القدس عند المسلمين ارض وشرف ودين
يتمتع
بيت المقدس بمكانة كبيرة في الأديان السماوية، وللقدس مكانة خاصة عند
الإسلام والمسلمين، من خلال المكانة التي احتلاها في العقيدة الإسلامية، وفي
التاريخ الإسلامي، فالقدس والمسجد الأقصى يسكنان قلوب المسلمين جميعاً.
إن
مكة والبيت الحرام مقدستين عند نبي الله إبراهيم وأبنه
إسماعيل عليهما السلام ، وامتد تقديسهما وتكريمهما عند أمة الإسلام، و كذلك
بيت المقدس والمسجد الأقصى. ما الحكمة الربّانية من الإسراء إلى القدس، وكان
المعراج منها؟ ولماذا لم يكن المعراج من مكة المكرمة ؟ . ماذا حظيت القدس بالقبلة
الأولى للمسلمين قبل الكعبة المشرفة ؟ لماذا كان اهتمام المسلمين بتحرير القدس دون
إراقة دماء؟
أجوبة
كثيرة جميعها كانت تتمحور حول :
1-
إسلامية هذه الديار، حيث فتحت روحياً وإيمانياً بمعجزة الإسراء والمعراج.
2-
ربط القدس بمكة المكرمة رباطا عقديا وتعبديا.
القدس
في القران الكريم
وقد
وصف القرآن الكريم
أرض بيت المقدس، بصفات عدة منها البركة، والطهر، والقدسية، في كثير من المواضع:
( يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى
أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) (سورة المائدة: الآية 21).
( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ
كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا
فِيهَا) (سورة الأعراف: الآية 137).
﴿
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [ الإسراء: 1]
( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى
الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) (سورة الأنبياء: الآية 71).
وفي قوله تعالى عن عيسى وأمه عليهما السلام ( وَآوَيْنَاهُمَا
إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) (سورة المؤمنون: الآية 50).
وفي قوله تعالى ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ
يُنَادِ الْمُنَادِي مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ) (سورة ق: الآية 41)، ورد في تفسيرها أن
المنادي هو إسرافيل، ينادي من صخرة بيت المقدس.
وجاء
فيها قوله تعالى لبني إسرائيل: ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ
عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (سورة الإسراء:
الآية 8)، أي: إن عدتم للإفساد، عدنا عليكم بالعقوبة. ففي حادثة الإسراء إلغاء
أبدي، لصفحة (بني إسرائيل) من سجل التفضيل والاصطفاء.
قال
عز وجل "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ".
سورة الأنبياء الآية 71.
والضمير
الغائب في لفظ (ونجيناه) يعود إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام، والمراد بالأرض: هي
أرض فلسطين، وكانت موضع هجرة إبراهيم ولوط عليهما السلام بعد أن منّ الله عليهما
بالنجاة من الأقوام الظالمة.
القدس
في السنة النبوية الشريفة:
بالإسراء
يتمثّل الرباط العقدي ، القدس القبلة الأولى تمثل الرباط التعبدي ، وشد الرحال اليها
بقصد التعبّد يدل على أهميتها الدينية
ومشاركتها للمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.
- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ ﷺ قال: " لا
تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثة مَساجِد: المَسجِد الحَرام، ومَسجِد الرَّسولِ ﷺ،
ومَسجِد الأقصَى). رواه البخاري
- لا يَنبَغي لِلمَطيِّ أنْ تُشَدَّ رِحالُه إلى مَسجِدٍ يُبتَغى فيه
الصَّلاةُ، غَيرَ المَسجِدِ الحَرامِ، والمَسجِدِ الأقْصى، ومَسجِدي هذا.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى،
ومسجدي هذا متفق عليه
وفي
هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم قالَ: "إنَّما تُشَدُّ الرِّحالُ إلى ثَلاثةِ
مَساجِدَ"، وهو السَّفرُ إليها بنِيَّةٍ وقصْدٍ دونَ غيرِها مِن المساجِدِ،
"مَسجِدِ إبراهيمَ"، وهو المَسجِدُ الحَرامُ بمكَّةَ (الكَعْبةُ)،
فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالحَجِّ والعُمْرةِ والزِّيارةِ، "ومَسجِدِ
مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" الَّذي بالمدينةِ، فتُشَدُّ الرِّحالُ
إليه بالزِّيارةِ والصَّلاةِ فيه، "وبَيتِ المَقدِسِ"، وهو المَسجِدُ
الأقْصى؛ فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالزِّيارةِ والصَّلاةِ فيه، وقد خُصِّصَتْ هذه
المساجِدُ لِمَا لها من الفَضلِ عِندَ اللهِ، ولِمَا للصَّلاةِ فيها من أجْرٍ
مُضاعَفٍ.
فقد
صلّى رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في ساحة المسجد الأقصى المبارك، إماما بالأنبياء،
وهو دليل على أنه خاتمهم وقائدهم، وإن رسالته شاملة لجميع الرسالات، وكذلك فُرضت
الصلاة على المسلمين في سماء القدس حين المعراج، والمعلوم أن الصلاة هي ركن من
أركان الإسلام، بل هي عمود الدين وعماده.
ونظراً
لأهمية الصلاة فإن الله عز وجل خاطب نبيه مباشرة وبلّغه فرضيتها، وأن فريضة الصلاة
في سماء القدس، أثناء المعراج، تكريم لهذه المدينة التي حباها الله بالبركات وبالقداسة.
أهمية
ارض القدس ومكانتها في الشريعة الإسلامية ومكانة أهلها :
كان
المسجد الأقصى هو المكان الذي صعد منه. وكان حَدَثُ المعراج شرفاً آثر الله به
النبي العظيم، ليرقى إلى ملأ عظيم، في ليلة عظيمة.
عَنْ
أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ
الْحَرَامُ. قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ: قَالَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأقْصَى. قُلْتُ كَمْ
بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً . (مسند أحمد، الحديث الرقم 20370).
وروت
الصحابية الجليلة ميمونة بنت سعد رضي الله عنها قالت: قلتُ يا رسول الله، أفتنا في
بيت المقدس. قال: "أرض المحشر والمنشر، إئتوه فصلّوا فيه، فإن صلاةً فيه كألف
صلاة في غيره." قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمّل إليه؟ قال: فتهدي له زيتاً
يسرج في قناديله، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه". رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والبيهقي بإسناد
صحيح. وهذا الحديث النبوي الشريف صريح بارتباط مدينة القدس بالعقيدة الإسلامية،
لأن المحشر والمنشر جزء من يوم القيامة. ومعنى "أتحمل إليه" أتمكن من
الوصول إليه، "فتهدي له زيتا " كناية عن إعماره والتبرع له. وفي لفظ
"يسرج فيه" بدلاً من لفظ " يسرج في قناديله".
وروى
الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه قال: صلينا مع رسول الله نحو بيت
المقدس 16 شهراً ثم حرفنا نحو الكعبة". أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجه. وهذا الحديث النبوي الشريف صريح بأن المسجد الأقصى
هو أولى القبلتين.
عن
الصحابي الجليل ذي الأصابع رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله، إن ابتلينا بعدك
بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس فلعلّه أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك
المسجد ويروحون". أخرجه أحمد والطبراني. وهذا الحديث الشريف يتضمن حثاً على
المرابطة والإقامة في بيت المقدس.
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم "فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمئة
ألف صلاة، وفي مسجدي ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمئة صلاة". رواه
الطبراني في الكبير والبزار في مسنده. إسناده حسن عن الصحابي الجليل أبي ذر
الغفاري رضي الله عنه. وهذا حثّ على الصلاة في المساجد الثلاثة بالإضافة إلى زيادة
في الثواب.
القدس
في التاريخ
فبعد
أن قامت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وبعد أن تم فتح مكة، اتجهت أنظار
النبي محمد صلى الله عليه وسلم صوب بيت المقدس في الشام، ليُطَهِّرُه من الرومان وتحرير
الأرض المقدسة.
عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم
في
العام الثامن للهجرة، بعد أن قتلَ حاكمُ بصرى من قبل الروم مبعوث الرسول صلى الله
عليه وسلم. امر الرسول بالتجهز لغزو الروم، فاجتمع من المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل قد تهيئوا
للخروج إلى مُؤْتَةَ، وفي هذه الغزوة قُتل
زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، ثم عبدالله بن رواحة، ثم التقف الراية سيف الله
المسلول، خالد بن الوليد، الذي فتح الله عليه بأن ينسحب ببقية الجيش انسحاباً
آمناً، وقد حمد له النبي الكريم ، هذا الصنيع.
في
السنة التاسعة بدأت الروم تحشد الجيوش للإغارة على دولة الإسلام، لتضمن البقاء على
أرض بيت المقدس، فاستنفر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه لملاقاة العدو، بالرغم
من صعوبة الموقف وقد سُمِّيَ الجيش الذي
أُنْشِئ لقتال الروم (جَيْشَ العُسْرة)، وذلك لِما اكتنف إعداده من الظروف
العصيبة.
وَلَمَّا
بلغ جيش المسلمين تبوك، لم يجد للرومان أثراً يدل على استعداد لحرب، ويبدو أنهم
آثروا الاختفاء عن ملاقاة جيش المسلمين. وجاء ختام الغزوة طمأنينة وعزة للمسلمين،
فأقفل الرسول صلى الله عليه وسلم عائدا بالجيش إلى المدينة، بعد أن أزال رهبة نزال
الروم من قلوب المسلمين، وكسر حاجز الخوف من لقائهم.
وبعد
عودته صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، أمر المسلمين بالتهيؤ لغزو معاقل الروم
في أراضي الشام، واختار لإمرة الجيش أسامة بن زيد. وَتَجَهَّزَ الجيشُ، وخرج
بقيادة أسامة، إلى ظاهر المدينة، فعسكر بالجرف، وفي هذه الأثناء، اشتدت برسول الله
صلى الله عليه وسلم شكواه' التي قبضه الله
تعالى فيها، فأقام الجيش ينتظر ما الله قاضٍ في هذا الأمر.
2.
في عهد أبي بكر الصديق رضى الله عنه
وجه
جيش أسامة الذي أعده الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، إلى تخوم البلقاء، فسار
إلى حيث وجهه أبو بكر. ولم يكد عهد أبي بكر رضى الله عنه يستقر حتى تداعت فتنة
العرب المرتدين، تتكالب على الإسلام.
وبعد
أن تحقق النصر الحاسم على المرتدين، تم توجيه جيشٍ إسلامي كبير إلى الشام، وإلى
العراق، فوجه أبا عبيدة حِمْص، وولاه إمرة الجيوش، كما أرسل يزيد بن أبي سفيان إلى
دمشق، وعمرو بن العاص إلى فلسطين، وشرحبيل بن حسنة لوادي الأردن. وكان عدد هذه
الجيوش يقارب الاثني عشر ألفا. ثم أسند أبو بكر، القيادة العامة لجيش الشام، إلى
سيف الله المسلول خالد بن الوليد، بعد انتهائه من قتال الفرس في العراق. والتقت
الجيوش. وتمخضت ملاحم النصر، عن فتح عدة مدن في فلسطين، منها: نابلس، وعسقلان،
وغزة، والرملة، وعكا، واللد، وفتح عمرو بن العاص مدناً أخرى منها يافا ورفح.
وأقلقت
هذه الانتصارات الدولة البيزنطية، فحشدت جيوشاً جرارة أخرى، لمواجهة المسلمين،
وتجمع الجيش الروماني في اليرموك ، إلا أن الله عز وجل نصر جنده، وفتح للمسلمين
فتحاً مبيناً، وسيطروا على المنطقة الوسطى من سورية، التي تحمي ظهورهم بالبادية.
وبهذا مهدت الجيوش الإسلامية في خلافة أبي بكر الصديق للزحف نحو بيت المقدس.
3.
في عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه
وجه
عمر بن الخطاب رضى الله عنه أبا عبيدة بن الجراح، لفتح المدينة المقدسة، فوجه خالد
بن الوليد نحو بيت المقدس، ثم أتبعه جيش بقيادة يزيد بن أبي سفيان، واخر بقيادة
شرحبيل بن حسنة. واجتمعت الجيوش كلها، وضربوا الحصار حول المدينة المقدسة لمدة
أربعة أشهر، في أيام برد شديد. فطلب أهل "إيلياء" الصلح مع أبي عبيدة،
على أن يتولى الخليفة عمر بنفسه تسلّم المدينة، ليضمنوا العهد والأمان منه. فجاءها
عمر رضى الله عنه وتسلم مفاتيحها .
وبعد
أن تسلم الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بيت المقدس، كَشَفَ عن مكان الصخرة
المباركة التي طُمرت تحت الأتربة والنفايات. وتسابق المسلمون في مشاركته ذلك العمل
حتى تم تنظيف المكان المبارك، وظهرت الصخرة. وبنى عمر رضى الله عنه ، المسجد
المعروف (بمسجد عمر) وأصبحت الصخرة في آخره.
4.
في العصر الأموي
ظل
المسجد الذي بناه الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه قائماً في عصور الخلفاء
الراشدين التالية لعهده، وتولى الخليفة عبدالملك بن مروان وابنه الوليد أمر إعمار
المدينة المقدسة وتجديدها، حتى أصبحت في عهدهما، من أعظم المراكز في الدولة
الإسلامية، فقد أعادا بناء الأسوار المحيطة بالمدينة، وأقاما الأبنية والقصور بجوار
الزاوية الجنوبية لسور المسجد، ليسكنها أمراء القدس في العهود الأموية، ثم
العباسية، ثم الفاطمية فيما بعد.
وتولى
الخليفة عبدالملك، تشييد مسجد قبة الصخرة، والمسجد الأقصى.
ولما
تولى الخليفة الأموي، العادل، عمر بن عبدالعزيز، طلب من جميع ولاته أن يزوروا المسجد
الأقصى ويقسموا يمين الطاعة والعدل بين الناس فيه.
5.
في العصر العباسيّ عهد أبي جعفر المنصور،
أمر بتعميره وإصلاحه وإعادته إلى الصورة
التي تليق بمكانته في قلوب المسلمين، بعد تعرضه لزلزال في عام 158 هـ / 774 م،
فبُني أوثق وأمتن مما كان عليه، كما قام الخليفة المهدي بإصلاحات في المسجد عام
158هـ فزاد في طوله.
6.
في العصر الفاطمي تم تجديد قبة الصخرة
عام 413 هـ من آثار التعرية الجوية، وتوالت التجديدات في عهدهم لتشمل الحرم القدسي
بكامله.
7.
سقوط القدس في يد الاحتلال الصليبي
أصيبت
الدولة العباسية بالضعف والتمزق، وانتهزت أوروبا الفرصة، فجهزت الحملات الصليبية
التي اتخذت مظهراً دينيّاً للاستيلاء على بيت المقدس. ونجحت في إقامة مملكة القدس
عام 1099م، واستُبيحت الأعراض والممتلكات، ولم يراعوا حرمة المسجد الأقصى وقدسيته،
فَحَوَّلُوا الصخرة المباركة إلى مذبح، ووضعوا التماثيل فوقها. كما شوهوا معالم
المسجد الأقصى المبارك، فَبَنَوْا على محرابه جداراً لإخفاء معالمه، واتخذوا من
المسجد ثكنات لجنودهم، وذبحوا الكثير من المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً.
8.
القدس في عصر المماليك
استمر
المماليك في الحكم قرابة ثلاثة قرون، أَمْضَوْا جانباً منها في القضاء على ما تبقى
من الصليبيين. فاستسلمت في عهدهم باقي الإمارات الصليبية عام 690 هـ/1291م.
9.
القدس في العصر الأيوبي
ظل
الصليبيون يعيثون فساداً في مدينة القدس قرابة التسعين عاماً، إلى أن أَذِنَ الله
بالنصر، للسلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب. فطهر القدس من الصليبيين،
وعمل على إزالة التشوهات التي لحقت بالآثار الإسلامية. فطهر قبة الصخرة من
التماثيل والهياكل، التي وضعت فوقها، وأزال الجدار الذي وضعه الصليبيون على محراب
المسجد الأقصى، وأمر بتجديده، ونقل إلى المسجد الأقصى من حلب، المنبر الذي أعده
نور الدين زنكي لهذا اليوم. وقد ملأ المسجد والحرم القدسي الشريف بنسخ من القرآن
الكريم، كما شيد عدداً من المدارس الإسلامية.
10.
القدس في عصر الأتراك العثمانيين
أولى
الأتراك العثمانيون المسجد الأقصى عنايتهم، فأقاموا عدداً من العمارات الإسلامية،
وتمت توسعة المسجد، ليصل إلى 80 متراً طولا و 55 متراً عرضاً، وأضيف عدد من
الأعمدة الرخامية، ليصل عددها إلى 53 عموداً رخامياً و49 سارية. وشملت التجديدات،
والتحسينات، قبة الصخرة، التي زُيِّنَتْ بالآيات القرآنية، أما الصخرة المشرّفة
فقد أقيم حولها سياج، من الخشب، على شكل مربع بلغ طوله ثمانية عشر متراً، وعرضه
ثلاثة عشر متراً. وامتدت الإصلاحات والتجديدات لتشمل الحرم القدسي كله.
الاحتلال البريطاني والصهيوني
في عام 1917 احتلت القوات البريطانية
القادمة من مصر القسم الجنوبي من فلسطين من الدولة العثمانية، وفرضت عليها حكماً
عسكرياً، دخل قائد القوات البريطانية الجنرال إدموند ألنبي مدينة القدس من باب
يافا. أثار ذلك مشاعر الابتهاج في أوروبا وأمريكا إذ وقعت القدس لأول مرةٍ تحت
سيطرة الأوروبيين بعد تحريرها من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي. كانت
بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية قد اتفقت على تقسيم بلاد الشام بينها في اتفاقية
سايكس-بيكو السرية 1916 بين الأطراف الثلاثة. جرى الاتفاق على أن تكون منطقة
فلسطين منطقةً دوليةً مراعاةً لروسيا، ولكن بعد انتهاء الحرب عَدَلَتْ بريطانيا عن
هذا البند من الاتفاقية فقد أرادت إنشاء معبرٍ أرضيٍّ متصلٍ بين الخليج العربي
وميناء حيفا، فضلاً عن هدفها تأسيسَ دولةٍ صهيونيةٍ في فلسطين.
في 1920 اجتمع مندوبو الدول المنتصرة في
الحرب العالمية الأولى في مدينة سان ريمو الإيطالية (مؤتمر سان ريمو) لتعديل اتفاقية سايكس-بيكو
وتقرير الشكل النهائي لتقسيم الأراضي التي احْتُلت من الدولة العثمانية. في هذا
المؤتمر اتفق الطرفان على منح فلسطين لبريطانيا.
أصرّت الحكومة البريطانية على عصبة
الأمم على إدراج تصريح بلفور في صك الانتداب على فلسطين لتصبحَ السياسةُ
البريطانيةُ في فلسطين الداعمةُ للهجرةِ اليهوديةِ تحت غطاءٍ دولي، وعيّنت أول
مندوبٍ سامٍ لها هربرت صموئيل الوزير البريطاني السابق واليهودي .
الحرب
العالمية الثانية
ابتداءًا
من عام 1939، ترأس الموساد منظمة تُشرف على الهجرة السرية لليهود بعد الحرب، تم
ترحيل غالبية اليهود في أوروبا الى فلسطين وبدات الحركة الصهيونية بالاستيلاء على
ارض الفلسطينين عن طريق المذابح والمجازر وسرقة الممتلكات العربية .
مثلما
هو الحال في أغلب أنحاء العالم العربي، لم يكن ثمّة إجماع بين العرب الفلسطينيين
على موقفهم من المتحاربين في الحرب العالمية الثانية. فقد رأى عدد من الزعماء
والشخصيات العامة أن انتصار المحور هو الطريقة السريعة لعودة فلسطين من الصهاينة والبريطانيين.
على الرغم من أن العرب لم يحظو بتقدير كبير من قبل النازية ، إلا أن النازيون قد
شجعوا الدعم العربي باعتباره معاكسًا للهيمنة البريطانية.
عام 1944 تم تشكيل مجموعة اللواء
اليهودي في الجيش البريطاني ، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في مساعدة اليهود على الهجرة
من أوروبا إلى فلسطين، وأصبح قدماء اللواء اليهودي مشاركين رئيسيين في الجيش
الإسرائيلي.
في أعقاب تقسيم فلسطين اندلعت المقاومة الفلسطينية
المسلحة على نطاق واسع وجابهتها بريطانيا بعنف شديد وقامت بدعم المناطق اليهودية
لأسباب دينية. نظمت فرق ليلية بريطانية خاصة مؤلفة من جنود بريطانيين ومتطوعين
صهاينة غارات على قرى عربية في الجليل الأدنى وفي مرج بن عامر.
بعد نهاية الحرب عام 1948 تقسمت منطقة
الانتداب بين إسرائيل والأردن ومصر حيث منحت إسرائيل الجنسية الإسرائيلية لليهود
ورفضت عودة النازحين الفلسطينيين من خارج هذه الحدود. أما الأردن فمنحت جنسيتها
لسكان الضفة الغربية بما في ذلك اللاجئين إليها. أما سكان قطاع غزة واللاجئين
إليها فبقوا دون مواطنة إذ رفضت مصر منحهم الجنسية المصرية.
وبذلك سيطرت الحركة الصهيونية على
الأراضي الفلسطينية وبما فيها القدس الشريف ، وبالرغم من العنف والقتل والتشريد
والحصار المطبق على اهل فلسطين ما زالوا يقامون المحتل وهدفهم الوحيد تحرير فلسطين
والقدس والمسجد الأقصى الشريف .
الخاتمة:
فقد قال عبد الله بن الإمام أحمد:
وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال:
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من
أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من
لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال:
"ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وأخرجه أيضا الطبراني في
الأوسط بإسناد. قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.
والله أعلم.
وهذه
بشارة من الرسول محمد عليه السلام للأمة الإسلامية بأنّ الفئة المنصورة هي التي
ترابط في بيت المقدس.
هلاّ
تنبّه المسلمون في هذه الأيام لهذه المدينة المباركة المقدسة؟! وهلاّ أعطوها
العناية اللائقة بها؟! وهلاّ تذكّروها وهي في الأسر؟! وهي تحت وطأة الاحتلال؟! أم
هم عنها لاهون غافلون؟!
مدينة
القدس أمانة في اعناق جميع المسلمين لأنها الأرض المقدسة وارض المحضر ، ويجب أن يتنبّه
المسلمون في هذه الأيام لهذه المدينة المباركة المقدسة وأن يعطوها العناية اللائقة
بها، وأن نعمل على تحريرها من الاحتلال
وبأسرع وقت .
على
العالم الإسلامي أن يتحمل المسؤولية تجاهها. ولو قصر العرب في العمل على تحريرها
ولا يركن المسلمين للحكام العرب فأن لهم
مصالح وسياسات لا تتناسب مع أهمية تحرير الأقصى .
خاص
لحراس الأقصى محمد اللكود
المصادر: القران الكريم – السنة
النبوية – مقالات متنوعة من الشابكة –
المنهاج السوري