مقال مؤثر جدًّا (موجع، مؤلم)
للكاتب الأردني عدنان الروسان
-تعبت حناجرنا من الصراخ والتنظير والإشادة بنا وبمواقفنا، وما تعبت سواعد الأبطال المجاهدين في غزة، تعبت عيوننا من البكاء وما تعبت عيون غزة وهي ترقب العدو وتقف على الثغر الأخير للاسلام والعروبة فقد صرنا كالنساء نبكي على حالنا ونشق ثيابنا ونعتبر ذلك جهاداً في سبيل الله ولم يعد يعجبنا في كل الصحاح والسنن، للبخاري ومسلم والترمذي والنسائي إلا حديث: (وذلك أضعف الإيمان)، واختصرنا القرآن في آية: "ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة"!!
أدْمَنّا على مشاهدة الجزيرة وكأن محمد الضيف ميسي، وأبو عبيدة رونالدو، ونُقَيّم كيف كانت الرشقة وكيف كان العبور إلى المرمى؟!.
بالمناسبة، وضعت إسرائيل جائزة لمن يكشف عن شخصية أبي عبيدة الحقيقية، ذلك الفارس الملثم، وأظن أن أجهزة الاستخبارات العربية تسابق الزمن للفوز بالجائزة من العم سام أو ابن العم شيلوك ليرضَوْا عنا.
قدم رجل للمعتصم، الخليفة العباسي قائلا له: يا أمير المؤمنين، كنت في عمورية، فرأيت امرأة عربية في السوق، مهيبة جليلة تُسحَل إلى السجن، فصاحت في لهفة: وامعتصماه وامعتصماه!
فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية، قائلا له: "من أمير المؤمنين إلى كلب الروم، أخرج المرأة من السجن، وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي".
فلم يستجب الأمير الرومي، وانطلق المعتصم بجيشه لمحاصرة عمورية، فلما استعصت عليه قال: اجعلوا النار في المنجنيق، وارموا الحصون رمياً متتابعاً، ففعلوا، فاستسلمت عمورية، ودخل المعتصم إليها، وبحث عن المرأة، فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم؟ قالت: نعم.
وفي هذا قال المتنبي:
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ
في مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً
بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لا في السَّبْعَة الشُّهُبِ
امرأة واحدة، استنجدت، فأجابها المعتصم. والآن الآلاف من نساء فلسطين استنجدن بكل معتصمي العرب، لكن معتصماً واحداً لم يجب أيا منهن، معتصم عربي قال: إن النساء إرهابيات، وإن أزواجهن وأبناءهن هم من اعتدوا على اسرائيل، ومعتصم آخر منع الماء والخبز عن نساء غزة، ومعتصم ثالث اكتفى بالسماح لشعبه بإقامة فوج دبكة حماسية غنوا فيها: (هون فرطت مسبحتي وهون لمولي اياها).
أبو عبيدة الحمساوي، هذا الفارس الملثم، قال للزعماء العرب: لا نريد ان تشنوا حرباً لنجدتنا ولا أن تبعثوا بجيوشكم لتحرير فلسطين لنجدة النساء اللواتي يصرخن وامعتصماه، بل يكفينا منكم أن لا تغلقوا حدودكم في وجه شاحنات الغذاء والماء والدواء، أي ان يقوموا بما كانت تقوم به النساء في الحروب أيام المجد الغابر للأمة!
سينجلي غبار المعارك عاجلاً أو آجلاً، وسنرى من هو الثور الذي سيؤكل بعد أن أكل الثور الأبيض هذا إن أُكِل، وسيتنافخ زعماء العرب شرفاً ويستلون خناجرهم الصوتية عبر إذاعاتهم وتلفزيوناتهم كي يؤكدوا أنه لولاهم لما توقفت الحرب، وسنقرأ في كتب التاريخ المدرسية كيف أن كل زعيم كان هو من لجم إسرائيل وحمى المقاومة، وسيضاف سفر جديد من أسفار الكذب العربي الرسمي في كتاب تاريخ سايكس بيكو العربي
أما النخب العربية، المفكرون والمحللون الاستراتيجيون مثلنا، فسيبقون يديرون النقاشات وسرد بطولاتهم الخطابية في كافة منابرهم ومهرجاناتهم وتحليلاتهم، وسيشعرون بالفخر لأنهم أسعفوا المجاهدين بالنصائح والتحليلات.
اليوم... ما هو مطلوب شيء لا نقدر عليه كما يبدو؛ لأن لله رجالا إذا أرادوا اراد، ونحن رجال الكبسات والمندي والمقلوبة والمناسف والتهفهف بالبزات الأنيقة والدشاديش البيضاء، بينما يتلفع الغزيون بأكفانهم البيضاء وهم يغادرون هذا المجتمع المسخ إلى السماء غير آبهين بنا.
سيقف الزعماء العرب يوم غد أمام الله، وبجانبهم شهداء غزة، وجوعى غزة، وجرحى غزة، ونساء غزة، وسيسألهم الله عما فعلوا، وهناك لا أجهزة مخابرات ولا عروش إلَّا عرش الله، ولا زعماء ولا رؤساء ولا ملوك إلَّا الله، وسينادي الله: أين الملوك ؟! أنا الملك أنا الديان، لمن الملك اليوم ؟ وسيضج الكون على مسمع الزعماء: "الملك لله الواحد القهار".
يا أهل غزة، يا أبطال القسام، يا رجال الجهاد، يا من رفعتم رؤوسنا عالياً لا نقول لكم: سامحونا، فهذا نفاق وسذاجة، ولكن نقول لكم: افرحوا؛ لأننا لم نقف معكم، ابتهجوا لأن الزعماء العرب لم يقفوا معكم، لأننا لو وقفنا معكم لانهزمتم شر هزيمة، فنحن لسنا أنتم، ولحسن الحظ أنكم لستم نحن.
ولينصرن الله من ينصره، والله يسمع ويرى وهو أعلم بالحال والأحوال" انتهى.
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
من أعظم نعم الله تعالى على المستضعفين في كل زمان أن يجعلهم ينتصرون لأنفسهم بلا منّة الأقوياء.
يا أبطال غزة، احمدوا الله أننا لم نقف معكم!