الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة لتحقيق المواطنة وتنمية الهوية الوطنية
أضحى مستقبل الإنسان مرهوناً بتقدم التربية وتطوير مفاهيمها في التعاون والعيش المشترك والإخاء الإنساني والعدالة والحرية واحترام الآخرين واعتماد الحوار سبيلاً للتفاهم وحل المنازعات بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة في خارطة الكون.
وتعليم المهارات الحياتية من الأهداف الرئيسة للتربية المعاصرة، حيث تركز المنظمات الدولية والإقليمية في السنوات الأخيرة، اهتمامها الشديد على "ضرورة تعليم هذه المهارات، وإدماجها في المناهج الدراسية وبرامج تكوين المعلمين" (اليونسكو1996 ، الألكسو 2004). على التربية العربية أن تعد إنساناً يستطيع أن يتكيف مع متطلبات القرن الجديد ، وهذا يتطلب اكتساب مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات وتحمل المسؤولية لهذا يجب تطوير مناهجها وتجديد مضامينها
ومن ضمن هذه المضامين المواطنة والهوية والانتماء والتربية في بعض البلدان وكيف اعتمدت مادة التربية الوطنية بعجالة حتى لا يمل من هذا الموضوع فكيف يتشكل مفهوم الهوية والانتماء والمواطنة والوطنية ؟ وكيف تترسخ هذا المفاهيم في التعليم ؟واولها :
مفهوم الهويّة •
يشير مفهوم الهويّة التقليدي إلى منشأ الفرد ومكان ولادته ، والهويّة في الّلغة مشتقّة من الضّمير (هو) وتعبر عن سماتٍ تميّز شخصاً عن غيره في ثقافته ولغته وعقيدته وحضارته وتاريخه، أو تميّز مجموعة بشرية عن غيرها ، وهى مرتبطة بالخصوصيّة والذّاتيّة ومنسجمة مع معطيات الفكر القانوني والسّياسي، الّذي يستند إلى قانون المواطنة بوصفها معياراً جوهريّاً لتحقيق المساواة بين الأفراد.
ومفهوم الهويّة الفلسفي هو التعبر عن ذات الإنسان ، وكلّ ما يشكّل شخصيّته من مشاعر و أحاسيس وقيم وآراء و مواقف وسلوك؛ أي كل ما يميّزه عن غيره من النّاس ويتطابق هذا المفهوم مع المفهوم العام للهوية.
والهويّة الوطنيّة هي مجموع السّمات المشتركة الّتي تميّز أمةً أو مجتمع أو وطن معيّن عن غيره ، وتترجم روح الانتماء لدى أبنائها وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها،، وهذه الخصائص تشكّل جوهر وجودها وشخصيّتها المتميّزة وكما أنها وعاء الذي يوحد المجموع البشريّ ( المجتمع )حامل نفس الهوية ، وهناك عناصر للهوية الوطنيّة لا بد من توفرها، مثل الموقع الجغرافي المحدد. والتاريخ المشترك والعلم الواحد والحقوق المشتركة، كحق التعليم، وحق التعبير عن الرأي، وحق الحياة بكرامة وعزة ، وحق التملك، وحق العمل، والقيم والعاداتٍ والإرادة المشتركة في الحياة ضمن نطاق الكيان الجغرافي ، وبذلك نجد أن الهوية بالمفهوم الفلسفي أو التقليدي أو الوطني تعبر عن سمات مشتركة موجودة بالفرد ومستمدة من الخصائص المشتركة في المجتمع الذي يشكل الوطن أو الأمة.
بدأت الهويّة العربية في التشكّل دستوريَاً منذ كتابة صحيفة النّبي محمد (صلّى الله عليه وسلّم) بعد هجرته من مكة إلى يثرب، حيث انطلقت الهوية العربية من مبدأ التغيّر في خصائص المجتمع مع الإبقاء على الثّوابت، ولذلك شاركت الهويّة العربيّة في منظومة الإنتاج الحضاري لأنها خلاقة، وبناء التّراث العالمي لأنها منفتحة، وبقيت محافظة على ثباتها الإيجابيّ بما تمتاز به من حيوية وإنسانية.. وهذا المفهوم يطابق تشكل الهوية القومية الانساني ، وهى مهدت الى ظهور مفهوم الهوية الإنسانية العالمية.
المواطنة وعلاقته بالانتماء
المواطنة والمواطن مأخوذة في العربية من الوطن أو المنزل مكان إقامة الإنسان وتتميز المواطنة بولاء الفرد لوطنه وخدمته في جميع الأوقات بالتعاون مع المواطنين كلهم لتحقيق الأهداف التي يصبو لها الجميع ، مع الاعتراف المشترك بوجود ثقافات وديانات أو عقائد مختلفة، واحترام حق الغير وحريته مع الاهتمام بالشؤون الدولية ، وهذا المفهوم نقلنا إلى المواطنة العالمية القائمة على وجود مجتمعات ذات ديانات وثقافات وتقاليد ونظم مختلفة ، والمصلحة المشتركة في مجابهة التحديات التي تواجه العالم من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ، أو احتكار تقنيات المعلومات أو التجسس على الأفراد وانتهاك سرية معلوماتهم ، والتدهور البيئي وتهديد السلام. إن ظهور مفهوم المواطنة العالمية لم يلغ المواطنة المحلية بل وضعها ضمن إطار واحد منفتح مع القيم الإنسانية العالمية ،ودعمها لما تتميز به من تواصل بين الأفراد وانفتاح على الإنسانية جمعاء، ولتحقيق هذه المواطنة يجب توفر مجموعة من العناصر مثل الاعتزاز بالهوية، التمتع بالحقوق ومعرفة المسؤوليات والالتزامات والواجبات ، ومشاركة المواطن في الشؤون العامة وقبوله بالقيم الاجتماعية الأساسية في المجتمع
الانتماء : مفهوم نفسي ، اجتماعي ، نتاج للعملية التبادلية بين الأفراد لتكوين مجتمعهم، يبدأ مع الإنسان منذ لحظة ميلاده وينمو مع الفرد إلى أن يصبح انتماءً للمجتمع الكبير الذي يعش فيه ، فوجود المجتمع هام جداً للفرد به يحقق له الحضور بين الآخرين ويكون مصدر فخر واعتزاز له ، ويجعله في حالة توافق متبادل مع بقية أفراد المجتمع، و يشبع حاجاته بما يؤمنه من الشعور بالأمن والقوة والحب ، وكذلك شعور الفرد بمكانته وبالرضا الذي يستمده من انتمائه لجماعته فيجعل الفرد يعتنق مبادئ وقيم الجماعة التي ينتمي إليها ويلتزم بها ويدافع عنها ويضحي في سبيلها.
ينمو الانتماء كقيمة جوهرية في البداية من وعي الفرد لعضويته في الجماعة ، ثم حالة وجدانية معلنه تظهر لحظة تعبير الفرد عنها لفظياً مؤكداً مشاعره تجاه جماعته، ثم ينعكس سلوكاً حين يتخذ الفرد مواقف سلوكية حيال جماعته التي ينتمي إليها، وقد تكون هذه المواقف إيجابية تعبر عن قوة الانتماء ، أو سلبية تعبر عن ضعف الانتماء.
ومن خلال معرفة الانتماء وظهوره لابد لنا أن نتعرف أبعاد الانتماء والتي تتكون من الهوية التي يسعى الانتماء إلى توطيدها، وهي في المقابل دليل على وجوده ، وما سلوكيات الأفراد إلا مؤشرات للتعبير عن الهوية التي رسمها الانتماء.
تعزز الجماعية التعاون والتكافل والتماسك بين الأفراد ، كذلك المحبة والتفاعل بدوره ينمي الرغبة في الاندماج الذي يقوي الانتماء عند الأفراد فيعبرون عنه بالتوحد لتحقيق الهدف العام للجماعة التي ينتمون إليها.
الولاء للجماعة أو الأمة جوهره الالتزام، يدعم الهوية الذاتية ، ويدعو إلى تأييد الفرد لجماعته وهو الأساس القوي الذي يدعم الهوية ، والجماعة مسؤولة عن تأمين كل حاجات أعضائها حتى تضمن الولاء ،ويعبر الفرد عن ولاءه من خلال الالتزام بالنظم والمعايير الاجتماعية لتحقيق الإجماع وتجنب النزاع وهذا بدوره يعتبر من أبعاد الانتماء.
الديمقراطية نظام اجتماعي سياسي وحياة وأساليب التفكير وقيادة، وتشير إلى الممارسات التي يقوم بها الأفراد ليعبروا عن تقديرهم لذاتهم ولإمكاناتهم ، فتضمن الديمقراطية لهم تكافؤ الفرص وتعزز الحرية الشخصية والتعبير عن الرأي، وتنمي شعور الفرد بالحاجة إلى التفاهم والتعاون مع الغير من خلال الحوار البناء وممارسة النقد وتقبل نقد الآخرين وتقبل الآخرين له ، واختيار القيادات في مجتمعه بالانتخاب مع احترام المعارضة والترحيب بمواقفها، مع الالتزام بالنظم والقوانين بما يحقق سلامة ورفاهية المجتمع .
وبهذا نجد أن التنشئة الاجتماعية تعمل على تقوية الانتماء لأنه حاجة أساسية في البناء النفسي والبناء الاجتماعي وعن طريقها يتشبع الفرد بالقيم المعززة للانتماء من اللغة والفكر والفن، ويشير ضعف الانتماء إلى مظاهر السلبية واللامبالاة نحو المجتمع ، وغالباً كلما زاد عطاء المجتمع لإشباع حاجات الفرد ، كلما زاد انتماء الفرد إليه ، والعكس صحيح .لآن الفرد يحب أن ينتمي للجماعات القوية وينفر من الضعيفة .
مما سبق نستطيع القول :أن الانتماء اتجاه إيجابي يستشعره الفرد تجاه وطنه ، مؤكداً وجود ارتباط معه باعتباره عضواً فيه ، ويشعر نحوه بالفخر والولاء ، ويعتز بهويته وتوحده بالوطن ، وملتزماً بالقوانين والقيم التي تعلي من شأنه وتنهض به ، محافظاً على مصالحه والدفاع عنه.
إن الارتباط العضوي بين الهوية بأشكالها المتنوعة من فردية الى اجتماعية الى وطنية والانتماء والولاء والديمقراطية كأسلوب حياة يولد مجموعة مفاهيم مرتبطة بجذر واحد وهى الوطن والمواطنة والوطنية فما هذه المفاهيم والعلاقة بينها ؟
المواطنة : هي الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع وهى تضع القواعد التي تلزم الأفراد بواجبات معينة تحقق اندماج الأفراد بالوطن، والعمل سوياً بمسؤولية لتحقيق الأهداف الوطنية من خلال مؤسسات الدولة ، في حين أن الانتماء يلعب الدور الأساس في ظهور تشكيله واسعة وعديد من القوى الحزبية والثقافية والاجتماعية التي قد لا يمكن السيطرة عليها التي تفضي في بعض الأحيان إلى ممارسات مناوئة لمبدأ المواطنة ذاته .
فتعمل المواطنة على انصهار جميع الانتماءات لصالح الوطن من خلال الالتقاء على أرضية المصلحة الوطنية العامة، ويتم ذلك بناء على ) الهوية. الانتماء.التعددية وقبول الآخر، والحرية ، والمشاركة السياسية . (
الوطنيـة : تعرف الموسوعة العربية العالمية الوطنية بأنها حب الفرد وإخلاصه لوطنه الذي يشمل الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ والتفاني في خدمة الوطن.
العلاقة بين المواطنة والوطنيـة :لبيان الفرق بين مفهوم المواطنة والوطنية يجب إدراج مفهوم آخر لا يقل أهمية عن المفهومين السابقين وهو مفهوم التربية الوطنية : الذي يشعر الفرد بصفة المواطنة ويحققها فيه، وأن سعادة الفرد ونجاحه، وتقدم الجماعة ورقيها يأتي من الشعور والعاطفة وبالعمل الإيجابي الذي يقوم على المعرفة بحقائق الأمور والفكر الناقد لمواجهة المواقف ومعالجة المشكلات.
ومعنى ذلك أن صفة الوطنية أكثر عمقاً من صفة المواطنة أو أنها أعلى درجات المواطنة، فالفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة أو لدولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل والفعل لصالح هذه الجماعة أو الدولة وتصبح المصلحة العامة لديه أهم من مصلحته الخاصة.
والوطنية تمثل الجانب الفعلي أو الحقيقي للمواطنة. والولاء لا يولد مع الإنسان وإنما يكتسبه من مجتمعه ولذلك فهو يخضع لعملية التعلم فالفرد يكتسب الولاء "الوطني" من بيته أولاً ثم من مدرسته ثم من مجتمعه بأكمله حتى يشعر الفرد بأنه جزء من كل
مكونات المواطنة :
للمواطنة عناصر ومكونات أساسية ينبغي أن تكتمل حتى تتحقق المواطنة منها الانتماء للوطن الذي يجعل المواطن يعمل بحماس وإخلاص للارتقاء بوطنه وللدفاع عنه ومن مقتضيات الانتماء أن يفتخر الفرد بالوطن والدفاع عنه والحرص على سلامته.
الحقــوق التي يجيب أن يتمتع بها جميع المواطنين وعلى الدولة والمجتمع تأمينها منها حماية المقدسات الدينية واحترام الشرائع السماوية وحرية الاعتقاد بالإضافة إلى وتوفير التعليم والرعاية الصحية والحياة الكريمة والعدل والمساواة والحرية الشخصية وصيانة حرية التملك، وحرية العمل، ، وحرية الرأي، وعلى الأفراد والواجبـات يجب القيام بها منها المشاركة السياسية ، احترام النظام والحفاظ على الممتلكات العامة والمساهمة في تنمية الوطن الدفاع عنه، والألتزام بالقيم العامـة من أمانة وعدم استغلال الوظيفة أو المنصب لأي غرض شخصي والإخلاص في جميع الأعمال والصدق وعدم الغش أو الخداع أو التزوير والتناصح.
المشاركة المجتمعية : من أبرزها الأعمال التطوعية التي تقوي أواصر المجتمع، وتقديم النصيحة للمواطنين وللمسؤولين.
– الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة لتحقيق المواطنة وتنمية الهوية الوطنية
تسعى جميع النظم السياسية لوضع أهداف للنظام التعليمي من أجل تحقيق الانسجام السياسي بين مواطنيها مستغلة جملة من المتغيرات أهمها المواقف والأهداف والولاءات تجاه السلطة السياسية.
فتم وضع منهاج للتربية الوطنية لخدمة النظام السياسي، وبناء دولة شعبية ديمقراطية، والمساهمة في التنمية المستمرة لقوى الإنتاج ، وتربيتهم على روح الولاء لوطنهم. وتزويد الطلبة بالمعرفة التاريخية والسياسية وقوانين التطور الاجتماعي من خلال مجموعة من المؤسسات منها :
المدرسة :
تتولى غرس القيم والاتجاهات السياسية التي يبتغيها النظام السياسي من خلال المناهج والأنشطة المختلفة وتغير الاتجاهات والقيم التي يؤمن بها الفرد من خلال الكتاب المدرسي وعلاقة المعلم بالطالب، فعندما يكون المعلم متمكناً من مادته الدراسية ، فإنه يكتسب احترام الطلبة، فيسهل عليه التأثير بهم فيغير القيم التي يؤمنون بها والعكس صحيح ، وإذا ترك المعلم الطلبة يعبرون عن آرائهم وأفكارهم بحرية يساعد هذا على نمو شخصياتهم وزيادة ثقتهم بأنفسهم.
وتساعد الإدارة المدرسية الأفراد في تنمية إحساسهم بالاقتدار الذاتي والانتماء الاجتماعي وتكوين الآراء في معظم الاتجاهات، لهذا يجب أن تتحول المدرسة إلى مجتمع حقيقي يمارس فيه الطلبة الحياة الاجتماعية الصحيحة والمسؤولية والاستقلال والتعاون وإنكار الذات، مما يؤدي إلى تنمية مواطنة فعالة.
(ففي نظام يعتمد على الحفظ والترديد، ويعد نتائج الامتحانات المؤشر الوحيد لتقويم الطلاب، تبرز النزعات الفردية وتتفشى ظاهرة الغش والمنافسة السلبية، بينما تختفي مثل هذه النزعات في نظام تعلم يقوم على القراءة والاطلاع الحر ويغرس قيم الابتكار والجماعية والتعاون (المشاط، 1992م، ص 108).
المقررات الدراسية :
إلزامية يدرسها كافة الطلبة، أداة لتحقيق التماسك الاجتماعي في المجتمع ، وتوظفها السلطة في نشر القيم بين الطلبة ، فتؤثر فيه وتعدل من سلوكه وتزوده بالمعلومات التي تساعده في حياته، ، بتباعها الأساليب وطرق تدريس الخاصة بالمواطنة مثل نقل المعارف والمعلومات التقليدية والقيم ، وتعليم مفاهيم العلوم الاجتماعية واستخدام عمليات التفكير للحصول على المعارف والمعلومات التي يحتاجها الطلبة لحل المشكلات التي تواجههم ، وتنمية قدرة الطالب على نقد التراث السابق والوضع الاجتماعي القائم، وتطوير شخصيته وتعد عملية ربط منهج التربية الوطنية بواقع الطلبة وحياتهم وممارسة الطلبة للأنشطة والخبرات من العناصر المهمة في تطوير المواطنة وتحقيق أهدافها، في مجتمعهم وبيئتهم.
مع ضرورة تعميم التربية من أجل السلام التي تهتم بالسلام بين الدول والشعوب إلى الأفراد داخل الأسرة أو الجماعة وأخيراً إلى الإنسان نفسه ، لأن السلام مطلب إنساني حتى لا يعيش الإنسان في خوف يفقده اتزانه ويجعله يتعامل مع من حوله على أساس أنهم أعداء فيشعر بالعزلة والتقوقع حول الذات فيفقد الثقة بالجماعة مما يؤثر على قدراته الانتاجية مما يسبب فشل التعاون مع الآخرين فتنهار جميع مكونات المجتمع. ولتفادي ذلك لابد من تعويد الطالب على التعايش والتعاون من خلال وضع الطالب في مواقف تفاعلية حقيقية يدرك من خلالها أهمية الانتماء لوطنه. ربط الطالب بفكرة احترام الإنسان مهما كان جنسه أو عرقه أو لونه أو دينه، وبأننا نعيش في عالم تحكمه مجموعة من المثل والقيم والأهداف والمبادئ الدولية المشتركة.
وهذا يقع على عاتق المنهاج التربوي بما يحتويه من عرض الخبرات الإنسانية والمشكلات الدولية وأسبابها، وخصائص الناس من حيث تشابههم واختلافهم واهتمامهم بالآخرين، ليتعلم التلميذ أهمية احترام الناس ،والتعايش السلمي، والحياة في مجتمع يقوم على التسامح والقيم السامية، ويرفض التعصب العرقي والديني .
من أهم مسؤوليات المنهج التربوي أن يؤكد على وجود توافق بين الوطنية والإنسانية، فيكسب الطلبة مقومات الانتماء للوطن متمثلاً في الولاء للأسرة والمجتمع المحلي بمصالحه ومؤسساته، والمجتمع الوطني بمنظماته وهيئاته، ، ومن ثم جعله يؤمن بوطنه القومي وبوطنه العالمي الإنساني،
التربية من أجل الديمقراطية
الديمقراطية طريقة حياة تعد الإنسان قيمة في حد ذاته، فهو أداة التنمية وغايتها، ترفض القيود التي تقف أمام إطلاق طاقاته وتفتح قدراته، لتلتقي مع العمل التربوي على نفس الهدف، ولهذا كلما توفر المناخ الديمقراطي ازدهر العمل التربوي . ومن ناحية أخرى تعد العملية التربوية الوسيلة الأساسية لتحويل المفاهيم الفلسفية الديمقراطية إلى قيم سلوكية يمارسها الإنسان ويدافع عنها من خلال التربية الديمقراطية التي تستند الى إشراك جميع الطلبة والمعلمين في صنع السياسات الخاصة بحياة الطلبة وتحمل المسؤولية من خلال تحديد المعايير المشتركة و شعور كل الطالب بأنه حر في التعبير عما في ذهنه والدفاع عن مصالحه الخاصة ، أن يعتاد الطلبة على الاستماع للآخرين، واحترامهم، والاهتمام بما يقولون، أن يعتاد الطلبة على الحوار المفتوح .
نماذج لبعض الدول التي اخذت بالاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة :
أولاً - الولايات المتحدة الأمريكية :
المجتمع الأمريكي خليط من المهاجرين ، فكان هدف المنهاج التربوي دمج جميع افراد المجتمع بتعزيز المشاركة السياسية وفهم مبادئ حقوق الأفراد ومراعاة مبادئ الحرية والعدالة والمساواة فهم المشكلات والقضايا المحلية والدولية.
فحوى المنهاج الدراسات الاجتماعية التي تضم مادة التاريخ إجبارية في جميع الولايات ، ويركز على الموضوعات التالية : "التاريخ الأمريكي، الدستور، الأبنية السياسية، نظام الحكم، القيم الديمقراطية". أما الجغرافيا فينصب تدريسها على جغرافية كل ولاية ، وتركز مادة التربية الوطنية على "الحقوق والواجبات، المسؤولية، القانون، دور المواطن في البناء والإنتاج وغيره"، وتدرس بعض الولايات منهجاً مستقلاً للتربية الوطنية
ثانياً - اليـابان :
فموضوعات التربية الوطنية، تهتم بتنمية احترام الذات، والآخرين، والإنسانية كافة. وفهم الشعوب والثقافات المختلفة، تنمية استعداد الطلبة على تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم، ومجتمعهم، وزيادة الوعي بالمشكلات والقضايا المحلية والعالمية.
ثالثاً – فـنـلـنــده : :
هدف التربية الوطنية تنمية الوعي بالحقوق والواجبات وفقاً لما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتعزيز الجوانب الإيجابية لشخصية الفرد، وتنمية الوعي النقدي لديه وفهم الثقافات المختلفة واحترامها وإدراك أهمية التعاون الدولي والمساهمة في التنمية والسلام العالمي، فمادة التربية الوطنية تحتوي موضوعات تهتم بالمجتمع الفنلندي، الحقوق والواجبات، الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والدولة والديمقراطية، والسلطة والبرلمان والحكومة المحلية والأحزاب السياسية ، والحرية الدينية، ، وحقوق الإنسان.
رابعاً - الصيــن :
عملت مناهج الصين على الربط بين التعليم والعمل الإنتاجي لتنمية وتكامل الشخصية،
وغرس روح المسؤولية لدى الأفراد العمل الجماعي واحترام الفرد لذاته وللكبار وللسلطات واحترام القانون والالتزام به وتعلم الأناشيد الوطنية هذه محتويات منهاج التربية الوطنية تحت مسمى التربية السياسية.
خامساً – الجمهورية العربية السورية
وضعت معايير وطنية لتعبر عن السياسة التربوية في سورية والتي كانت تهدف الى بناء شخصية المتعلم المتوازنة من جميع الجوانب الوجدانية والعلمية والفكرية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية والجسدية، عن طريق تعميق وتوسيع المعارف والاتجاهات والقيم واستخدام التقنيات التي تمكنه من متابعة التحصيل التخصصي، والتفاعل بشكل ايجابي مع القضايا الاجتماعية والوطنية والقومية والعالمية بوصفه مواطنا واعياً منتـجًا مبدعاً قادراً على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار وممارسة الديمقراطية في مجالات الحياة جميعها. ويتم ذلك من خلال تحقيق الأهداف كثيرة نورد منها :
ترسيخ أهمية الوحدة الوطنية والإيمان بأهداف الأمة العربية، والانتماء للوطن وللأمة، وممارسة أسس العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد.
فهم حقوق المواطنه وواجباتها والالتزام بالأنظمة والقوانين وتحمل المسؤولية في الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة .
تنمية الوعي بالعلاقة المتبادلة بين الإنسان والنظم البيئية والقضايا المتعلقة بها وتمكين المتعلم من الاستثمار الأمثل للموارد وترشيد استهلاكها.
تعميق الوعي بحقوق الإنسان والطفل والمرأة واحترامها، وأهمية الأسرة وضرورة المحافظة على تماسكها، ودورها في المحافظة على وحدة المجتمع وتطوره.
تعزيز حب العمل المنتج المتقن بصفته حقاً وواجباً و شرفاً للإنسان و تأكيد قيم العمل الجماعي والعمل التطوعي وتقدير المهن على اختلاف أنواعها.
تقدير جهود الدولة والمنظمات والجمعيات الأهلية ودورها في تكوين الرأي العام وتقدم المجتمع وتعزيز مشاركة المتعلم فيها والإسهام بأنشطتها.
وبهذا نجد بان الدراسات الاجتماعية ومادة التربية الوطنية تشترك بأهداف كثيرة ومنها
تعزيز القدرات الاجتماعية والمعرفية والعمليات الفكرية، والتصرفات المبنية على احترام حقوق الانسان الفرد، وحقوق المجتمعات المتنوعة ثقافياً ليكونوا نشطاء وفعّالين ومشاركين في الحياة العامة. باستخدام المعرفة والمهارات لبناء مجتمع متطور فالشباب الذين يملكون المعرفة، والمهارة، والملتزمون بالديمقراطية ضروريون لإستدامة وتحسين طريقتنا في الحياة الوطنية المثلى، والمشاركة بفعالية في المجتمع العالمي.
في النهاية نستطيع القول أن مفاهيم الوطنية والمواطنة والوطن ترتكز على ولاء المواطن الى الارض التي يعيش عليها مستمد من تاريخه القديم وحاضره الالتزام بمنتج مجتمعه ليبني وطناً مع بقية أفراد المجتمع قوياً متماساً والجميع يشاركونه دون النظر الى توجهاتهم أو عقائدهم لأن الجميع شركاء فيه وتقصير أي فرد خلل في البناء الوطني.
محمد اللكود
Normal 0 false false false false EN-US X-NONE AR-SA
المصدر: مجموعة من المؤلفين المراجع: 1 - أبوالفتوح، رضوان، التربية الوطنية (طبيعتها ، فلسفتها، أهدافها، برامجها) المؤتمر الثقافي العربي الرابع، القاهرة ، جامعة الدول العربية، 1960م. 2 - التربية للمواطنة، ترجمة السيد عيسوي أيوب، الكويت، مركز البحوث التربوية والمناهج بوزارة التربية، مجلة التربية، ع 24 ، يناير 1998م. 3 - صائغ عبدالرحمن أحمد، التربية للمواطنة وتحديات العولمة في الوطن العربي، ورقة عمل مقدمة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1422هـ. 4 - القحطاني ، سالم علي ، التربية الوطنية "مفهومها، أهدافها، تدريسها"، مكتب التربية العربي لدول الخليج، رسالة الخليج العربي، ع 66 ، 1998م. 5 - Evans Karen، تشكيل مستقبليات التعلم من أجل الكفاية والمواطنة، ترجمة خميس بن حميدة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2000م 6- المعايير الوطنية للجمهورية العربية السورية وزارة التربية 2007 م
نشرت فى 3 فبراير 2017 بواسطة lkoud