضة لبوتين أثناء الحملة الرئاسية وبعدها مباشرة. تجمع ما يقدر بنحو 8000-20000 متظاهر في موسكو ،  عندها أصيب ثمانون شخصًا بجروح في مواجهات مع الشرطة  وتم اعتقال 450، وتم اعتقال 120 آخرين في اليوم .

في سبتمبر 2019، تدخلت إدارة بوتين في نتائج الانتخابات الإقليمية في روسيا وتلاعبت بها من خلال القضاء على جميع المرشحين في المعارضة. الحدث الذي كان يهدف إلى المساهمة في انتصار الحزب الحاكم، روسيا الموحدة، الذي ساهم أيضًا في التحريض على الاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بالديمقراطية، مما أدى إلى اعتقالات واسعة النطاق وحالات عنف الشرطة.

في عام 2014، قامت روسيا بعدة عمليات توغل عسكرية في الأراضي الأوكرانية. بعد احتجاجات الميدان الأوروبي وسقوط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، سيطر جنود روس بدون شارات على المواقع الاستراتيجية والبنية التحتية داخل إقليم القرم الأوكراني. ثم ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول بعد استفتاء صوّت فيه، للانضمام إلى الاتحاد الروسي، في وقت لاحق، تصاعدت المظاهرات ضد الإجراءات التشريعية الأوكرانية رادا من قبل الجماعات الموالية لروسيا في منطقة دونباس في أوكرانيا إلى نزاع مسلح بين الحكومة الأوكرانية والقوات الانفصالية المدعومة من روسيا لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبية المعلنة من جانب روسيافي 2014 عبرت مركبات عسكرية روسية الحدود واعتبرت السلطات الأوكرانية توغل الجيش الروسي مسؤولاً عن هزيمة القوات الأوكرانية.

العلاقات الدولية

ـ وعلى صعيد العلاقات الدولية، انتقد الرئيس بوتين سياسة الولايات المتحدة الأميركية وعبّر عن معارضته لاستقلال كوسوفو عن صربيا واعتبره غير شرعي.

عارض بوتين التدخل الغربي في ليبيا، وساند بقوة نظام الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الثورة الشعبية ضد نظام حكمه، في 30 سبتمبر 2015، أذن الرئيس بوتين بالتدخل العسكري الروسي في الحرب الأهلية السورية،  تألفت الأنشطة العسكرية الروسية من الضربات الجوية وضربات صواريخ كروز واستخدام مستشاري الخطوط الأمامية والقوات الخاصة الروسية ضد المعارضة.

ـ يرى بوتين، أن العالم الغربي له زعيم واحد هو الولايات المتحدة الأميركية، وهو خطرا وعدوا لا يمكن تجاهله. ويؤمن بوتين بأن تمدد الاتحاد الأوروبي بمثابة خطوة عدائية أخرى من الغرب.

في يناير 2017، أعرب تقييم لمجتمع الاستخبارات الأمريكية عن ثقته العالية في أن بوتين أمر شخصيًا بشن حملة، في البداية لتشويه سمعة هيلاري كلينتون والإضرار بفرصها الانتخابية ورئاستها المحتملة، ثم طور لاحقًا «تفضيلًا واضحًا» لدونالد ترامب. 

2022-2021 الغزو الروسي الأوكراني

في أعقاب ثورة الكرامة الموالية للغرب في أوكرانيا في عام 2014، استولى بوتين على المناطق الشرقية من البلاد وضم شبه جزيرة القرم. في فبراير 2022، شن حربًا للسيطرة على ما تبقى من البلاد والإطاحة بالحكومة المنتخبة بحجة أنها كانت تدار من قبل «النازيين». أدى غزو أوكرانيا إلى إدانة عالمية لبوتين، وفرض عقوبات واسعة النطاق على الاتحاد الروسي.

منذ عام 2003، عندما عارضت روسيا بشدة الولايات المتحدة عندما شنت حرب العراق، أصبح بوتين أكثر بعدًا عن الغرب، وتدهورت العلاقات بشكل مطرد.

قال ميخائيل كاسيانوف، الذي شغل منصب أول رئيس وزراء في عهد فلاديمير بوتين بين عامي 2000 و2004، يعتبر أن الرئيس الروسي "لم يكن يفكر بطريقة صحيحة" عندما شن العملية في أوكرانيا

وفي مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، توقّع كاسيانوف الذي كان رئيساً للحكومة الروسية بين عامَي 2000 و2004، أن تستمر الحرب في أوكرانيا ، وبوتين، وهو عميل سابق في الاستخبارات السوفياتية ، تمكن على مدار العشرين عاماً الماضية من بناء "نظام قائم على الإفلات من العقاب والترهيب".

وأضاف: "هذا ما حققه نظام بدأ، بتشجيع من بوتين كرئيس للبلاد، العمل بطريقة أقسى وأكثر وحشية مما كان عليه في المراحل الأخيرة من الاتحاد السوفياتي". و أوضح قائلاً "إنه نظام يذكر بنظام الاستخبارات السوفياتية القائم على انعدام القانون. من الواضح أنهم لا يتوقعون أي عقاب". ووقُتل حليفه المقرب وزميله السياسي المعارض بوريس نيمتسوف بالرصاص قرب الكرملين عام 2015. وكذلك، تعرض المعارض الأشرس لبوتين أليكسي نافالني (46 عاماً) لمحاولة التسميم بغاز نوفيتشوك عام 2020 وهو الآن يقبع وراء القضبان. وتابع كاسيانوف أنه تعرض للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولم يحترمه أثناء زيارته لروسيا.

الخلاصة :

هذا الرئيس لا يفكر وفق الطريقة التقليدية في العلاقات الدبلوماسية  العلمية ولا حتى بالقيادة الديمقراطية للداخل ، أولوياته الاستمرار في السلطة والانفراد بالقرار فلذلك يمكن أن يقوم بالمؤامرات الداخلية والحرب الخارجية لاشغال المواطن الروسي عن سياسته الداخلية والبقاء في السلطة .

وعند قيام أي حدث يجب الاخذ بعين الاعتبار هو وراء هذا الحدث ويجب معرفة أهدافه .

والتمرد الأخير لطباخه (يفغيني بريغوجين ) دليل ذلك .

فكيف لقوات عسكرية محملة على الناقلات العسكرية والتي لا تزيد سرعتها عن 50 كم في الساعة أن تقطع 200 كم ولا تتعرض لقصف جوي أو صدام بري كما قال قائد التمرد ؟

وكيف تحل قضية التمرد بسرعة ولصالح المتمردين إذا لم يكمن هناك اتفاق مسبق مع بوتين ؟

 

المصدر : الجزيرة + الفرنسية + الصحافة الروسية- مشاهدات

لقاء تلفزيوني مع بوتين

محمد اللكود

الاثنين، 19 يونيو 2023

التضحية من أجل من لا يستحق التضحية

 

انثى من بركان

يقال أنه كان هناك ملك وسيم للغاية كان يبحث عن زوجة في قصره فلم يجد ، حتى مرت به أجمل نساء المملكة ؛ عرضوا عليه الكثير من فتيات بالإضافة إلى جمالهن وسحرهن ، لديهن ثروات كثيرة ، لكن لا احد ترضيه لدرجة أن تصبح ملكته.

ذات يوم أتت امرأة متسولة إلى القصر و قالت للملك: "ليس لدي أي شيء أقدمه لك ، يمكنني فقط أن أمنحك الحب الكبير الذي أشعر به تجاهك": "إذا سمحت لي ، يمكنني أن أفعل شيئا لأظهر لك هذا الحب". أثار هذا فضول الملك الذي طلب منها أن تقول ما يمكنها فعله. قالت سأقضي 100 يوم في شرفتك ، دون أن أكل أو أشرب أي شيء الا ما يسد الرمق، وأتعرض للمطر  والهواء والشمس وبرودة الليل. إذا استطعت تحمل هذه المئة يوم ، فستجعلني زوجتك".

كانت المفاجأة  للملك ، لكنه قبل التحدي وقال : أقبل بذلك .

(إذا استطاعت المرأة أن تفعل لي كل ذلك فهى تستحق أن تكون زوجتي)

بدأت المرأة  تضحيتها. والأيام تمر، وتحملت المرأة  بشجاعة أسوأ العواصف شعرت في كثير من الأحيان أنها سيغمى عليها من الجوع والبرد، لكن تخيل نفسها بجانب حبها الكبير شجعها ذلك على الاستمرار.

من وقت لآخر، كان الملك  يخرج وجهه من نافذة غرفته ، ليرأها ويومنها بإبهامه بإشارة تعجب ...

مر الوقت ، 20 يوما 50 يوما 90 يوما ... ، كان شعب المملكة سعيدًا لأنهم اعتقدوا : سيكون لديهم أخيرًا ملكة! ...

واستمر الملك في نظر من نافذته من وقت لآخر لينظر للمرأة  الذي لا يصدق إصرارها "

أخيرا وصلت ال 99 يوم وبدأ جميع الناس يتجمعون على مشارف القصر ليروا اللحظة التي ستصبح فيها تلك المتسولة زوجة الملك. كانوا يعدون الساعات ، الساعة 12 ظهرا في ذلك اليوم ، سيكون لديهم ملكة. كانت المرأة  المسكينة صحتها متدهورة للغاية ؛ لقد أصبحت ضعيفة جدا.

ثم حدث أن استسلمت المرأة  .. الشجاعة في الساعة 11 صباحا في يوم ال 100 وقررت الانسحاب من ذلك القصر. نظرت إلى الملك المتفاجئ  ... بنظرة حزينة دون أن تقول كلمة.

صدمت الناس! لا أحد يستطيع أن يفهم لماذا استسلمت تلك المرأة الشجاعة قبل ساعة واحدة فقط من رؤية أحلامها تتحقق. لقد تحملت الكثير !

عندما عادت إلى المنزل سألها والدها: لماذا تخلت عن حلمها في أن تصبح الملكة؟

أجابت كنت في شرفته 99 يوما و 23 ساعة ، تحملت كل أنواع المصائب ولم يستطع تحريري من تلك التضحية. لقد رأني أعاني وشجعني فقط على الاستمرار ، دون إظهار القليل من الرحمة في وجه معاناتي. انتظرت طوال هذا الوقت او حتى تلميحا من اللطف والاحترام لم يأت أبدا. ثم فهمت مثل هذا الشخص الأناني المتهور والأعمى ، الذي لا يفكر إلا في نفسه ، لا يستحق حبي العظيم له.

 العبرة : لا تفعل المستحيل من اجل ارضاء شخص لا يبذل من اجلك حتى ما هو ممكن..

الأحد، 18 يونيو 2023

الخطاب السياسي الديني مع الحراك الثوري

 

الخطاب الإسلامي في الثورة ودور الإسلام السني في بناء الدولة

دور الإسلام السني بنظرة اجنبية

يمكن للقادة الدينيين ومؤسساتهم أن يلعبوا دوراً مهماً في عملية بناء الدولة، بشرعيتهم، ومستوياتهم العالية من الثقة، وغالباً بمواردهم المادية  والبشرية الواسعة، فيمكن للمؤسسات الدينية أن تكون إما حلفاء أقوياء أو أعداء أشداء للجهود الدولية لإعادة بناء الدول، وتُحدد قدرة المؤسسات الإسلامية السنية على الإسهام في الاستقرار عبر مشاركتها في الفصل بين الخلافات، وبناء رأسمال اجتماعي ونشر قيم مدنية. وحل الخلافات.

أن العدد الكبير من رجال الدين وشعبيتهم الواسعة بالإضافة لوجود شبكة كبيرة من المؤسسات التعليمية يجعل منهم قوة جبارة لنشر القيم المدنية، إلا أن المساهمات الدينية في الاستقرار من المرجح أن تكون منخفضة أو متوسطة، وبصورة عامة، قد يشير هذا إلى أن المؤسسات الدينية قادرة على الإسهام في بناء الدولة، لكن فقط عبر آليات محددة وبصورة أكثر قوة بوصفها مصادر لتشريع سلطة ونشر القيم المدنية.

وحتى حين نفهم العمليات التي يمكن من خلالها للمؤسسات الدينية الإسهام في بناء الدولة يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت ستقوم بذلك، يفترض الرأي الشائع أن المؤسسات الدينية تطمح لذات الأهداف التي ينشدها الفاعلون الدوليون-السلام والازدهار في المقام الأول- وهو موقف قاد إلى احتواء الدين للوفاء بأهداف عابرة لمنظمة دولية أو عسكرية أجنبية. بدلاً من ذلك، ينبغي أن يتضمن أي جهد للتعامل مع المؤسسات الدينية في جهود بناء الدولة فهماً للكيفية التي يمكن بها للدولة أن تساعد في تحقيق ما يعتبرونه إرادة الله. وبعبارة أخرى، ما هو الغرض الذي تخدمه الدولة في أصول الدين؟ وأخذ هذا السؤال بعين الاعتبار هو الخطوة التالية المطلوبة قبل أن ينظر الفاعلون الدوليون في التعامل مع المؤسسات السنية.
دور الإسلام السني بنظرة واقعية علمية المجلس الإسلامي

ولدت فكرة تأسيس المجلس الإسلامي السوري اثناء لقاء دوري مع علماء دمشق وبعض المحافظات الأخرى قبل خروجنا بسنوات، رحب جميع العلماء بفكرة التعاون، حيث التقت أربعون رابطة ومنظمة وهيئة علمية وهيئة شرعية على إقامة هذا المجلس واجتمعت على فكرة واحدة ونظام داخلي واحد، وانتخاب أعضاء المجلس الإسلامي السوري الذي يضم نخبة علماء الأمة.

الهدف من المجلس الاسلامي هو تكوين مرجعية شرعية دينية علمية للشعب السوري ولأهل السنة والجماعة من كافة الشرائح، فنحن لا نعمل بالسياسة أو العسكرة، بل بضرورة التواصل مع جميع مكونات الثورة لجمعها على كلمة واحدة وهدف واحد مهما اختلفت الرؤى والأفكار والتوجهات ومواقف الأحزاب .

بعض الدول الغربية تقدم لبعض الفصائل ببعض الأسلحة، فهذه الدول لا تمدهم بهذه الأسلحة لإسقاط النظام، وإنما لتتوازن القوى بينهم وبين النظام لإطالة حتى يذبح من المسلمين أكثر ما يمكن أن يتصور.

 

الخطاب الديني لشيوخ السلطة

عمل النظام على تحييد المؤسسة الدينية في البلاد منذ عام 1963، تاريخ استلام  حزب "البعث" السلطة  عام  1970 حين استلم حافظ الأسد السلطة، وهو يعرف أنه ما كان ليستمر لولا مباركة هذه المؤسسة، التي كان يقودها الشيخ أحمد كفتارو الذي نسج مع مشايخ آخرين خيوط علاقة متينة مع الأسد منحتهم امتيازات جمّة مقابل الولاء وتهدئة الشارع طيلة حكمه،

وغضّت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، الطرف عن بروز تيار ديني يُوصف بـ"النخبوي"، انتشر بين نساء الطبقة الغنية في دمشق تحت إشراف المفتي العام حينذاك أحمد كفتارو، عُرف بـ"القبيسيات"، نسبة إلى مؤسسة هذا التيار النسائي منيرة القبيسي،

في بداية الثورة السورية في 2011 "عمل الأسد على استرضاء المؤسسة الدينية، حيث تراجع عن قرار فصل المنقبات، مع الاعتراف بالشهادات التي تصدرها المعاهد الدينية. كما استعان بالمؤسسة الدينية لتطويق الحراك الثوري".

وكان معظم رجال الدين التابعين لوزارة الأوقاف ومفتي الجمهورية أصدروا فتاوى ضد الخروج على رئيس النظام، وكان من أبرزهم الشيخ رمضان البوطي والمفتي بدر الدين حسون.

أشاد بشار الأسد بالدور الذي لعبته المؤسسة الدينية في سورية، كرديف إلى جانب قواته في حربها على الشعب السوري، مضيفاً أن "الجيش يحارب الإرهاب" و"المؤسسة الدينية تحارب الفتنة".

في أسباب الحضور الباهت للتدين الدعوي في الثورة السورية

1-   يتبنى التدين الدعوي في سورية في غالبيته وبتوجهاته المختلفة المعارض المؤيد والمحايد، إلى أن مشكلة السوريين تكمن في ابتعادهم عن الشريعة الإسلامية وهم بذلك يلغون السياسة بوصفها عاملا أساسي في تكوين الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتربوية للناس .

2-   النظام اكبر المستفيدين من هذا التدين الذي دأب على تغريب السوريين عن السياسة لصالح جعل السوري يعتقد أن أوضاعه الدينية والنفسية والأخلاقية هي سبب المشكلات كلها ومفتاح الحلول لها،

3-   يردد غالبية وجهاء التدين الدعوي أن الحل بالعودة إلى الإسلام وتعاليمه، ويتجاهلون أن تطبيق تعاليم الدين الإسلامي الإنسانية موجودة في الغرب». والمقصود هنا العدالة والمساواة والحقوق، وهى تحتاج إلى نظام سياسي يطبقها، لأن علة تنظيم المجتمع في الغرب وعدالته هو النظام السياسي، وليس مدى التزام الغربيين بتعاليم الأديان.

4-   نشر قيم الإسلام الإنسانية بحاجة نظام حكم ديمقراطي يؤمن بالعدالة والمساواة، ومسألة تأخر المسلمين مسألة سياسية، وليست مسألة دينية، والسوريون مسلمون في غالبيتهم، ويذهب المتصوفة أن السوريين العاديين بحاجة إلى الدعاة  والمتصوفة، لأن هؤلاء بمفردهم لا يعرفون كيف يفسرون الآيات الكريمة ولا كيف يطبقون احكام الشريعة الإسلامية،

5-   ولا يحمل الدعاة والمشايخ أي مسؤوليات تجاه أوضاع السوريين، لأنه يحمل السوريين أوزار كل ما يحصل لهم، خطاب يشبه في جوهره خطاب النظام من حيث إنه خطاب يبرئ نفسه من أوضاع السوريين وأزماتهم، لأن الثورة وكامل أوضاع السوريين مسألة دينية ناتجة عن عدم التزام الناس بالشريعة الإسلامية وتراجعهم الأخلاقي، وبذلك يخرجون السياسة من المعادلات.

6-   ينتمي الدعاة والمتصوفة إلى أيديولوجية دينية. تشابه الأيديولوجية القومية من حيث أنها لا تتهاون مع المستعمر والعدو الخارجي ولكنها تتهاون بالمقابل مع النظم الطاغية. وهذا الوضع الصعب والمتوتر، وضحته تفسيرات الدعاة المؤيدين للنظام (ابتلاء)

7-   دعوات الناس لفعل الخير وبر الوالدين والالتزام بالشريعة الإسلامية ونبذ التحاسد والغيرة والبخل والتعصب أمور لا تخيف النظام ولا أي طاغية عربي ولن تخيفه لأنها مجرد دعوات أخلاقية ونصائح، ما يخافه النظام هو تحول المواعظ إلى أفعال عبر أليات معينة. أي تحول الأمر إلى عمل سياسي إنهم بكل بساطة يفكرون بالقضية السورية من حيث هي مشكلة غير قابلة للحل البشري.

8-   سلطة بعض رجالات الإسلام في سورية مزيفة ويمكن وصفهم بأنهم ضمن النسق السياسي المهيمن على سورية. ولكنهم فئة مهيمن عليها ضمن هذا النسق، أنهم يشكلون في النهاية فئة مأمورة، أو تابعة، ولسلطتها سقف واضح لا يمكن لها أن تتجاورة.

9-   أن اغلب الدعاة لا يؤمنون بالحربات والديمقراطية (الأهداف العريضة للثورة السورية). لأنها قضايا مستجلبة من الغرب الذي يريد الهيمنة على بلاد المسلمين وهذا ما يجمعهم مع النظام خاصة إذا طالب هؤلاء بحرياتهم وكامل حقوقهم وفق النموذج الغربي

10-         بعض رجالات الإسلام الدعوى في سورية مطالبون بإعادة حساباتهم بشكل جذري وتشجيع الناس على طلب حقوقهم من الحكام ولو بالقوة. ونبذ الفتاوى التي تنافق للأنظمة. وتكوين نظرية جديدة للسياسة وعلاقة الدين بها ورفع الوصاية الدينية على السياسة، وإلا سيظلون يخدمون النظام السوري من حيث يدرون أو لا يدرون.

للتوسع بمعرفة الأفكار جميعها ادخل الى رابط الموضوع  https://kenanaonline.com/users/lkoud/downloads/125146

 

انتهى بتوفيق من الله

         الخطاب السياسي في سورية محمد اللكود

الأربعاء، 14 يونيو 2023

شعوب هجرها الاتحاد السوفيتي السابق

 

شعوب هجَّرتها روسيا عبر التاريخ.. تهجير الشركس الأديغة

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2022/02/chechens_aukhyurt_1957_zvryni4-width-800.jpgشهد شمال القوقاز بين عامي 1763 و1864، حرباً استمرت 101 عام بين روسيا القيصريّة والشركس الأديغة، وصنفت تلك الحرب باعتبارها من أكثر الحروب دموية على مر التاريخ وأطولها، ويعدُّ الشركس من شعوب بلاد القوقاز الأصليّة، وهم أحد أقدم الشعوب التي دخلت الإسلام في أوروبا.

اندلعت هذه الحرب للعديد من الأسباب، أولها أن سكان شمال القوقاز من المسلمين، وثانيها هو أهمية موقع القوقاز، الذي يعتبر صلة وصل بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وكونه طريقاً تجارياً آمناً بين الهند والصين إلى أوروبا، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المميز، إذ تنتشر في القوقاز الغابات والسهول، وتساعد الأمطار الوفيرة على زراعة المحاصيل على أنواعها، فضلاً عن الثروات الباطنية من البترول والغاز.

أصبحت سياسة روسيا القيصرية أكثر صرامة تجاه سكان شمال القوقاز المسلمين في القرن التاسع عشر، وتحولت مع مرور الوقت إلى حرب ضد شعب هذه المنطقة، راح ضحيتها أكثر من 500 ألف قتيل من الشركس، عندما أوقف العثمانيون والإنجليز دعمهم عن الشركس، بدأوا بخسارة أراضيهم لصالح روسيا القيصرية بعد صمودٍ دامَ أكثر من 100 عام، كما بدأ الروس بتهجير الشركس الأديغيا باتجاه الدولة العثمانية على متن قوارب متهالكة تسببت بوفاة كثيرين في البحر الأسود.

في معركة وادي كبادا في سوتشي يوم 21 مايو/أيار 1864  تعتبر آخر معركة بين الشركس والروس والتي أعلن بنهايتها سيطرة روسيا على مناطق الشركس بالكامل، وتحوّل هذا التاريخ إلى يوم الإعلان عن بداية مرحلة جديدة بالنسبة للشركس الأديغة المسلمين وبات يسمى بـ"يوم الحزن الشركسي" أو "يوم الحداد".

وعندما وصل المهجَّرون باتجاه الدولة العثمانية، بدأت الأخيرة بتوزيعهم على مناطق سيطرتها في الأردن التي كانت المحطةَ الأساسية لهم في بلاد الشام ومن ثم سوريا ولبنان وفلسطين، ونحو 90% من الشركس تم تهجيرهم بعد الحرب، ومعظمهم لا يزالون يعيشون في الدول التي هُجِّروا إليها، كما لا تزال روسيا حتى يومنا هذا ترفض الاعتراف بإبادة الشركس وتهجيرهم.

تهجير الشيشان والأنغوش

في الـ23 من فبراير/شباط 1944، جاءت دعوة من الشرطة السريّة السوفييتية إلى كبار رجالات قبائل الشيشان والأنغوش؛ من أجل حضور احتفالات يوم الجيش الأحمر.

توجه الرجال إلى مكان الحفل، لكنهم فوجئوا بوجود كثير من الجنود السوفييت يحملون رشاشات آلية ويقفون أمامهم، الاحتفالات كانت مجرد خدعة لإفراغ القرى من الرجال الكبار أصحاب الكلمة العليا هناك.

تمّ حصار الرجال ونزع أسلحتهم، ومن ثم وقف أحد الجنود وقرأ عليهم مرسوماً خاصاً من جوزيف ستالين يأمرهم بالخروج القسري من مناطقهم.

في الأثناء، اجتاحت القوات الروسيّة القرى الشيشانية والأنغوشية وأفرغتها من جميع سكانها ولم تمهلهم أكثر من 30 دقيقة من أجل تجميع متاعهم، ومن ثمّ أودعتهم في شاحنات القطارات وأرسلتهم جميعاً باتجاه المنفى في جمهوريات آسيا الوسطى وأقصى شرقي سيبيريا، رغم أن الشيشان والأنغوش لم يكونا شعباً واحداً، لكن الديانة الإسلامية التي يؤمنان بها كانت كافية للسوفييت لإخراجهما معاً.

بعد أن انتشر الشيشان في مناطق المنفى تمت تسميتهم بـ"مستوطنين خاصين" وهو أحد المصطلحات السوفييتية التي تشير إلى فئة معينة من الناس تمّ ترحيلها قسراً من أراضيها الأصلية، لأغراض اقتصادية أو عرقية أو دينية، وهم محرومون من أي حقوق دستورية أو جماعية.

وفي عام 1934، قامت الحكومة السوفييتية بدمج شعبي الشيشان والأنغوش في كيان سياسي إداري واحد سمَّته منطقة الشيشان الأنجوشية المستقلة، التي أصبحت جمهورية اشتراكية سوفييتية مستقلة في عام 1936. استمر النفي 13 عاماً، حتى عام 1957، عندما أبطلت السلطات السوفييتية الجديدة بقيادة خروتشوف العديد من سياسات ستالين، وضمن ذلك ترحيل الأمم.

عاد الشيشان والأنغوش في نهاية المطاف ليشكلوا الأغلبية في البلاد، ومع ذلك لايزال الاثنان يعتبران يوم 23 فبراير/شباط يوم إبادة جماعية بحقهما، وهو ما اعترف به أيضاً البرلمان الأوروبي في 2004.

تهجير تتار القرم

مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.

ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا. حيث تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج، مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى.

ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه "يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية".

تهجير شعب الكالميك

تعود جذور شعب الكالميك إلى آسيا وقبائل المغول الغربيّة التي كانت تربي الماشية، في منتصف القرن السابع عشر، أعطى أمير شابٌّ البيعة للقيصر الروسي واستقروا في سهوب منطقة الفولغا السفلى.

وتعتبر منطقة شعب الكالميك هي الوحيدة في أوروبا التي تعتنق البوذية ديناً على المذهب "التبتية" الذي يُعرف بـ"غيلوغبا".

تعرض نحو 100 ألف من شعب الكالميك لعمليات تهجير قسرية من قِبل الاتحاد السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1943، من أرضهم الواقعة شمال الشيشان باتجاه سيبيريا. إذ تمّ نقلهم في عربات الماشية إلى مستوطنات خاصة؛ للعمل الإجباري في سيبيريا. ورغم أنّ أكثر من 23 ألف كالميكي قاتلوا إلى جانب الجيش الأحمر في الحرب العالمية الثانية، وتوفي ما يقارب 1400 شخص في أثناء نقلهم، أصيب مثلهم بأمراض خطيرة، تم وضع الكالميك المهجرين تحت إدارة المستوطنات الخاصة في سيبيريا للعمل القسري، وعملوا بشكل روتيني 12 ساعة يومياً، حيث استمرت عمليات التهجير القسرية نحو سيبيريا نحو 13 عاماً، ولم يسمح لهم بالعودة إلى أرضهم حتى العام 1957، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبحت كالميكيا إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية.

تهجير البلقار 

على غرار الشيشان والأنغوش والكالميك هجّرت السلطات السوفييتية أيضاً كامل شعب البلقار الذي يقطن في شمال غربي القوقاز إلى آسيا الوسطى في عام 1944، والبالغ عددهم 37713 شخصاً، من قراهم خلال يوم واحد، وتمّ في يوم 8 مارس/آذار باتجاه جمهوريتي كازاخستان وقرغيزستان السوفيتيين.

البلقار هم شعبٌ تركي يقطن شمال غربي القوقاز، وهم من السكان الأصليين لجمهورية قبردينو-بلقاريا، ويعتبرون شعباً واحداً مع سكان جمهورية قراتشاي تشيركيسيا المجاورة ويتحدثان اللغة ذاتها.

الشيخ شامل الداغستاني

الشيخ شامل الداغستاني أو الإمام شامل، الرجل الذي كان كابوس الإمبراطورية الروسية طيلة ربع قرن.

تقع داغستان فيما يسمّى بالقوقاز الشمالي بين بحري قزوين والبحر الأسود. كانت هذه المنطقة دائماً موطناً للحروب والصراعات بين الدول الكبرى، فمن ناحية الدولة العثمانية ومن ناحيةٍ أخرى دول وسط آسيا وفي الشمال روسيا القيصريّة.

من يسيطر على داغستان يصبح الطريق أمامه مفتوحاً للسيطرة في سواحل البحر الأسود وكذلك في سواحل بحر قزوين، ومن بحر قزوين ينطلق من يريد للسيطرة على آسيا الوسطى، والتي لها أهمية جيو-استراتيجية عالية جداً باعتبار وقوع طرق التجارة الرئيسية بين آسيا وأوروبا خلالها.

https://arabicpost.net/wp-content/uploads/2020/09/shamil_imam_of_chechenia_and_dagestan.jpgيعرف هذا الرجل بألقاب مثل: "أسد القفقاس" و "صقر الجبال" وهما ليسا لقبين مجازيّين وفقط، بل لقبان لهما أصولهما. فهذا الرجل بتكتيكاته العسكريّة المتقنة استطاع تكبيد الإمبراطورية الروسية خسائر هائلة.

ولد الشيخ شامل الداغستاني عام 1796 في إحدى قرى داغستان. كان وهو صغير كثير المرض وتوقعت عائلته موته، وحسب العادات فقد تمّت تسميته باسمٍ آخر لتبتعد عنه الأمراض، فأصبح اسمه محمد شامل..

درس اللغة العربيّة والفلسفة والفقه والأدب العربي، وهكذا كانت اللغة العربيّة لاحقاً لغته في المراسلات الرسميّة.

دخل الإسلام إلى منطقة داغستان والشيشان من خلال الطرق الصوفيّة، ولهذا فقد كان تاثُّرهم بالشكل الصوفي للإسلام كبيراً، وهكذا تعلّم شامل في الطريقة النقشبنديّة الصوفيّة مع رفيقه الإمام غازي محمد الغيمراوي، الذين قادان معاً مقاومة مسلّحةً مفتوحة مع احد أقوى جيوش العالم في تلك الفترة، من خلال مريدي الطريقة النقشبندية ومن انضمّ لهم من القبائل التي رفضت السيطرة الروسية.

في عام 1832، سقط الملا غازي شهيداً في معركةٍ عنيفة في مواجهته مع الروس، ولم ينجُ من جيشه القليل سوى شخصين، كان أحدهما الشيخ شامل الذي جرح بشدّة ولكنّه استطاع الهرب.

فكان على الإمام شامل أن يلملم جراحه سريعاً، فبعدما قتل رفيق دربه وصديقه المقرّب عليه أن يكمل الرحلة وحده الآن، وبعد سنتين من مقتل الإمام غازي أصبح الإمام شامل إماماً وقائداً لحركة المقاومة. كان جيشه يتكوّن بالأساس من المريدين في الطريقة النقشبنديّة، إضافةً إلى رجال القبائل الذين انضموا له لمقاومة الروس.

تمتّع الشيخ شامل الداغستاني بنظرة ثاقبة ومهارات إدارية عالية، إضافةً لقدرةٍ عسكرية استثنائيّة. فبدأ ترتيب البيت الداخلي، وطبّق نظاماً صارماً قوامه التمسُّك بالإسلام وتوحيد جبهة المقاومة. كانت بلاده من عرقيات مختلفة (حوالي 30 عرقيّة و40 لغة) وقد اعتبر الإمام شامل أنّ الشيء الوحيد الذي سيوحدهم في مواجهة الغزو الروسي هو الإسلام.

قسّم جيشه إلى فرق، كان جيشه حوالي 60 ألفاً. قسّم الفرق على كامل البلاد، وقسمت البلاد إلى 32 ناحية "محافظة" وعيّن على كلٍ منها نائباً عنه ومفتياً وأربع قضاة. وبهذا أصبح جيشه يتحرّك: لا مركزياً تجاه قوّات روسيا القيصرية.

بدأت قيادة الشيخ شامل للمقاومة عام 1834، واستمرّت طيلة ربع قرن حتّى 1859. استمرّت المقاومة سنين طويلة، وكان الجيش الروسي يرتكب العديد من المجازر تجاه المدنيين والقبائل، ما أنهك هذه القبائل، بل إنّ بعض أمراء القبائل رأوا أنّ الأنسب من مقاومة الروس هو التصالح معهم، والتوصُّل معهم لاتفاق.

خاف قادة القبائل من مواجهة الشيخ شامل بهذا الاقتراح، فقد كانوا يعرفون جميعاً العقاب. فقرروا التقرُّب لأمّه ومحاولة استمالتها لتعرض عليه هذا الاقتراح. وقد كان، قرّرت أمه أن تفاتحه في التوصُّل لاتفاقٍ مع الروس. تكشّفت له خيوط المؤامرة شيئاً فشيئاً، فجمع مريديه وأخبرهم: هناك مؤامرة للتعاون مع الروس. وأمِّي ضالعةٌ فيها!

تغيّب الشيخ شامل عدة أيام، اعتكف في المسجد للصلاة والدعاء ليرشده الله إلى الحكم الصواب. لو عاقب الأمراء وأعدمهم سيخسر كثيراً من شعبيته. صحيح أنّ هذه القبائل التي تعيش في جبال الشيشان وداغستان قبائل مسلمة، لكنّها لم تتخلّص من عادة أخذ الثأر والانتقام. ومن ناحيةٍ أخرى لو ترك الأمر يمرُّ دون عقاب فستتزعزع صورة المقاومة أمام الناس.

بعد ثلاثة أيامٍ من الاعتكاف، خرج الشيخ شامل إلى الناس معلناً حكمه: تُجلد والدته مائة جلد! دهش الجميع، فأمر أحد أتابعه بتنفيذ الحُكم، وبعد 5 جلدات طلب منه التوقّف قائلاً: سأتحمّل أنا بقيّة الجلدات، وطلب من الجندي جلده 95 جلدة. وهكذا استطاع أن يحافظ على وحدة القبائل دون أن يجعل الموقف يمرّ دون عقاب.

كانت معارك الشيخ شامل تنتهج ما يعرف في العلوم العسكرية بـ"حرب العصابات"، وكانت هذه الطريقة مناسبة جداً للتعامل مع الجيش الروسي الضخم.

في واحدةٍ من المعارك عام 1835، أرسل القيصر الروسي قوةً ضخمة قوامها 30 ألف جندي للقضاء على الإمام شامل. عندما وصلوا للقرية التي يتحصن فيها الشيخ شامل وسط الأدغال، وهجموا وجدوا مقاومةً بسيطة، فانتصروا بسهولة.

أثناء رجوعهم منتشين بنصرهم كان جيش الشيخ شامل ينتظرهم في كمينٍ محكم وسط الغابات، قتل من الروس في تلك المعركة 25 ألف جندي من أصل 30 ألفاً. وهكذا كانت طبيعة وشكل معارك الشيخ شامل الداغستاني طيلة ربع قرن.

استطاع أن يستحوذ على 4 مدافع روسيّة ضخمة، واستخدمها ضدّ الجيش الروسي، وبعد فترة أصبح لديه منها 12 مدفعاً. وفي معركةٍ أخرى، أرسل القيصر ولي عهده مع كبار قادته في حملةٍ على الإمام شامل، في إحدى المرات حاصروا بلدةً صغيرة. وكانت خطة تلك القرية كالتالي: غطوا أبواب بيوتهم ونوافذهم بالطين، وغيروا سقف منازلهم لتصبح أسقفاً خفيفةً ورخوة، وعندما وصل الروس بدؤوا بالقفز على أسطح المنازل، وبدأت الأسطح تنهار بهم ليتلقفهم مريدو الشيخ شامل.

هُزمت روسيا القيصرية في حرب القرم مع الدولة العثمانية التي تلقت حينها دعماً أوروبياً قوياً، سجلت الهزيمة عام 1856، وأمام هذه الهزيمة الكبيرة كان قادة الجيش الروسي يحتاجون أن ينتصروا في معركةٍ تعيد لهم هيبتهم، وهكذا في عام 1859 تحوّل مائتا ألف جندي روسي إلى جبهة الشيخ شامل الداغستاني بقيادة الجنرال الشاب أليكساندر إيفانوفيتش بارياتسكي.

عكف بارياتسكي على دراسة نمط معارك الشيخ شامل، الذي كان حينها في سن 63 عاماً. وهكذا فقد جعل بارياتسكي مهمّة فرقة كاملة من الجيش الروسي: تقطيع الأشجار الضخمة من الغابات، لأنّ تلك الأشجار الضخمة التي يصل طولها أحياناً 100 م، كانت مقرّ مكامن الشيخ شامل ومقاومته.

وهكذا استطاع بارياتسكي أن يوهم الشيخ شامل بهجومٍ من ناحية، بينما هاجمه جيشٌ آخر من ناحيةٍ أخرى بطريقة "الكمّاشة". كان الشيخ شامل في 500 فقط من مجاهديه، أمام 40 ألفاً من الروس، قرّر حينها الشيخ شامل الاستسلام.

استسلم الشيخ شامل بعد ربع قرن من المقاومة، وقد أخذه الروس في رحلةٍ بريةٍ طويلة من بلاده إلى موسكو ليحسِّنوا سمعة الجيش الروسي المهزوم في حرب القرم، فها قد انتصرنا أخيراً على عدونا اللدود الشيخ شامل. وبعدها بعشر سنين في عام 1869 طلب الشيخ شامل مغادرة الأراضي الروسية ليحجّ إلى مكّة، ووافقت السلطات الروسية على طلبه، فوصل إلى إسطنبول ومنها إلى مكّة، ثمّ منها إلى المدينة التي توفي فيها عام 1871 ودفن هناك.

المرجع عربي بوست خير الدين الجابري

الفتاوة في زج المسلمين في الصراع الروسي الاكراني

 

إشكاليات اقتتال المسلمين بدوافع وطنية

الأصل في الإسلام أن القتال يكون بين المسلمين وغيرهم، لا بين المسلمين بعضهم البعض؛ حيث تحرم النصوص قتال المسلم للمسلم، فالنبي ﷺ جعل أكبر الوعيد على تقاتل المسلمين فيما بينهم، ففي الحديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار) مسلم 2888.

وما من حالة يجوز فيها قتال المسلمين بعضهم البعض إلا في حالة البغي، حيث يرفع فريق من المسلمين السلاح ويبغون على جماعة أخرى من المسلمين، فإذا لم تنجح دعوات الإصلاح فإن قتال البغاة يصبح واجباً حتى يرتدع الباغي عن بغيه ويعود إلى رشده، فإذا استقرت الأمور فلا مبرر لاستمرار القتال، قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا  فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ  فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9].

ولكن هذه الحالات تفترض أن هناك "دولة مسلمة" و"جيشاً مؤمناً" ولكن الأمر في الحرب الأوكرانية الروسية مختلف تمام الاختلاف، فما ثمة جيش مسلم ولا دولة مسلمة!

وحدث مثل هذا الاقتتال بين المسلمين  في حرب الخليج الثانية التي اجتمع فيها عدد كبير من قوات الدول الإسلامية تحت إمرة أمريكية وهو ما جعل كثيراً من المسلمين يتحرجون من مسألة الاستعانة بدولة غير مسلمة وقوات غير مسلمة لتحل خلافاً بين المسلمين، وارتكزت الفتاوى الرسمية السعودية حينها على فكرة رفع الظلم ومقاومة الباغي بما هو متاح وممكن، وهي الفتاوى التي مهدت الطريق لوجود عسكري أمريكي مستقر في الجزيرة العربية لم ينتهِ حتى وقتنا الحالي!

إن تحديد الهدف من القتال يعتبر أهم ما ينبغي معرفته لتحديد مدى مشروعية القتال، فقد يكون الانخراط في القتال واجباً إذا كان دفاعاً عن المقدسات والأرواح والأعراض، ويكون إهداراً للأرواح إذا لم يكن له هدف مشروع وواضح ومحدد، والناظر في الحرب الحالية لا يستطيع أن يجد مسوغاً شرعياً لموقف الرئيس الشيشاني وانخراطه في القتال الذي لا يوجد فيه دفع لظلم ولا نصر لمسلم ولا أي مقصد شرعي معتبر!

إشكاليات الدولة والمواطنة، مَن الصديق ومن العدو؟!

يعتبر تحديد المعسكر الذي سيقاتل فيه المسلم أحد أكبر الإشكاليات المعاصرة، حيث ذوبت الدولة الحديثة فكرة الأخوَّة في الدين واستبدلتها بالقومية والوطنية، حيث قد يجد المسلم نفسه مقاتلاً في جيش غير مسلم ولكنه ينتمي إلى جنسيته!

وهنا يقوم الفرد المسلم بتحقيق أهداف غير المسلمين، وهي أهداف لا يمكن بحال من الأحوال أن تتوافق مع مقاصد الإسلام من القتال، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ  إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، ولقد نهى الله تعالى عن موالاة غير المسلمين في مسائل القتال تحديدًا لحساسيتها: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر: 11].

وهذه الإشكالية ظهرت بجلاء عند غزو الولايات المتحدة للعراق 2003 حيث تضاربت الفتاوى حول حكم خدمة المسلمين في الجيش الأمريكي، وهو ما كشف وجود فجوات كبيرة بين التنظير والتطبيق في مجال السياسة الشرعية.

والحقيقة أن موقف مسلمي أوكرانيا طبيعي ومتوافق مع مقاصد الشرع التي توجب الدفاع عن النفس والعرض، فهم في موقع دفاع لحماية أنفسهم، ولكن الزج بمسلمي الشيشان في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل ويقاتلون إلى جوار العدو الذي سحق بلادهم في حربين انتهت آخرهما عام 2009 يعتبر أمراً عجيباً والأعجب أن يتم الزج بهم في هذه الحرب تحت راية دينية وشعارات إسلامية وكأنهم منطلقون إلى تحرير المقدسات!

إن حرباً مثل التي تدور حالياً بين روسيا وأوكرانيا تضع على عاتق العلماء المسلمين والباحثين واجبات توضيح المساحة التي يمكن أن تتدخل فيها السياسة وتعمل عملها وبين المساحة التي تعتبر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تعديها تحت أي ذريعة كانت، كما تضع هذه الأحداث مسؤولية شخصية في عنق كل مسلم ألا يلقي بنفسه في صراع لا يعلم أبعاده ولا تتضح له أهدافه ولا يستطيع أن يفرق فيه بوضوح بين الصديق والعدو، طالما أنه ليس مضطراً لذلك.

جدل كبير وتساؤلات عدة أثارتها الحرب الروسية- الأوكرانية ولا سيما بعد إقحام الجيش الشيشاني المسلم فيها، انقسمت الآراء حول ذلك بين طرف مؤيد مشجع وآخر معارض مخوّن، وفي الحقيقة وراء تلك الآراء تختبئ الكثير من وجهات النظر المحقّة، لكن غالباً ما يتم إظهار المشهد السياسي بدافع العاطفة.

فهناك من يؤيد تدخُّل الجيش الشيشاني؛ لأنه مسلم يغزو دولة غير مسلمة، متناسياً أنه يغزو باسم الدولة الروسية، بينما يقوم الآخر بتخوين هذا الجيش ومحاسبته كما لو أنه مستقل يتخذ قراراته الدولية بنفسه، متناسياً وقوعه تحت الحكم الروسي الغاشم، وموالاة رئيس الجمهورية للقيادة الروسية.