السبت، 10 فبراير 2024

مسائل ثمانية ..عالم وتلميذ

 نسأل الله لمثل هذه الهمسات أن تنفع


*سأل أحد العلماء تلميذه*

*منذُ متى صحبتني؟*

*فقال التلميذ : منذُ ثلاثٍ وثلاثين سنة.*

*فقال العالم :*

*فما تعلمت منّي في هذه المدّة ؟*

*قال التلميذ : ثمانيَ مسائل*

*قال العالم : إنّا لله وإنّا إليه راجعون* ذهب عمري معك ولم تتعلّم إلا ثماني مسائل فقط*

*قال التلميذ : لم أتعلم غيرها ولا أحبّ أن اكذب عليك*

*#فقال_العالم : هات ما عندك لأسمع*

*#قال_التلميذ:*

*#الأولى : أني نظرت إلى الخلق فرأيت كلّ واحد يتخذ صاحباً ، فإذا ذهب إلى قبره فارقه صاحبُه ، فصاحبتُ الحسنات فإذا دخلتُ القبر دخلتْ معي*

*#الثانية : إني نظرت في قول الله تعالى : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنّة هي المأوى " فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله*

*#الثالثة : إني نظرت إلى الخلْق فرأيت أنّ كلّ من معه شيءٌ له قيمة حفظه حتى لا يضيع ثم نظرت إلى قول الله تعالى :"ما عندكم ينفذ وما عند الله باق " فكلما وقع في يدي شيءٌ له قيمة وجهته لله ليحفظه عنده*

#الرابعة: *أني نظرت إلى الخلق فرأيت كلاً يتباهى بماله أو حسبه أو نسبه ثم نظرتُ إلى قول الله تعالى : " إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم " فعملتُ في التقوى حتى أكونَ عند الله كريماً*

*#الخامسة :أني نظرت إلى الخلق وهم يتحاسدون على نعيم الدنيا فنظرتُ إلى قول الله تعالى*

*نحن قسْمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " فعلمتُ أن القسمة من عند الله فتركتُ الحسد عنّي ؛ ورضيت بما قسمه الله لي*

*#السادسة : اني نظرتُ إلى الخلق يعادي بعضهم بعضاً ويبغي بعضهم بعضا ويقاتل بعضهم بعضاً ونظرتُ إلى قول الله تعالى : " إنّ الشيطان لكم عدوّ فاتخذوه عدوّا " فتركتُ عداوة الخلق وتفرغتُ لعداوة الشيطان وحده*

*#السابعة:أني نظرتُ إلى الخلق فرأيتُ كل واحد منهم يُكابد نفسه ويُذلّها في طلب الرزق حتى أنّه قد يدخل فيما لا يحلّ له فنظرتُ إلى قول الله تعالى : " وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها " فعلمتُ أنّي واحدٌ من هذه الدوابّ ، فاشتغلتُ بما لله عليّ وتركتُ ما ليَ عنده*

*#الثامنة : أنّي نظرتُ إلى الخلق فرأيتُ كلّ مخلوق منهم متوكّلاً على مخلوق مثله ؛ هذا على ماله وهذا على ضيعته وهذا على مركزه ونظرتُ إلى قول الله* *تعالى : " ومن يتوكّل على الله فهو حسبه " 

فتركتُ التوكّل على المخلوق* واجتهدتُ في التوكّل على الله الخالق*

*قال له الشيخ: أنا تلميذك من الآن.*

*#ما أحقر الدنيا في تلك اللحظات!!*

*"لا إلــــــه إلا الله"*

*فما طابت الدنيا إلا بذكره**ولا طابت الآخرة إلا بعفوه *أسأل الله أن يجمعني بكم في الجنة*ويجعلنا ممن قال فيهم*

*(وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة)*

*خير الصاحب: من أحبك في الله، وذَكَّرَك بالله، وخوفك من غضب الله، ورغبك في لقاء الله*.

*نقلتها لكم وانقلوها عني*

الأحد، 4 فبراير 2024

الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز

 #عندما_كنا_عظماء

 لما تلقى عمر بن عبدالعزيز خبر توليه (للخلافة) ..انصدع قلبه من البكاء، وهو في الصف الأول . فأقامه العلماء على المنبر وهو يرتجف، ويرتعد . واوقفوه أمام الناس، فأتى ليتحدث فما استطاع أن يتكلم من البكاء .. 

قال لهم: بيعتكم بأعناقكم، لا أريد خلافتكم . فبكى الناس وقالوا: لا نريد إلا أنت ..

فاندفع يتحدث، فذكر الموت، وذكر لقاء الله .. وذكر مصارع الغابرين، حتى بكى من بالمسجد. فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه.. 

قال: لا، إنما أنا رجل من المسلمين . غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله . قربوا لي بغلتي فحسب، فركب بغلته، وانطلق إلى البيت .. فنزل من قصره، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.

نزل عمر بن عبد العزيز في غرفة في دمشق أمام الناس ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل . ثم استدعى زوجته فاطمة، بنت الخلفاء، أخت الخلفاء، زوجة الخليفة .. 

فقال لها: يا فاطمة، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام ..قال: فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة . فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال . وإن كنت تريدين الدنيا، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا . واذهبي إلى بيت أبيك، قالت: لا والله، الحياة حياتُك، والموت موتُك . وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين.

وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر . تمتد من السند شرقًا إلى الرباط غربًا ومن تركستان شمالاً، إلى جنوب أفريقيا جنوبًا .. 

ونام القيلولة في اليوم الأول، فأتاه ابنه الصالح عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز .. 

فقال: يا أبتاه، تنام وقد وليت أمر أمة محمد . فيهم الفقير والجائع والمسكين والأرملة . كلهم يسألونك يوم القيامة ..! فبكى عمر 

عاش عمر – رحمه الله تعالى – عيشة الفقراء . كان يأتدم خبز الشعير في الزيت . وربما أفطر في الصباح بحفنة من الزبيب . ويقول لأطفاله: هذا خير من نار جهنم.

أتى إلى بيت المال يزوره، فشم رائحة طيب . فسدّ أنفه، قالوا: مالك؟ قال: أخشى أن يسألني الله – عز وجل – يوم القيامة . لم شممت طيب المسلمين في بيت المال .. 

إلى هذه الدرجة، إلى هذا المستوى، إلى هذا العُمق. !

دخل عليه أضياف في الليل . فانطفأ السراج في غرفته، فقام يصلحه . فقالوا: يا أمير المؤمنين: اجلس قال: لا، فأصلح السراج، وعاد مكانه . وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز.

وقالوا لإمرأته فاطمة بعد أن توفي: نسألك بالله، أن تصِفي عمر؟ قالت: والله ما كان ينام الليل . والله لقد اقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض كما ينتفض العصفور ، قلت: مالك يا أمير المؤمنين؟ 

قال: مالي !! توليت أمر أمة محمد وفيهم الضعيف المجهد، والفقير المنكوب، والمسكين الجائع، والأرملة، ثم لا أبكي ..!! 

سوف يسألني الله يوم القيامة عنهم جميعاً، فكيف أُجيب!


المصدر

البداية والنهاية لأبن كثير /الجزء التاسع / فصل خلافة عمر بن عبدالعزيز 📚

السبت، 3 فبراير 2024

اويس القرني

 

من هو آويس القرني وماهي قصته؟

حج بالناس عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سنة ثلاث وعشرين ، قبيل استشهاده بأيام ، وكان شغله الشاغل في حجه البحث عن رجل من رعيته من التابعين يريد مقابلته ، 

وصعد عمر جبل أبا قبيس وأطل على الحجيج، ونادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد ..؟

     فقام شيخ طويل اللحية من قرن، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك قد أكثرت السؤال عن أويس هذا، وما فينا أحد اسمه أويس إلا ابن أخ لي يقال له: أويس، فأنا عمه ، وهو حقير بين أظهرنا ، خامل الذكر ، وأقل مالا ، وأوهن أمرا من أن يرفع إليك ذكره .


     فسكت عمر- كأنه لا يريده- ثم قال: يا شيخ وأين ابن أخيك هذا الذي تزعم؟ أهو معنا بالحرم؟ 

قال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين، هو معنا في الحرم، غير أنّه في أراك عرفة يرعى إبلا لنا .

فركب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهما- على حمارين لهما، وخرجا من مكة، وأسرعا إلى أراك عرفة، ثم جعلا يتخللان الشجر ويطلبانه، فإذا هما به في طمرين من صوف أبيض، قد صف قدميه يصلي إلى الشجرة وقد رمى ببصره إلى موضع سجوده، وألقى يديه على صدره والإبل حوله ترعى


- قال عمر لعلي- رضي الله عنهما-: يا أبا الحسن إن كان في الدنيا أويس القرني فهذا هو، وهذه صفته.

 ثم نزلا عن حماريهما وشدا بهما إلى أراكه ثم أقبلا يريدانه.


     فلما سمع أويس حسّهما أوجز في صلاته، ثم تشهّد وسلم وتقدما إليه فقالا له: السلام عليك ورحمة الله وبركاته. 

فقال أويس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فقال عمر- رضي الله عنه-: من الرجل؟ 

قال: راعي إبل وأجير للقوم، 

فقال عمر: ليس عن الرعاية أسألك ولا عن الإجارة، إنما أسألك عن اسمك، فمن أنت يرحمك الله؟ 

فقال: أنا عبد الله وابن أمته، 

فقالا: قد علمنا أنّ كل من في السموات والأرض عبيد الله ...، وإنّا لنقسم عليك إلا أخبرتنا باسمك الذي سمّتك به أمّك ...، 

قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ أنا أويس بن عبد الله. فقال عمر رضي الله عنه :الله أكبر، يجب أن توضح عن شقك الأيسر، 

قال: وما حاجتكما إلى ذلك ؟ 

فقال له علي- رضي الله عنه-: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفك لنا، وقد وجدنا الصفة كما خبرنا، غير أنّه أعلمنا أن بشقك الأيسر لمعة بيضاء كمقدار الدينار أو الدرهم، ونحن نحب أن ننظر إلى ذلك، فأوضح لهما ذلك عن شقه الأيسر.

فلما نظر علي وعمر- رضي الله عنهما- إلى اللمعة البيضاء ابتدروا أيهما يقبل قبل صاحبه، 

وقالا: يا أويس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقرئك منه السلام، وأمرنا أن نسألك أن تستغفر لنا، فإن رأيت أن تستغفر لنا- يرحمك الله- فقد أخبرنا بأنك سيد التابعين، وأنّك تشفع يوم القيامة في عدد ربيعة ومضر .

فبكى أويس بكاء شديدا، ثم قال: عسى أن يكون ذلك غيري، 

فقال علي- رضي الله عنه-: إنا قد تيقنا أنك هو، لا شك في ذلك، فادع الله لنا رحمك الله بدعوة وأنت محسن. فقال أويس: ما أخص باستغفار نفسي، ولا أحد من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في ظلم الليل وضياء النهار، ولكن من أنتما يرحمكما الله؟ فإني قد خبرتكما وشهرت لكما أمري، ولم أحب أن يعلم بمكاني أحد من الناس، 

فقال علي- رضي الله عنه-: أما هذا فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، وأما أنا فعلي بن أبي طالب، فوثب أويس فرحا مستبشرأ فعانقهما وسلم عليهما ورحب بهما، وقال:جزاكما الله عن هذه الأمة خيرا. قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا.


ثم قال أويس: ومثلي يستغفر لأمثالكما؟ فقالا: نعم، إنا قد احتجنا إلى ذلك منك، فخصّنا- رحمك الله- منك بدعوة حتى نؤمن على دعائك، فرفع أويس! رأسه، وقال!:اللهم إنّ هذين يذكران أنهما يحباني فيك، وقد رأوني فاغفر لهما وأدخلهما في شفاعة نبيهما محمد صلى الله عليه وسلم.


فقال عمر- رضي الله عنه- مكانك- رحمك الله- حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي، وفضل كسوة من ثيابي، فإني أراك رث الحال، هذا المكان الميعاد بيني وبينك غدا. 

فقال: يا أمير المؤمنين، لا ميعاد بيني وبينك، ولا أعرفك بعد اليوم ولا تعرفني. ما أصنع بالنفقة؟ وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى عليَّ إزارا من صوف ورداءاً من صوف؟ متى أراني أخلِفهما؟ أما ترى نعليَّ مخصوفتين، متى تُراني أبليهما؟ ومعي أربعة دراهم أخذت من رعايتي متى تُراني آكلها ...؟

يا أمير المؤمنين: إنّ بين يدي عقبة لا يقطعها إلاّ كل مخف مهزول ...، فأخف- يرحمك الله- يا أبا حفص، إن الدنيا غرارة غدارة، زائلة فانية، فمن أمسى وهمته فيها اليوم مد عنقه إلى غد، ومن مد عنقه إلى غد أعلق قلبه بالجمعة، ومن أعلق قلبه بالجمعة لم ييأس من الشهر، ويوشك أن يطلب السنة، وأجله أقرب إليه من أمله، ومن رفض هذه الدنيا أدرك ما يريد غدأ من مجاورة الجبار، وجرت من تحت منازله الثمار.

فلما سمع عمر- رضي الله عنه- كلامه ضرب بدرته الأرض، ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، ليتها عاقر لم تعالج حملها. ألا من يأخذها بما فيها ولها؟

فقال أويس: يا أمير المؤمنين! خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا. ومضى أويس يسوق الإبل بين يديه، وعمر وعلي- رضي الله عنهما- ينظران إليه حتى غاب فلم يروه، 

وولىّ عمر وعلي- رضي الله عنهما- نحو مكة وحديث فضل أويس القرني، وأنّه لو أقسم على الله لأبرّه، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر-رضي الله عنه- : ( إن استطعت أن يستغفر لك فافعل ) ثابت في صحيح مسلم وغيره .


[  إذا نافسك الناس على الدنيا أتركها لهم ، وإن نافسوك على الآخرة ، فكن انت أسبقهم ؛ فإن الله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الآخرة إلا لمن  يحب ]


*كم من مشهور في الأرض

 "مجهول في السماء "

*وكم من مجهول في الأرض

" معروف في السماء "

المعيار التقوى وليس الأقوى !!!

تستحق القراءة و التأمل

الأحد، 28 يناير 2024

ابو محذورة مؤذن مكة وصاحبي

 

أبو محذورة مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم

في شهر شوال من السنة الثامنة من الهجرة النبوية، وفي طريق عودة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بعد غزوة حنين، لقيه أبو محذورة فأسلم وأصبح مؤذنا للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو ابن ست عشرة سنة, قال ابن عبد البر: "قال الزبير: كان أبو محذورة أحسن الناس أذانا، وأنداهم صوتا". وقال الذهبي: "أبو مَحْذُورَةَ الجُمَحِيّ، مؤذِّن المسجد الحرام، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم .. كان من أنْدَى الناس صَوتًا وأطْيَبِه". وقال ابن القيم في "زاد المعاد": "كان له صلى الله عليه وسلم أربعة مؤذّنين، اثنان في المدينة: بلال بن رباح، وهو أول من أذَّن له، وعمرو بن أم مكتوم القرشي العامريّ الأعمى، وبقباء سعد القرظ مولى عمار بن ياسر، وبمكة أبو محذورة".

وقصة إسلام أبي محذورة رضي الله عنه فيها من العجب ما فيها، فقد بدأت باستهزائه بالأذان، ثم انتهت بإسلامه، بل وأصبح مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وكان عمره حينئذٍ ست عشرة سنة. فقد أخبر رضي الله عنه أنه لما سمع الأذان وهو مع بعض أصحابه خارج مكة أقبلوا يستهزؤون ويقلدون صوت المؤذن غيظاً، وكان أبو محذورة من أعلاهم وأحسنهم صوتا، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر به فوقف بين يديه وهو يظن أنه سيعاقبه عقاباً شديداً على استهزائه بالأذان ـ وهو شعيرة الإسلام ـ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، عامله برحمة ورفق، ومسح ناصيته وصدره بيده، فكان ذلك سبباً في إسلامه، وامتلأ قلبه إيماناً ومحبة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: (فذهب كلُّ شيءٍ كانَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مِن كراهيةٍ، وعاد ذلك كله محبَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم).

عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: (خَرجتُ في نفرٍ، فَكُنَّا ببعضِ الطَّريق، فأذَّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصَّلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذِّن ونحن عنه مُتنَكِّبون، فصَرخنا نحكيه (نقلده)، نهْزأُ بِه، فسمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأَرسل إلينا قوماً، فأقعدونا بين يديه، فقال: أيُّكم الذي سَمِعْتُ صوته قدِ ارتفع؟ فأشار إليَّ القوم كلُّهُم، وصدقوا، فأرسل كلَّهُم وحبَسَني، وقال لي: قُمْ فأذِّن، فقُمتُ ولا شيءَ أَكْرَهُ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مِمَّا يأمرُني بِه، فقمتُ بينَ يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التَّأذين هو بنفسه، فقال: قل: اللَّهُ أَكْبر، اللَّهُ أَكْبر، اللَّهُ أَكْبر، اللَّهُ أَكْبر، أشهد أن لا إلَه إلَّا اللَّه، أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، أشهد أنَّ محمَّداً رسولُ اللَّه، أشهد أنَّ محمَّداً رسول اللَّه، ثمَّ قال لي: ارفَع من صوتك، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، أشهد أنَّ محمَّدا رسول اللَّه، أشهد أنَّ محمَّدا رسولُ اللَّه، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، اللَّهُ أَكْبر، اللَّهُ أَكْبر، لا إله إلَّا اللَّه. ثمَّ دعاني حين قَضيتُ التَّأذين، فأعطاني صُرَّةً فيها شيءٌ مِن فضَّة، ثمَّ وضع يده على ناصية أبي محذورة، ثمَّ أمرَّها على وجهه، ثمَّ على ثدييه، ثم على كبده، ثمَّ بلغَت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُرَّةَ أبي محذورة، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك اللَّهُ لك، وبارك عليك، فقُلتُ: يا رسول اللَّه أمرتَني بالتَّأذينِ بمَكَّة؟ قال: نعم، قد أمرتُك، فذَهَبَ كلُّ شيءٍ كانَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم مِن كراهيةٍ، وعاد ذلك كله محبَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقَدِمْتُ على عتَّابِ بنِ أَسيدٍ، عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَكَّةَ، فأذَّنتُ معه بالصَّلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
أصبح أبو محذورة رضي الله عنه منذ ذلك اليوم مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، واشتهر عنه أنه لم يكن يحلق مقدمة رأسه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما علمه الأذان مسح على مقدمة رأسه، ففي مسند أحمد: ".. وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها".

السيرة النبوية زاخرة بالأمثلة والمواقف الدالة على عفو النبي صلى الله عليه وسلم عمن آذاه، ورحمته حتى بمن أراد قتله من المشركين وحارب الإسلام وصدَّ عنه, ومما يدعو إلى العجب أن من مطاعن وافتراءات أعداء الإسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم اتهامه بالشدة والعنف، مع أن رحمته صلوات الله وسلامه عليه من أخص شمائله وأخلاقه، التي لم تفارقه في سائر أوقاته وأحواله، والتي شملت المؤمن والكافر، ومن آذاه ومن لم يؤذه، وقد قال الله تعالى عنه وعن رسالته: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)، وعندما قيل له: ادعُ على المشركين، قال صلى الله عليه وسلم: (إنِّي لم أبعث لعَّاناً، وإنما بُعِثْتُ رحمة) رواه مسلم.

لقد كان لأسلوب الرحمة والعفو الذي اتصف به نبينا صلى الله عليه وسلم من الآثار الإيجابية التي تغير نفس من تعرض له بالإيذاء، وكان كافراً صادَّاً عن سبيل الله، فمن المشركين من كان يأتي وفي نيته قتله صلى الله عليه وسلم، وليس على وجه الأرض من هو أبغض إليه منه، ويعود وقد آمن، وليس على وجه الأرض من هو أحب إليه منه صلوات الله وسلامه عليه، ومنهم من كان قبل إسلامه معانداً للإسلام مستهزئاً به، فأصبح بعد إسلامه من كبار الصحابة الذين كان لهم الأثر الكبير في تاريخ الإسلام والمسلمين، وذلك لعفوه ورحمته وإحسانه وخلقه العظيم صلى الله عليه وسلم.. وأبو محذورة رضي الله عنه من هؤلاء الصحابة الكرام، فقد بدأت قصة إسلامه باستهزائه بالأذان وهو شعيرة الإسلام، ثم انتهت بإسلامه، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان، ومَسَح مقدمة رأسه، ودعا له بالبركة، فتحول بغضه للنبي صلى الله عليه وسلم إلى محبة شديدة، بل وأصبح مؤذناً للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة.

فوائد القصة9:

١- انتقاء صاحب الصوت الندي لأجل الأذان، لأن صاحب الصوت الندي يُسمع له، وينجذب الناس لأذانه،
٢- استعمال المال لتأليف قلوب الكفار. وكان عليه الصلاة والسلام يستخدم المال في تأليف قلوب الكفار، وربما دخل في الدين أناس كثيرون بسبب التأليف بالمال.
٣- أهمية الدعاء بالبركة.
٤- أن الإنسان إذا كان عدواً للدين، مستهزئاً بشعيرة من شعائره، فإن من كفارة ذلك أن يقوم بعمل ديني يخدم به الدين.
٥-- أن رفقة السوء تساعد على الوقوع في الباطل.
٦- أن مشاعر الإنسان يمكن أن تتغير في لحظة.
٧- أن حسن معاملة الداعية المسلم .
٨- أهمية  تجريد الشخص من أعوانه الفجرة حتى يكون ادعى لهدايته كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن استفراد الداعية بالمدعو يجعل التأثير ممكناً أكثر.
٩- هيبة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما أُتى بهؤلاء الكفرة وقال لهم: ((أيكم الذي سمعت صوته؟)) ما استطاعوا أن يكذبوا عليه، بل كلهم أشار إلى أبي محذورة.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الخميس، 25 يناير 2024

رجال مسلمون يصلّون على جنازة جندي يلفّه علم "إسرائيل".. لماذا يقاتل البدو بصفوف جيش الاحتلال؟

 


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رجال مسلمون يصلّون على جنازة جندي يلفّه علم "إسرائيل"..
 لماذا يقاتل البدو بصفوف جيش الاحتلال؟

شبكة البصرة

خير الدين الجابري

في مشهد عبثي وغير مفهوم لدى كثيرين، وقف مجموعة من الرجال يصلّون جنازة الجندي الإسرائيلي "أحمد أبو لطيف" (مسلم الديانة) في مدينة رهط البدوية جنوب فلسطين المحتلة، حيث كان التابوت الذي يحمل ربما أشلاءه ملفوفاً بعلم دولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعدما قُتل مع مجموعة كبيرة من زملائه (24 ضابطاً وجندياً) في عملية مركبة نفذتها كتائب القسام في مخيم المغازي وسط قطاع غزة، عندما كان يتجهز هؤلاء الجنود لتفجير عدة منازل في أحد أحياء المخيم.

وتزداد عبثية وغرابة المشهد عند تصفح حساب "أحمد أبو لطيف" (26 عاماً) على "فيسبوك"، حيث تجده في صورته الشخصية واقفاً له مع والديه في المسجد الأقصى، إذ ترتدي والدته التي تقف إلى جانبه الزي الفلسطيني "الثوب"، فيما يعتمر والده طاقية الحجاج البيضاء. وتجده أيضاً يضع دعاءً في صورة غلاف صفحته كُتب فيه: "اللهم اجعل همي الآخرة… ولا تأخذنا إلا وأنت راض عنا"!

فكيف لشاب مسلم وعربي يدعو الله أن "يجعل همه الآخرة" أن يقاتل مع جيش الاحتلال ويشارك في قتل آلاف الأطفال والنساء من المسلمين في غزة ويفخخ منازلهم ومساجدهم؟ وكيف لمجموعة من المسلمين أن يصلّوا على جنازة ملفوفة بعلم الاحتلال الإسرائيلي ونجمته السداسية؟ الجواب الأوّلي ببساطة: هو أن فكرة الصهيونية الإحلالية لا تعرف ديناً، وقد يكون أتباعها يهوداً ومسلمين ومسيحيين وغير ذلك.

لكن المهم هنا، كيف وصل أمثال "أحمد أبو لطيف" للخدمة تحت العلم الإسرائيلي، ولماذا يقاتل البدو في الجيش الإسرائيلي، ومنذ متى يفعلون ذلك وعلى أي أساس؟

 

لماذا يقاتل البدو في الجيش الإسرائيلي؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من فهم السياق التاريخي لبدو النقب، حيث بدأت حكايتهم مع "إسرائيل" -كحال معظم الشعب الفلسطيني- بعد احتلال منطقة النقب (جنوب فلسطين) عام 1948، إذ وضعت "إسرائيل" على رأس أولوياتها "تطهير" النقب من السكان البدو، الذين كانت تتراوح أعدادهم قبل النكبة ما بين 70 إلى 90 ألف نسمة، إلا أنه بعد تهجير الكثير منهم في صحراء النقب أو نحو الأردن وصحراء سيناء وقطاع غزة، وتدمير العديد من قراهم، لم يبقَ منهم في عام 1953 إلا 11 ألف نسمة.

وفي أواخر عام 1953 أصدرت الأمم المتحدة تقريراً ذكرت فيه أن 7 آلاف بدوي من النقب جرى ترحيلهم إلى مناطق قريبة من الأردن وإلى غزة وسيناء، اللتين كانتا خاضعتين للحكم المصري، إلا أن الكثير منهم انسلَّ وعاد لأراضيه متسللاً عبر الحدود.

وكانت منطقة النقب تحظى باهتمام كبير من قِبل الحركة الصهيونية حتى قبل "قيام الدولة" لمساحتها الكبيرة وموقعها الاستراتيجي، فقبل 11 عاماً من "قيام دولة إسرائيل" على أنقاض أراضي الفلسطينيين، بعث ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لـ"إسرائيل" برسالة إلى ابنه يقول فيها: "أراضي النقب محفوظة للمواطنين اليهود متى شاءوا وأينما شاءوا، لا بد من طرد العرب وأخذ مكانهم".

وتحدث موشيه دايان، قائد القوات الإسرائيلية في حرب عام 1967، وأكثر القادة العسكريين شهرةً عمّا يدور في خلد الإسرائيليين، عندما تنبأ بقرب زوال الوجود البدوي في الجنوب، حتى لو تم ترحيلهم بقوة السلاح.

وأسباب هذا العداء الذي يكنه القادة الإسرائيليون للبدو ذات شقين، فالحكومات الإسرائيلية التي كانت تسعى إلى بسط سيطرتها على الأرض والسكان، كان يساورها القلق حيال نسبة الإنجاب عند البدو، وهي من أعلى نسب الإنجاب في الداخل. كما أن نمط حياة البادية القائم على الترحال يجعل من المستحيل ضبط تحركاتهم ومراقبة أنشطتهم كما هو حاصل بالنسبة للتجمعات السكنية العربية الثابتة.

وتعتبر النقب التي تبلغ مساحتها ثلثي مساحة الدولة، أفضل بقعة شاسعة لاستيعاب موجات الهجرة اليهودية مستقبلاً، كما أن الطبيعة القاحلة لهذه الصحراء وصعوبة اختراقها أو مشاهدة التحصيانات فيها، جعلها مكاناً معقولاً لإنشاء القواعد العسكرية والعمليات الحساسة. فقد تم على سيبل المثال إنشاء المفاعل النووي الإسرائيلي بالقرب من بلدة ديمونا في النقب، كما تعترف ضمناً بذلك الترسانة النووية الإسرائيلية.

 

كيف تعاملت "إسرائيل" مع سكان بدو النقب على مدار عقود؟

عملت الحكومات الإسرائيلية بعد عام 1948 بلا هوادة، من أجل محو ظاهرة البدو عن الوجود ومنع تحركهم وتغيير نمط حياتهم البدوية بالكامل، من خلال منعهم من الهجرة الموسمية مع قطعانهم وزراعة أراضيهم.

فالبدو الذين لم يُهجَّروا تعرّضوا للترهيب والتهديد لترك مضاربهم وقراهم إبان الحرب، فرّوا في الخمسينات، إما إلى وسط البلاد حيث اشتغلوا كعمال متدني الأجور، وإما إلى منطقة صغيرة المساحة نسبياً في النقب الشمالي. أما باقي منطقة النقب وتبلغ مساحتها 85% من المساحة الإجمالية هناك، فقد تم الإعلان عنها كحدود تضم كتلاً من المناطق العسكرية والمحميات الطبيعية.

ويطلق على المنطقة التي يتجمع فيها البدو في النقب "منطقة الحصار"، حيث تم إنشاء حلقة محكمة من المستوطنات اليهودية لاحتواء البدو، حيث أخذت أراضيهم تُلتهم شيئاً فشيئاً جراء إنشاء المزيد من المناطق الصناعية والقواعد العسكرية والمحميات الطبيعية، إضافة إلى مطار. وكل قرية من القرى البدوية محاصرة ومفصولة عن سائر القرى البدوية الأخرى بمزارع يهودية ومستوطنات ومدن تطوير، حيث يعيش السكان البدو في النقب على 2% فقط من المساحة الإجمالية.

ظلَّت "إسرائيل" منذ الستينيات تُصنِّف التجمعات السكنية البدوية بالنقب كتجمعات مبعثرة، وعرضت الدولة على البدو الانتقال إلى واحد من سبعة مخيمات تم إنشاؤها في السبعينات، حيث سكن نصف البدو (عددهم اليوم نحو 350 ألفاً) في هذه البلدات التي تتقوقع عند أدنى معدلات التطور الاقتصادي والاجتماعي. أما بالنسبة للفرد الذي يرفض عرض الدولة فقد يضطر للعيش في قرى غير معترف بها، وهذا يعني أنه محروم من تلقي الخدمات العامة كالمياه والكهرباء والعيادات الصحية والمدارس.

خلق الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يهدم القرى في النقب حتى اليوم مثل قرية العراقيب (تم هدمها أكثر من 200 مرة) عالمين مختلفين بشكل صادم للبدو واليهود في النقب، ويتم تقنين الفصل المادي الذي تم تحقيقه من خلال مصادرة الأراضي وتخطيطها بموجب القوانين، التي أيدتها المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 1988، والتي تحظر على البدو استئجار الأراضي في المدن اليهودية، وتحظر على اليهود تأجيرها.

توجد فوارق مروعة بين المناطق البدوية واليهودية في النقب اليوم، حيث تقع البلدات البدوية في أسفل التصنيف الإسرائيلي لجميع المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية تقريباً. ووفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، فإن أفقر خمس مناطق في "إسرائيل" هي جميعها بلدات بدوية.

بل إن الوضع أكثر خطورة في القرى غير المعترف بها، والتي يسكنها ما يقرب من 100 ألف مواطن بدوي تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولم تظهر القرى غير المعترف بها على أي خريطة رسمية منذ ذلك الحين، بعد استبعادها من الخرائط التي رافقت المخطط الرئيسي لعام 1966.

وتعتبر جميع المباني في هذه القرى، بما في ذلك المنازل، غير قانونية، وبالتالي فهي مرشحة للهدم بموجب قانون البناء والتخطيط. يوجد حالياً ما يصل إلى 46 قرية "غير معترف بها" في النقب، بما في ذلك القرى البدوية التاريخية والقرى التي تم بناؤها بعد عام 1948 من قبل البدو الذين أُجبروا على العيش في السياج.

تم استبعاد البدو الفلسطينيين في النقب بشكل منهجي من قرارات التخطيط الإسرائيلية، التي كانت وما زالت مدفوعة بأجندة "التهويد" الصهيونية، عبر إجبارهم على سبيل المثال بأداء الخدمة العسكرية، والادعاء بأنهم مواطنون إسرائيليون ولهم حقوق وواجبات في هذه الدولة، رغم تهميشهم في الواقع وإفقارهم، وعدم توظيفهم في مؤسسات الدولة إلا بوظائف متدنية جداً.

 

"كتيبة الدورية الصحراوية".. قصة الوحدة البدوية في الجيش الإسرائيلي

على مدار عقود من الاحتلال وتفتيت المجتمع وتقييد حركته، حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة زرع بذور الشقاق بين أوساط السكان العرب لمنع رصّ الصفوف لمواجهة سياسة التمييز التي تنتهجها الدولة ضدهم. ووجد السكان البدو على وجه الخصوص أنفسهم في معزل جغرافياً واجتماعياً عن المواطنين العرب جنوباً في الصحراء.

واستخدمت "إسرائيل" وسيلة ناجعة لسلخ البدو عن المسلمين والمسيحيين، تتمثل في الضغط عليهم لأداء الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي مثل الدروز، والعمل كقصاصي أثر في الصحراء لخبرتهم بها، علماً أن أبناء الطائفة الدرزية الصغيرة يخدمون في الجيش منذ وقت مبكر.

بناءً على ذلك، أنشأ الجيش الإسرائيلي في عام 1987 "كتيبة البدو"، أو "كتيبة الدورية الصحراوية"، والتي تخدم فيها مجموعة من البدو العرب (الغالبية العظمى) وغيرهم من أتباع ديانات أو طوائف غير اليهودية. في البداية كانت هذه الكتيبة تابعة لقيادة الجبهة الداخلية في لواء الجنوب في الجيش الإسرائيلي، ثم وضعت تحت إمرة قيادة منطقة غزة في الجيش الإسرائيلي.

قبل ذلك نشأت هذه الكتيبة كوحدة صغيرة من الجنود البدو المحاربين لشغل مهام الاستطلاع والكشف عن الأثر والمراقبة على حدود قطاع غزة، وسميت بـ"وحدة قصاصي الأثر" في سبعينيات القرن الماضي، ومع مرور الوقت زاد عدد المنتمين لها، وتم دمج وحدة من الجيش الإسرائيلي لها، ليصبح فيها خلط ما بين غير البدو والبدو والمسيحيين، وتتطور إلى ما يعرف لاحقاً بـ"كتيبة البدو".

ويتدرب جنود الكتيبة في قاعدة لواء جفعاتي في كتسيعوت مع بقية جنود هذا اللواء. ومواقع قيامهم بالعمليات العسكرية في قطاع غزة والمناطق المحيطة بالقطاع. وتولت الكتيبة سلسلة من العمليات الحربية في محور فيلادلفيا جنوبي قطاع غزة، بعد اندلاع انتفاضة الأقصى. وقامت الكتيبة بشكل خاص بمراقبة الحدود مع مصر لمنع ما تسميه إسرائيل تهريب السلاح لمنظمات إرهابية. وتمكنت المقاومة الفلسطينية من تسديد ضربات موجعة جداً لهذه الكتيبة، إذ قتلت عدداً من جنودها، ومن أبرز العمليات التي حققت فيها نجاحاً تلك التي جرت في نهاية عام 2004 بالقرب من معبر رفح، وسميت بـ"أنفاق الجحيم"، حينما تمت تصفية خمسة من جنود هذه الكتيبة على يد مقاومين فلسطينيين.

 

مشروع فاشل.. أعداد مقاتلي البدو في الجيش الإسرائيلي تتراجع وتنحسر

في تقرير نشره موقع "واللا" العبري عام 2021، يخدم في صفوف الجيش الإسرائيلي حالياً 1514 شاباً عربياً بدوياً، بمن في ذلك 84 ضابطا؛ ضابط واحد برتبة عقيد، و10 برتبة مقدم، بالإضافة إلى ذلك يخدم بشكل دائم (في سياق الخدمة العاملة) 287 مقاتلاً بدوياً في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وفي العام 2016، ذكر التقرير أن حجم التجنيد في صفوف الشبان البدو كان منخفضاً، وبلغ 339 جندياً بدوياً، وارتفع في العام 2017 إلى 448، ومنذ ذلك الحين شهد عدد الشبان البدو الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي تذبذباً، إلى أن سجل في العام 2020 زيادةً أخرى إثر تجنيد 606 شباب من البدو.

وشدد التقرير على أن العام 2021 شهد انخفاضاً في أعداد الشباب البدو الذين يقبلون على الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وذكر أنه لا يمكن التعرف على حجم هذا التراجع في هذه المرحلة؛ إذ إن الجيش لا يكشف عن البيانات الدقيقة.

وفيما يتعلق بحجم تسرب الشباب البدو من الجيش الإسرائيلي بعد التحاقهم بالخدمة، بلغت نسبة المتسربين في العام 2018 حوالي 31%، وفي العام 2019 بلغت 30% وفي العام 2020 بلغت 23%، في معدلات تعتبر مرتفعة مقارنة مع نسب التسرب العامة من الجيش الإسرائيلي التي بلغت بين الأعوام (2018 و2020) 13 و15 و12% على الترتيب.

كما واصلت نسبة التسرب في أوساط الشباب البدو العرب من صفوف الجيش، الارتفاع في العام 2021 كذلك، رغم أن الأرقام الدقيقة غير متوفرة. وكان عام 2014 قد شهد انخفاضاً في أعداد العرب البدو المنتسبين للجيش الإسرائيلي، ليصل عددهم إلى 280 جندياً، بينما كان عددهم قبل سنتين 320 متجنّداً، خلافاً لما كان عليه قبل عقد، إذ وصل عدد المنتسبين إلى 400 متجند.

تقدّر جهات حكوميّة إسرائيلية أنّ الأسباب الكامنة وراء انخفاض أعداد المنتسبين للجيش الإسرائيلي من العرب البدو متعددة، مثل ممارسة التمييز في الوظائف ضدهم داخل إسرائيل، وكذلك عزلتهم في مجتمعهم العربي.

كما أن هناك أسباباً سياسيّة، أهمّها "مخطّط برافر" الذي أُعد لاقتلاع وتهجير مئات الآلاف من العرب البدو في النّقب، وتجميعهم في مناطق سكنيّة مكثّفة، ناهيك عن أن الانتفاضة الثانية لعبت دوراً كبيراً في تثبيط رغبة من رغب من العرب البدو بالتجند للجيش الإسرائيلي، لما رأوه من سياسة إسرائيلية عدوانية تنتهجها المؤسسة الرسمية تجاه الفلسطينيين في الداخل، على اختلاف انتماءاتهم.

زاد الأمر سلبيةً بالنسبة لـ"إسرائيل" عندما اندلعت أحداث "هبّة الكرامة" خلال معركة "سيف القدس" عام 2021، حيث يقول المراسل العسكري لموقع "واللا"، أمير بوحبوط، إن التراجع في أعداد المنتسبين من البدو إلى الجيش الإسرائيلي أو المتسربين من الخدمة ارتفع بشكل كبير، بعد ما يُعرف بـ"هبَّة الكرامة"، التي وقعت فيها صدامات بين العرب واليهود في الداخل، كما "ارتفع مستوى التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي بين الطرفين خلال الهبة الشعبية".

وأشار بوحبوط إلى تحقيق معمق أجراه الجيش الإسرائيلي بأوامر مباشرة من رئيس أركانه، أفيف كوخافي، حول ما وُصف بـ"ظاهرة" رفض الشباب البدو الخدمة العسكرية وانسحابهم من صفوف الجيش.

وفي إطار التحقيق، رُصدت عشرات المنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي، نُشرت بواسطة أشخاص عرّفوا أنفسهم بأنهم "جنود بدو في الجيش الإسرائيلي"، دعوا من خلالها إلى رفض الخدمة العسكرية أو أعلنوا انسحابهم من صفوف الجيش.

وصف التقرير "الواقع على الأرض" بأنه أسوأ بكثير، مشيراً إلى مشاركة الشباب البدو في المواجهات التي اندلعت، في مايو/أيار 2021، في سياق الهبة التي شهدتها المدن والبلدات العربية والمختلطة؛ دفاعاً عن الوجود العربي من هجمات المستوطنين والمتطرفين اليهود بحماية أجهزة الأمن الإسرائيلية.

 

العزلة والنبذ والفشل بالاندماج.. وربما الموت في غزة

تصف وسائل إعلام عبرية الجنود البدو في الجيش الإسرائيلي بأنهم يعيشون في أوضاع صعبة للغاية، حيث إنهم وجدوا أنفسهم في حالة من النبذ والعزلة هم وعائلاتهم من قِبل المجتمع العربي في النقب، الذي قدم خلال سنوات الانتفاضة الثانية العديد من الشهداء والأسرى المحكومين بمدد طويلة.

ومنذ سنوات الانتفاضة الثانية نظّم السكان العرب في النقب حملات عديدة لإرغام المجندين البدو على ترك الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي، عبر فرض مقاطعة عليهم، ومنع التعامل معهم أو تزويجهم. وفي عام 2001 فشل الجيش الإسرائيلي في توظيف إمام مسلم للعمل في صفوفه، لمساعدة المجندين العرب الذين يخدمون في الجيش، أو حتى الصلاة عليهم بعد مقتلهم.

ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون للاتصال برئيس هيئة السلطات المحلية العربية البدوية في النقب، حسن الهيب، للمساعدة في تأمين إمام مسلم للعمل في صفوف الجيش الإسرائيلي، بعد رفض أئمة المساجد المشاركة في صلاة الجنازة على عدد من الجنود الاسرائيليين العرب وفق الشريعة الإسلامية.

في الوقت نفسه لم يستطع هؤلاء الجنود الذين همّشتهم دولة الاحتلال نفسها وأفقرت مناطقهم، الاندماج في المجتمع اليهودي والحصول على وظائف بعد انتهاء خدمتهم العسكرية.

فقد كشف تقرير متلفز لقناة "كان" الإسرائيلية، في فبراير/شباط 2022، عن تراجع كبير في معدل تجنيد الشباب البدو خلال السنوات الأخيرة. قائلاً إنهم "التحقوا بالجيش ضد رغبة عائلاتهم"، وإنهم "يعانون من العزلة داخل مجتمعهم العربي الرافض لمثل هذه الخطوة". ويشير التقرير إلى أن الجنود البدو "يلاقون التمييز داخل المجتمع الإسرائيلي، ولا يتم قبولهم في الوظائف التي ظلت حكراً على اليهود" منذ عقود طويلة.

وقالت كارميلا مينشا، وهي صحفية إسرائيلية تعمل مراسلةً عسكريةً، إنها تلقت مؤخراً العشرات من الرسائل من قِبل ضباط وجنود بدو بالجيش الإسرائيلي، يشتكون من أوضاعهم السيئة.

وبحسب قناة كان، لا يصل الضباط البدو في الجيش الإسرائيلي إلى الدرجات والرتب التي يحظى بها نظراؤهم اليهود، فهم لا يتخطون رتبة عقيد، وتقول مينشا حول ذلك: "أجري الكثير من المحادثات الطويلة مع جنود ومجندات عرب، ليس لديهم نقود، يجب منحهم حزمة مساعدات بعد التسريح، تختلف عن تلك التي يحصل عليها الجنود اليهود".

وقد يكون خير مثال على هذا التهميش الجندي أحمد أبو لطيف نفسه، الذي افتتحت بقصته هذا التقرير، حيث كان أحمد يعمل في وظيفة متدنية، وهي حارس أمن في جامعة بن غوريون في النقب. ونجحت العديد من وسائل الإعلام العبرية خلال الحرب باستخدامه في دعايتها للعالم، بأن المجتمع الإسرائيلي موحد في مواجهة "إرهاب حماس"، وأن "الجيش الإسرائيلي يضم مقاتلين مسلمين مستعدين للموت في سبيل استمرار هذه الدولة".

حيث نشرت "تايمز أوف إسرائيل"، أن "أحمد أبو لطيف يؤكد إيمانه بالتعايش المشترك بين مختلف المجموعات في إسرائيل". مضيفاً أنه "يفتخر بأنه بدوي يخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي… وأن له الشرف في الدفاع والحماية في خدمة ذات قيمة كبيرة لن ينساها أبداً".

وفي لقاء آخر مع موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بعد بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، قال أبو لطيف: "اليوم، غزة مختلفة تماما. هناك منظمة إرهابية لا تفرق بين يهودي وعربي. مجتمعي البدوي، أعطى الكثير للبلاد، أثبتنا من نحن وما هي قيمتنا. قُتل الكثير من البدو. جنودنا في الجيش أعطوا كل ما يملكون للدولة".

بالفعل، أعطى أبو لطيف وأمثاله من الجنود البدويين كل ما يملك وأغلى ما يملك لإسرائيل، وهي روحه التي باعها في سبيل دولة احتلال قاتلت أجداده وسرقت أرضه في النقب، وتركته في براثن الفقر والتهميش، وحتى عزلة ستمتد لأولاده وربما أحفاده بعد مقتله خلال محاولته مع زملائه الإسرائيليين الآخرين، تفخيخ منازل مدنيين عزّل في قطاع غزة، تمهيداً لتفجيرها، والاحتفاء بذلك في مقاطع فيديو على "تيك توك"، لولا أن خرج مقاتل غير معروف يحمل على كتفه قذيفة الياسين (105) في مخيم المغازي، ليحيل أحمد ومن معه إلى قتلى، في أكبر مقتلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في معركته البرية بقطاع غزة.

عربي بوست

شبكة البصرة

الاربعاء 12 رجب 1445 / 24 كانون الثاني 2024

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
المقالات والتقارير والاخبار المنشورة في شبكتنا لا تعبر عن راي الشبكة بل عن راي الكاتب فقط

الثلاثاء، 23 يناير 2024

اللهم انصر اهل غزة وكن معهم

 ‏🇵🇸 اللهم ثبت المجاهدين بغزة 

اللهم سدد رميهم وثبت أقدامهم واربط على قلوبهم واقذف الرعب في قلوب اليهود ومن والاهم. 

اللهم اجعل غزة وعموم فلسطين مقبرة لليهود ومن والاهم ويقاتل معهم

اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام اليهود ومن والاهم

اللهم فرق كلمتهم واجعل بأسهم بينهم شديد يا رب العالمين 

يا غوثنا إذا قل المعين، نستغيث بك لأهلنا في غزة ونستغيث بك للأطفال وللنساء والرجال والشيوخ والدواب والاشجار والمساجد فيها 

ربنا هذه أيدينا مرفوعة إليك وهذا ضعفنا ظاهر بين يديك وهذا ذلنا لا يخفي عليك 

اللهم إنا واقفون ببابك متذللين على أعتابك نرجو رحمتك ونخشى عذابك نستغيث بك لأهَلْ غزة  

اللهم اقهر أعداءهم من اليهود والصهاينة ومن والاهم وتعاطف معهم، 


 اللهم كن لأهَلْنا في غزة عونا ونصيرا وخفف عنهم آلامهم ومعاناتهم يا أكرم الأكرمين 

اللهم فك أسر أسراهم، واشف مرضاهم وداوي جرحاهم، واطعم جائعهم، واسقي عطشانهم، وقوي ضعيفهم، وسدد رميهم، واجمع كلمتهم يارب العالمين، 


يا من كتبت العزة لك ولرسولك وللمؤمنين 

ويا من بيده ملكوت كل شيء يا الله 

يا ناصر المؤمنين يا غياث المستغيثين

اللهم يا من نصرت القلة المستضعفة في بدر ومؤتة 

ويا من صرفت الأحزاب بقدرتك وجندك 

انصر المجاهدين في غزة واصرف عنهم اليهود والصهاينة المتكبرين المتجبرين يا من لا يعلم جندك الا انت يا عظيم

 

 يارب لقد انزلت في كتابك: 

﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [ الأنفال: 12] 


يا ودود يا ودود يا ودود ياذا العرش المجيد نسألك يا غياث المستغيثين مدد من عندك وجيش من الملائكة مردفين يدمر اركان اليهود 

اللهم زلزل الارض من تحت اقدام اليهود وبث الرعب في قلوبهم 

ياقهار ياقهار ياقهار 

ياجبار ياجبار ياجبار 

اللهم كن مع اهلنا في غزة وكل فلسطين 

حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ 


 اللهم  يارب يامهيّئ الأسباب هيّء للمجاهدين في غزة من أمرهم رشداً يا الله

  اللَّهُمَّ أَغِثْ أهلَ غزة وفِلَسْطِينَ

 اللَّهُمَّ اُشْدُدْ أَزْرَهُم، 

 اللَّهُمَّ اُرْبُطْ على قُلُوبِهِم.

 اللَّهُمَّ اُنْشُرِ السَّكِينَةَ والطمأنينة في قُلُوبِهِم.

 اللَّهُمَّ أَنْزِلْ علَيِّهِمُ دِفْئًا وسَلامًا وأمْنًا وأمَانًا.

 ربنا عليك توكلنا وبنصرك تأمّلنا وإلى بابك توجهنا فلا تخيّب رجاءنا.

 اللهم نصرك الذي وعدته عبادك الصالحين 


وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين