الجمعة، 17 مارس 2017

تطوير مفاهيم عمل البوليس مع حقوق الانسان

عمل الشرطة وأفاق تطويرها بما يتناسب وحقوق الإنسان
أدت التطورات التي شهدها العالم بفعل تقدم الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا المعلومات إلى  إحداث تغيرات كبيرة في الأنشطة الإنسانية بإيجابياتها وسلبياتها، فتأثرت الجريمة وأساليب مخالفة القواعد العامة في المجتمع  بهذا التطور.
وبالتزامن مع هذا التطور أصبح واضحا لدى رجال الأمن أن ظاهرة الجريمة من المستحيل مواجهتها بالجهود الأمنية المنفردة مهما كانت قوتها وعدادها ، وأن الجريمة قضية تعني كل أفراد المجتمع ومؤسساته، وأصبح من الضروري أن يقف المجتمع كله في مواجهتها، و الوقاية منها يجب ألا تقف عند حد الإجراءات التقليدية التي تضطلع بها أجهزة الشرطة والقضاء، بل أن الأمر يقتضي استظهار أساليب أخرى مدعمة وفاعلة، كما أكدت الدراسات الحديثة، أن الوقاية من الجريمة تقوم على مبدأ المسؤولية الشخصية والمجتمعية تجاه مكافحة الجريمة، وأن للمواطنين دور في غاية الأهمية في توقي الجريمة لا يقل أهمية عن إجراءات الشرطة التقليدية والأجهزة الأمنية المختلفة. ومن ثم أضحت الدعوة لمشاركة كل أفراد المجتمع وهيئاته ومؤسساته في مكافحة الجريمة وإعادة التقارب والتفاهم بينها أمراً تقتضيه طبيعة المرحلة الراهنة ، وتفرضه متطلبات التنمية المستدامة ’التي تهدف إلى تطبيق القانون وتحقيق العدالة انطلاقا من مبدأ أساسي جعل ذلك مسؤولية مشتركة بين كل هذه الأطراف والتي تبدأ من  :
رقابة أفراد المجتمع :
لأن جوهر الوظيفة الأمنية للشرطة خدمة المواطن ( الشرطة في خدمة الشعب ) كما أن الشعور بالمسؤولية والوعي بأهمية دور المواطن في استقرار المجتمع هما الخطوة الهامة لتحقيق سلامة المجتمع، فعلى المواطن دور كبير في دعم ومساندة واستقرار الدولة بشيوع الأمان في المجتمع ، فيتابع الأفراد عمل المؤسسات الأمنية وفضح المقصرة منها وخاصة مع توفر وسائل الإعلام بكثرة وسهولة ، أو من خلال التداخل والتعليق أثناء اللقاءات المتلفزة مع المسؤولين  في الأمن أو السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وأصحاب القرار.
منطلقين من أن المواطن شريك أساس في مساندة الأجهزة الأمنية وضرورة الحصول على تأيده ووقوفه لجانبها لتحقيق الأمن لذلك يجب زيادة وعي المواطنين بحجم المخاطر والتهديدات التي تُمثلها الجريمة وخاصة حين تستخدم  وسائل الإعلام كافة من (المقروءة – المسموعة – المرئية) ،
ويتم مشاركة المواطنين من خلال تدريب الأفراد المتعاونين مع رجال الشرطة على إجراءات أمنية محددة، تضمن لهم  القدرة على الوصف والتخاطب بأساليب اتصال معتمدة ومحددة يمكن المواطن من القدرة على تحليل واقعة معينة، واختيار الأسلوب الأمثل لإيصال المعلومة إلى الجهة الأمنية، وبهذا يصبح شرطي غير موظف وداعم لعملها وبنفس الوقت ضابط لحركة أفراد الشرطة ومراقب عليهم من داخل  مؤسستهم .
مؤسسات المجتمع المدني :
يقوم عمل الشرطة بالأساس على مشاركة جميع أفراد المجتمع في مهامها الأمنية كما ذكرنا، ويقاس أداء الشرطة الجيد بمقدار حجم مشاركة الأفراد المهتمين بعملها لتحسين ظروف الحياة وخفض المشكلات الاجتماعية ومعالجتها من خلال التواصل الدائم بين أفراد المجتمع والجهة الأمنية الذي تؤمنه مؤسسات المجتمع المدني المتمثل بالجمعيات والمنظمات وجماعات  الضغط التي تهتم بحماية المجتمع من الأخطار الداخلية والخارجية ، وأكثر هذه مساهمتاً الجمعيات التي تهتم بمكافحة المخدرات و بصحة الإنسان والبيئة ، فهي تبحث عن مساعدين لها لمكافحة حالات الإدمان وحماية الأطفال والنساء من العنف فتجد ضالتها بالشرطة إذا استطاعت الأخيرة أن تستقطب هذه الجماعات ، وهذه الجماعات ( جماعات الضغط )  بدورها تكون مراقباً على أفراد الشرطة ورصد انتهاكاتهم لحقوق الإنسان فتعمل على نشر ذلك ومحاسبة المخالفين وقادتهم ، فهي تقوم بدور مساند ودور مراقب ومتابع ومقيَم لعمل الشرطة، وعادة ما يكون مجال تأثيرها مباشراً على المشاركين في الميدان وتكون الاستجابة لأعمالهم سريعة ومساهم بأحداث التغير الوظيفي الذي يجب أن تقوم به الشرطة اليوم الذي يعتبر تغيرا بناءاً وصادقاً.
أن الإرهاب هو الخطر الأكبر الذي تواجهه المجتمعات في الوقت الراهن وهو خطر غير تقليدى يستغل التقنيات الحديثة، وعلى رأسها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بغرض نشر الفكر المتطرف المضلل لاستقطاب أعدداً كبيرة من الشباب ولا يتم مكافحته إلا بمساندة منظمات المجتمع المدني الرقيب على عمل المنظومة الأمنية المخلة بالتزامها تجاه مجتمعاتها،  وتعمل هذه المنظمات على تعزيز حالة الاستقرار الأمنى وإحباط نشاط التنظيمات الإرهابية، والحد من حركة عناصرها بمساعدة المؤسسات الديمقراطية.
المؤسسات الديمقراطية :
تعمل الأحزاب و النقابات و المنظمات على صياغة منظومة أمنية شاملة من التدابير والخطط المشتركة للحفاظ على استمرارية عملها ، وتعتمد في الوقت ذاته إستراتيجية أمنية متوازنة لتكريس معطيات الاستقرار الأمني بمختلف روافده بغية تحقيق الأمن بمفهومه الشامل بالمشاركة مع الأجهزة الأمنية الأخرى وخاصة جهاز الشرطة بصفته الجهاز المسؤول المباشر عن حمايتها ، والتوجه نحو تطوير دورها الأمني في المجالات الخدمية والتنموية واعتماد الأسلوب العلمي في عمله ، خاصةً فيما يتصل بإعداد الموارد البشرية للمنظومة الأمنية، فهي شريك للحفاظ على مقراتها وأمن أفرادها وهى مراقب لعمل الشرطة حتى أنها تشير إلى التجاوزات وتمنع وقوع اختراق أمني غير المتوقع (عين ساهرة ليستمر عملها ) ومن هنا  تطور عملها في تقويم عمل الشرطة ورصد حالات الخلل والفشل بعملها.
المؤسسات الإقليمية والدولية:
لها دور كبير في الرقابة والتوجيه وتمتلك قدرة كبيرة بالتأثير على المؤسسة الأمنية وأفرادها  من خلال فضح انتهاكات الشرطة لحقوق الإنسان أو تدخل عناصرها بطريقة غير صحيحة لتحقيق مكاسب خاصة  ، وتتمثل قوتها بمكافحة الجريمة الدولية وجرائم تقنية المعلومات وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء فيما يتصل بجهود حجب المواقع الإلكترونية التي تروج للإرهاب والعنف واستقطاب الشباب لارتكاب أعمال إرهابية والتي تحوي معلومات تفصيلية عن كيفية تصنيع المتفجرات واستخدام الأسلحة، الأمر الذي بات أسلوباً ممنهجاً للتنظيمات الإرهابية.
ولتحقيق ذلك تمتلك المنظمات الإقليمية والدولية  أدوات رصد ومتابعة متطورة وكبيرة وذات فعالية شديدة  في مراقبة رجال الشرطة وخاصة القادة منهم ومحاسبتهم ، فهي ذات قوة ردع كبيرة وذات مصداقية في أغلب الأحيان وتمتلك قوة القرار الدولي وإرادته .
تزداد انتهاكات الشرطة لحقوق الإنسان في مجتمعات العالم النامي أو الثالث أو المتخلفة عن غيرها من المجتمعات لعدة أسباب منها :
-       مفهوم التحقيق والذي يقتصر على أن القبض على المجرم وإدانته لابد من الخروج عن هذه القوانين،
-       القوانين بيد المحامون والمنظمات غير الحكومية العاملة في هذا المجال حسب رأي الشرطة عراقيل أمام تنفيذ مهامهم.
-       قلة المعرفة لدى أفراد الشرطة في الحصول على الاعترافات والأدلة دون خرق القانون
-       كثافة الجرائم وعدم تناسبها مع الكوادر المؤهلة لمثل هذه الأعمال
-       عدم وجود رقابة على عمل رجال الشرطة وضعف المحاسبة
-       الحصانة المفرطة التي تتمتع بها هذه الجهات
بينما التقدم الحاصل في  كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يفرض على أجهزته الأمنية مضاعفة جهودها لمواجهة إفرازات هذا التقدم وما يرافقه من تطور أدوات الجريمة أو وسائلها ، لهذا على الشرطة أن تتحمل هذه المسؤوليات الجديدة بكفاءة وفعالية، من خلال التعاون والشراكة بين الشرطة وأفراد المجتمع ومؤسساته المختلفة وغرس ثقافة جديدة للوقاية من الجريمة والحد من انتشارها، فعليها  تطوير قدراتها وتوفير الخدمات العامة بكفاءة وشفافية ودعم التعاون والشراكة المثمرة بين كافة الفئات الاجتماعية والأفراد وإتاحة مجال أوسع لنشاط المجتمع المدني"، وعدم استخدام القوة في إخماد المظاهرات أو ممارسة التعذيب للحصول على المعلومات.
على الشرطة تعزيز الثقة بالمجتمع وعدم عرقلة المحاكمات العادلة والفعالة وإقامة العدالة بما يتماشى تماما مع المعايير الدولية وحماية حقوق الإنسان ، وعدم التفريط بقضايا حقوق الإنسان وأن تعمل الشرطة على بناء الثقة والدفاع عن الحريات الأساسية، والحفاظ على النظام العام ورفاه الجميع وتنمية التعاون مع المجتمع لكسب الرأي العام  إلى جانبها ، بذلك تتغير النظرة المجتمعية إلى الشرطة من اعتبارها أداة قمع إلى جزءا من المجتمع تؤدى وظيفة اجتماعية باعتمادها سياسة  فض النزاعات بشكل سلمي وتطبيق المعايير الدولية في احترام حقوق الأفراد وإنسانيتهم، حتى يتم الحصول على الدعم من وسائل الإعلام والمجتمع المحلي والنظام السياسي لعملهم يجب تحقيق مجموعة من المعايير المتطورة التي تتوافق مع أهداف المرحلة القادمة ويجب أن تجعل أفراد الشرطة متمكنين من عملهم وذات قدرات متميزة لبناء مجتمع جديد قائم على المشاركة والتفاعل المجتمعي منها :
1-  تبني أفراد الشرطة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وخاصة فقرة ( يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي ). 
2-  الإيمان بحقوق الإنسان والدفاع عن الحريات الأساسية. 
3-  الالتزام بالسياسات والممارسات القانونية والإنسانية ورفاه الجميع .
4-  الالتزام بخدمة المجتمع وحماية جميع الأشخاص من الأعمال غير القانونية،
5-  احترام وطاعة القانون وعدم  ارتكاب أي فعل من أفعال الفساد ، والإبلاغ عما يقع من انتهاكات لهذه القوانين والمبادئ التي تحمي وتعزز حقوق الإنسان
6-  الامتناع عن أي فعل يهدد الحق في الحياة أو يعرضها للخطر
7-  عدم إخضاع أي فرد للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية أو ارتكاب أي فعل يدخل تحت طائلة تعريف جريمة التعذيب
8-  احترام حق الفرد في الحرية وفي الأمان الشخصي وعدم توقيف أو حرمان أي فرد من حريته باعتقاله تعسفا ومعاملة جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية
9-  يعمل بحيادية بالتحقيقات بشكل عام وتكون موضوعية وشاملة وعاجلة ونزيهة وقانونية
10-                     احترام المعتقدات الدينية والأخلاقية، واحترام حقوق المرأة و حقوق الأحداث
11-                     يعترف بحق المحتجز لغذاء وماء كاف ومأوى ملائم  والعناية بالنظافة الشخصية وتوفير خدمات طبية كافية وتسهيلات لممارسة التمرينات الرياضية، والاتصال بالعالم الخارجي.
12-                 الامتناع عن القيام بأعمال تخويف وترهيب والتغطية على الأعمال الوحشية وغيرها من الانتهاكات التي تمارسها (الشرطة) أو الجماعات الموالية للحزب الحاكم أو بعض الجماعات المنظمة أو غير المنظمة
13-            عدم استخدام القوة والأسلحة النارية المفضية إلى الموت عمدا .
في نهاية موضوعنا نجد هناك جملة من الأهداف يجب تحقيقها من تطوير عمل الأجهزة الأمنية لتتوافق مع التغيرات المجتمعية وخاصة مع حقوق الإنسان وان تجعل المؤسسات المدنية الشريك الأساس لها لحماية المجتمع من الجريمة والانهيار وان تعمل على إعادة النظر باستراتيجياتها وضرورة تأهيل كوادرها وخاصة القيادية منها
اعداد محمد اللكود


المراجع:
1. مدونة الأمم المتحدة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين (المادة 3).
2. المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.




هناك تعليق واحد: