الجمعة، 2 أغسطس 2024

مدح الرسول الكريم محمد صلى ألله عليه وسلم

 الرئيسية » الهدي النبوي

القول المبين في مدح النبي ﷺ

محمد بن بديع موسى


ماهو المشروع في مدح النبي سيد المرسلين محمد ﷺ ؟


قال عليه الصلاة والسلام : “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله”. رواه البخاري.

 قال ابن حجر: الْإِطْرَاء الْمَدْح بِالْبَاطِلِ، تَقُول: أَطْرَيْت فُلَانًا، مَدَحْته فَأَفْرَطْت فِي مَدْحه. اهـ.

  ولما قال وفد بني عامر لرسول الله ﷺ : أنتَ سيِّدُنا ، قال : السَّيدُ اللهُ . قالوا : و أفضلُنا فَضلًا ، و أعظمُنا طَوْلًا ، فقالَ : ” قولوا بقولِكم أو بعض قولكم، ولا يَستجرِيَنَّكُم الشَّيطانُ “. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني. وعند أحمد : ( ما أحبُّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله 

  قال ابن الأثير في “النهاية”: أَيْ لَا يَغْلِبَنكُمْ فَيَتَّخِذكُمْ جَرْيًا أَيْ رَسُولًا وَوَكِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَدحوهُ فَكَرِهَ لَهُمْ الْمُبَالَغَة فِي الْمَدْح فَنَهَاهُمْ عَنْهُ. اهـ.

  فينبغي العلم أن مدح النبي ﷺ ليس عبادة مستقلة يتقرب فيها المسلم إلى الله عز وجل، مثل الصلاة والسلام عليه، ومحبته، ونصرته. وأنه يشرع إن كان للتعريف بالنبي ﷺ، وبيان فضله ، ودراسة سيرته، والدعوة إلى سنته، على أن لايغلو فيها المادح، ويجعلها غناء يتغنى به، ووسيلة ليشتري بها عرَضاً من الدنيا، كأصحاب فِرَق الإنشاد والطرب في زماننا الذين صاروا يتصدرون الواجهات والشاشات، ويحيون المناسبات وتقام لهم الولائم والموالد، ويتاجرون بالحفلات.!!

   والغلو في مدح النبي ﷺ ليس من العبادات المشروعة، وهو منهيٌّ عنه في كل الأحوال – والنبي ﷺأهلٌ للثناء والمدح المشروع كما هو مُجمَع عليه بين كل طوائف المسلمين، ولا يٌبغض النبي ﷺ إلا كافر – والتعبير والوصف الذي يحبه النبي ﷺ هو: ( عبدُ الله ورسوله ) وهو ما أرشد إليه كثيراً في أحاديثه الشريفة، وقد جاء وصفُه بالعبودية لله تعالى في المقامات الشريفة، والأمور العظيمة في القرآن الكريم.

   ثم إن رفع النبي ﷺ فوق منزلته والغلو في مدحه ليس من علامات محبته.

  قال تعالى : { قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ }. (آل عمران : 31)

  وقال تعالى: { فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِیِّ ٱلۡأُمِّیِّ ٱلَّذِی یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ } ( الأعراف : 158)

  وقال تعالى : { فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ مَعَهُۥۤ أُو۟لَـٰۤئكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ } (الأعراف :157 ) .

  فالمقصود: الإيمان بالنبي ﷺ ، وبما جاء به من عند الله، ومحبته، والاهتداء بهديه، واتباع طريقته، والدفاع عنه، والذّبِّ عن سنته، وليس التغني والطرب والرقص عند مدحه ، وجعل ذلك ديناً يدين به الناس، كقولهم :

يامادحاً خير الأنام بادر ولا تخش الملام

قل مااستطعت بمدحه مدّاح طه لا يُضام

مدحُ النبي العربي. ديني ويقيني ومذهبي!

   نعم لقد صار ديناً عند البعض وغايةً، وهو مما زينه الشيطان لكثير من المسلمين ليضلّهم بذلك عن التمسك الحق بهدي رسول الله ﷺ ، واتباع سنته!!

   وإن مدح العباد له مهما بَلَغ لا يُذكَر تجاه مدح رب العزة له، وثنائه عليه، ورفع ذِكره، وشهادته فيه بمثل قوله : { وإنك لعلى خلق عظيم } ، فهل يَرفع مدحُهم قدْرَ النبي ﷺ بعد ذلك؟

  ومامعنى أن يقول قائلهم : قمرٌ سيدنا النبي ، أو نورٌ، أو جميلٌ، أو ياقوتةٌ والناسُ كالحجر، أو محمدٌ جُبِلت بالنور طينته، أو محمدٌ لم يزل نوراً من القِدم، أو محمد ذِكره نورٌ لأنفسنا، محمد عمَّنا إحسانُ نعمته، أو سببُ الإنشاء من عدم، أو مدحه يشفي من السِّقم، أو محمدٌ قبلة الدنيا وكعبتها… ؟؟!

  وكل عاقل منصِف عنده مبادئ الإسلام يعلم أن هذا المدح هو غلو واضح، وتنطّع فاضح، وفيه مخالفة لقواعد الشريعة وأصول الدين، ورفعٌ للنبي فوق منزلته التي أنزله الله بها، وإطراءٌ نهى عنه النبي ﷺ ، وإخراج له عن بشريته التي وصفه الله بها.

  والذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة أن النبي ﷺ بشرٌ كسائر البشر في طبيعته البشرية، وجٍبلّته الخَلقية، ينام، ويأكل، ويمشي في الأسواق، ويحزن ويرضى، ويغضب ويبكي، ويخرج منه فضلات من دم وعَرَق وغيره مما يخرج من الناس، ويجري عليه من البلاء والضراء ما يجري على الناس، من مرض وسحر وموت، ولا يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يدفع عن نفسه الأذى إلا بأمر الله وحفظه، وليس له نور يغطي الشمس، وله ظل كسائر الناس، ولم يُخلق من نور ولم يرد في السنة الصحيحة ما يدل على أنه خَلْق نوراني، أو له صفات خارقة خارجة عن مألوف البشر، أو أنه ليس له ظل، بل بَدَنه من لحم وعظم وما خالطهما. وخُلق من أب وأم، ولا يعلم إلا ما علَّمه الله تعالى قال الله تعالى: { قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱ } (الكهف :110)

  قال ابن عباس: “علَّم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه، فأمره أن يقرَّ فيقول: إني آدمي مثلكم إلا أني خُصصت بالوحي وأكرمني الله به”.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني).

ومديح هؤلاء الشعراء والمنشدين الذي نسمعه اليوم ماهو إلا غناء – في الغالب – لايفهمون معناه ولا يعرفون حكمه، بل يردّدونه، ويطربون به، بدليل أنك لاتجدهم – في أكثر الأحيان – يصلون على النبي في ثناياه، وهو الواجب عند ذكره، كما قال ﷺ : ” البخيلُ مَنْ ذُكرتُ عندَه فلمْ يُصلِّ عليَّ”.رواه الترمذي.

  فالحذر الحذر من الغلو في مدحه عليه الصلاة والسلام، فإن هذا قد يصل بالعبد إلى درجة الشرك بالله تعالى، أو يكون ذريعة له، وينطبق عليه الحديث السابق: ” قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان” .

ولقد سمعت – والله – بعضهم يُنشد ويقول:

محمدٌ باب الرَّجا لموحدِ ماخاب عبدٌ أمّه في مقصدِ

أنا عبده فإذا تعدّى معتدي أنزلت حاجاتي بباب محمد.

فبالله عليكم هل هذا حبٌّ للنبي ﷺ ، أم شرك صريح بالله تعالى ؟!

ومما يُؤخذ على هؤلاء المنشدين أنهم كثيراً مايطربون بأشعار غزَل وعشقٍ وربما مُجون وفجور للفُسّاق، ويصرفونها نحو النبي ﷺ أو مقدسات المسلمين، فيتجاوزون كل حدود الأدب والتعظيم لرسولهم ﷺ ورعاع الناس يصفقون لهم، ويثنون عليهم !!

وأما مقولة : ( ودَعوتُ بِطهَ اللهَ ). فهذه العبارة نوع من التوسل، والتوسل بذات النبي ﷺ ، أو بحقه، أو جاهه، من أنواع التوسل الممنوعة – على الراجح من أقوال أهل العلم – ولم يفعله أحد من الصحابة أو التابعين أو الأئمة المعتبرين، وهو بدعة، لعدم الدليل على ذلك؛ ولأن ذلك من الغلو فيه ﷺ .

  على أن ( طه ) ليس من أسماء النبي ﷺ . الواردة في الكتاب والسنة.

فالواجب على المسلم المحبّ لنبيه حقيقة، والذي يسعى لمرضاة ربه، والنجاة من عذابه، أن لايغتر بهؤلاء المغنين الجاهلين الذين أفسدوا على كثيرٍ من الناس دينهم، وصدّوهم عن كتاب ربهم، ودنسوا بيوت الله وأهانوها بلهوهم وغنائهم ورقصهم ومعازفهم، وأن لايقلدهم ولايجاملهم، ولايطرب بما يُغضب ربه عز وجل، بل يَغضب لذلك ويَنهى عنه، وأن يُشغل وقته بذكر الله تعالى، والصلاة والسلام على نبيه، وتعلُّم سنته وسيرته والدعوة إليها، وأن يقف على ماوقف عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين فهم خير القرون، وهم أكثر اتباعاً ومحبة للنبي ﷺ منا بالاتفاق.

والله تعالى يقول : { وَمَن یُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَتَّبِعۡ غَیۡرَ سَبِیلِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا } ( النساء : 115 )

الثلاثاء، 30 يوليو 2024

حصن الزكاة

 

الأمانة وحصن الزكاة

🕋 عَزم قوم من أهل الثراء في بلاد العراق على الحج ، فأرادوا أن يصحبهم من يقوم على خدمتهم، فأشاروا عليهم برجل خدوم طباخ خفيف الظل لم يحجّ ، فعرضوا عليه أن يصحبهم ويخدمهم فيصنع طعامهم ويقضي حوائجهم وتكون أجرته الحجّ معهم، فوافق فرحاً بهذا العرض السخيّ، وكان الحج من أمانيه التي حال بينه وبينها الفقر.

سلكوا طريقهم للحج, وعندما وصلوا مكة  استأجروا بيتاً وخصصوا فيه حجرة تكون مطبخاً ومسكن للطباخ

وبدأ الطباخ  بالعمل جاداً فرحاً، وفوجئ ذات يوم . وهو يدق بالهاون  أن الأرض تُطَبْطِبُ لها صدى وتهتز وتوحي  بأنّ شيئاً مدفوناً في قعرها، ودعته نفسه أن  يبحث عن المُخبَّأ فلعل رزقاً ينتظره في جوف الأرض، وكانت المفاجأة السعيدة:

 الذهب الأحمر في  صندوق صغير من الحديد،  التفت يمنة ويسرة لئلا يكون أحد قد اطلع على الرزق المستور، وبعد تفكير،  رأى أن يعيده مكانه حتى يأذن القوم بالرحيل فيأخذه معه، ويخفيه عنهم ،

 وبدأ مع تلك الساعة سيل الأفكار والأماني،  ماذا يصنع بهذا المال وكيف سيودّع أيام الفقر والحاجة،.

فلما آذنوا بالرحيل  جعل الصرّة بين متاعه وحملها على جمله وأحكم إخفاءها وخبرها،  وسار القوم وصاحبنا لا يشعر بمشقة السفر ولا بالضيق من بعد الطريق ، والأماني تحوم حول رأسه والخوف الشديد يحاصره شفقة على المال من الزوال.

عندما وصلوا منطقة  قرب  بغداد نزلوا ليرتاحوا، ونزل صاحبنا وبدأ عمله المعتاد في الخدمة والطبخ، وفجأة شرَدَ جمل الخادم 🐪بما حمل، فتسارع القوم لردّه وكان أشدّهم في ذلك صاحبه ، ولكنّ الجمل🐪  فات على الجميع ولم يدركه أحد فعاد الناس بالخيبة، وتأثر الخادم حتى بلغ الأمر حدّ البكاء الذي لا يليق بثبات الرجال.

لما رأى أصحابه  منه هذا الجزع طمأنوه ووعدوا أن يضمنوا جمله ويعوضوه خيراً منه وخيراً مما عليه،  لكنه أبدى لهم بأنّ عليه أشياء لا يمكنه الاستغناء عنها وهدايا وتحفاً اشتراُها من مكة والمدينة لأهله، وهذا سبب حزنه، لكن القوم لم يلتفتوا لما أصابه وطلبوا الرحيل لمواصلة المسير والتعجّل إلى الأهل، ورَضخ مُكرهاً لطلبهم وسار معهم حتى وصل بلده مغموما من ذهاب الذهب وفقدان الأمل.

بعدها بعام رغب آخرون من الأثرياء الحجّ وسألوا عمّن يرافقهم ويقوم بخدمتهم فأوصاهم الأوّلون بصاحبنا ومدحوه لهم،  وأثنوا على عمله خيراً، وفي طريقهم للحج نزلوا منزلاً قريباً من المنزل الذي فقد فيه صاحبنا جمله. ولما ذهب لقضاء حاجته تذكر العام الماضي والجمل والصندوق وتداركته الحسرة والندم وبعدها مرّ ببئر مهجورة فأطلّ فيها فوجد في قاعها أثر تأجج ضوء عكسه نور القمر وهو يلمع فحباه التطفل لينزل البئر  فنزل والأمل يحدوه أن يكون ذهب او دننانير ذهبيه تعوضه عن العام الماضي فلما نزل قاع البئر وجد عضام جمل قد نزع لحمه  ومتاع لم تفارق ذاكرته فوجده بالفعل جمله ميتا قد بليت عظامه وأما المتاع وكيس الذهب بحاله لم ينقص منهما شيء، أخذ الذهب وأخفاه وعادت إليه أفراحه وأمانيه، وسكن مع أصحابه في البيت نفسه واتخذ من الحجرة التي خصصت له مطبخاً ورأى أن يعيد المال إلى مكانه ريثما ينتهي الحج فيأخذه مرة أخرى.

في تلك الأيام جاء  صاحب البيت وطلب أن يأخذ شيئاً من البيت فأذنوا له، فدخل حجرة صاحبنا وقصد إلى موضع الصندوق فحفر ثم أخرج الصندوق، كان الطباخ  ينظر إليه وهو في غاية الذهول، فلمّا رآه قد عثر عليه وأخذه استوقفه قائلاً له، ما هذا الذي أخذت؟

قال صاحب البيت .. ذهب كنت خبّأته في  هذا الموضع من سنين وقد احتجته اليوم وجئت لآخذه.

لم يتمالك  صاحبنا نفسه أن قال له:  وهل تعلم  أن مَالَكَ هذا قد وصل إلى أطراف بغداد ثم عاد إلى هذه البقعة لم ينقص منه شيء.

قال صاحب البيت : والله لو طاف الأرض كلها لعاد إلى مكانه وما ضاع منه شيء لأني أزكيه كل عام لا أترك من زكاته شيئا ، واستودعته ربي فمن استودع ربه شيئا حتما انه سيحفظه له والله يحفظه لي..

قلت :إن كان المال وهو جزء منفصل عن صاحبه قد حفظه الله بتزكيته !! فكيف بتزكية النفس !! وتزكية اللسان !! وتزكية العلم !!

(( الُلُهمٌ آتْ نَفَوَسِنَا تْقًوَاُها وَ زُكِها أنَتْ ٌخيَرَ مٌنَ زُكِاُها أنَتْ وَلُيَها وَ مٌوَلُها ))

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( احفظ الله يحفظك))

الاثنين، 29 يوليو 2024

 

ﻣﻮﻗﻒ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺮﻗﺖ

ﺇﻥ اﻷﺣﺪاﺙ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺃﻥ ﺗﺤﺼﻰ ﻓﻲ ﻟﻘﺎء ﻭاﺣﺪ؛ ﻷﻥ اﻷﺣﺪاﺙ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪا، ﻭﻛﻨﺖ ﺃﻭﺩ ﺃﻥ ﺃﺗﻜﻠﻢ ﻓﻲﻫﺎ، ﻟﻜﻦ اﻟﻮﻗﺖ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺳﺄﺧﺘﺎﺭ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻮاﺩﺙ اﻟﻘﻠﻴﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺃﻋﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻌﻠﻴﻘﺎ ﺳﺮﻳﻌﺎ، ﻭﻧﺴﺄﻝ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻠﻘﺎءاﺕ اﻷﺧﺮﻯ ﻟﻨﻔﺼﻞ ﻓﻲ ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﻻﻓﺘﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ ﻣﻜﺔ، ﻭﻫﺬا اﻟﻤﻮﻗﻒ: ﻫﻮ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺮﻗﺖ، ﻫﺬﻩ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﺳﺮﻗﺖ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻓﺘﺤﺖ ﻣﻜﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء اﻟﻻﺗﻲ ﺃﺳﻠﻤﻦ، ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻣﻦ اﻷﺷﺮاﻑ، ﻭﻗﺒﻴﻠﺔ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺟﺪا، ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻥ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ ﻭﺑﻨﻲ ﻫﺎﺷﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﺴﺎﺳﺔ ﺟﺪا، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻷﻣﻮﺭ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﺯﻋﻴﻢ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﻤﻮﻗﻒ ﺣﺮﺟﺎ ﺟﺪا ﻣﻊ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺑﺎﻟﺬاﺕ، ﻭﻳﺨﺸﻰ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻨﻘﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ اﻧﻘﻼﺑﺎ ﻗﺪ ﻻ ﻳﺤﻤﺪ ﻋﻘﺒﺎﻩ، ﻭﻣﻊ ﺃﻧﻨﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻗﺪﺭ اﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺆﻟﻒ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ، ﻓﺄﻟﻒ ﻗﻠﻮﺏ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻴﺔ، ﻭﺃﻟﻒ ﻗﻠﻮﺏ ﺑﻨﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺪاﺭ، ﻭﺃﻟﻒ ﻗﻠﻮﺏ ﺑﻨﻲ ﻋﺎﻣﺮ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﺭﺱ، ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﺣﺪﺙ ﻣﻬﻢ ﻣﻊ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ، ﻭﻗﺪ ﻳﻔﻬﻤﻪ اﻟﻔﺎﻫﻤﻮﻥ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲﻫ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ اﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻟﺒﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ، ﻟﻜﻦ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﺱ اﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﺪﻗﺔ.

ﻓﻬﺬﻩ اﻣﺮﺃﺓ ﻣﻦ ﺃﺷﺮاﻑ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ ﺳﺮﻗﺖ، ﻓﻘﺮﺭ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻴﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺪ ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻘﻄﻊ ﻳﺪﻫﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺳﺮﻗﺖ ﻭاﻛﺘﻤﻠﺖ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺟﺮﻳﻤﺔ اﻟﺴﺮﻗﺔ، ﻭﻫﻨﺎ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ: ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺗﺄﻟﻒ ﻗﻠﻮﺏ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ ﺑﺎﻟﻌﻔﻮ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﺘﻲ ﺳﺮﻗﺖ، ﻟﻜﻨﻪ ﺃﻗﺎﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﺤﺪ ﻣﻀﺤﻴﺎ ﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﻣﻦ ﺃﺣﺪاﺙ ﺩاﻣﻴﺔ ﻓﻲ ﺩاﺧﻞ ﻣﻜﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻄﺒﻴﻘﻪ ﻟﻬﺬا اﻟﺤﺪ، ﻷﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﺮﻳﻨﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻣﻬﻤﺎ ﺟﺪا ﻭﻳﺰﺭﻉ ﻓﻲﻧﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻻﺯﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﻔﻬﻤﻪ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﻓﻬﻤﺎ ﺟﻴﺪا ﺩﻗﻴﻘﺎ، ﺃﻻ ﻭﻫﻮ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﺑﺪا ﻷﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻧﺴﺒﻪ ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺷﺮﻳﻔﺎ ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﻐﺎﺿﻰ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﻳﻌﻄﻠﻬﺎ، ﺃﻭ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ اﻷﻣﻮﺭ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺇﻗﺎﻣﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻭﻟﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﻮاﻗﺐ ﻭﺧﻴﻤﺔ، ﻭﻗﺮﺭ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺫﻟﻚ اﻷﻣﺮ ﻭﺷﺎﻉ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ اﻟﻤﺮﺃﺓ اﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻴﺔ ﺳﺘﻘﻄﻊ ﻳﺪﻫﺎ، ﻓﺬﻫﺐ ﺑﻨﻮ ﻣﺨﺰﻭﻡ ﺇﻟﻰ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻟﻴﺴﺘﺸﻔﻌﻮا ﻋﻨﺪﻩ، ﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮا ﺃﻥ ﻳﻜﻠﻤﻮﻩ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻓﺬﻫﺒﻮا ﺇﻟﻰ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﺭﺛﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﻴﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ: اﻟﺤﺐ ﺑﻦ اﻟﺤﺐ، ﻛﺎﻥ ﺣﺐ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﺯﻳﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﺭﺛﺔ، ﻭﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﻫﻮ اﻟﺤﺐ ﺑﻦ اﻟﺤﺐ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺤﺒﻪ ﺣﺒﺎ ﺟﻤﺎ، ﻓﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎء ﺩﺧﻮﻟﻪ ﻣﻜﺔ اﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ اﻟﻔﺘﺢ ﺃﺭﺩﻓﻪ ﺧﻠﻔﻪ، ﻣﻦ ﺷﺪﺓ ﺣﺒﻪ ﻟﻪ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﺭﺿﺎﻩ.

ﻓﺬﻫﺒﻮا ﺇﻟﻰ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﻭﻗﺎﻟﻮا ﻟﻪ: اﺳﺘﺸﻔﻊ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﺃﻻ ﺗﻘﻄﻊ ﻳﺪﻫﺎ؛ ﻓﻬﻲ اﻣﺮﺃﺓ ﻋﺰﻳﺰﺓ ﺷﺮﻳﻔﺔ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ، ﻓـ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﺃﺧﺬ اﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺑﺴﻬﻮﻟﺔ ﻭﻳﺴﺮ ﻭﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻟﻴﺴﺘﺸﻔﻊ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﻛﻠﻤﻪ ﺃﺳﺎﻣﺔ، ﺗﻠﻮﻥ ﻭﺟﻪ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻏﻀﺐ ﻏﻀﺒﺎ ﺷﺪﻳﺪا، ﻭﻗﺎﻝ ﻟـ ﺃﺳﺎﻣﺔ: (ﺃﺗﺸﻔﻊ ﻓﻲ ﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ ﺃﺗﺸﻔﻊ ﻓﻲ ﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ؟!) ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺠﺪ ﺃﻱ ﻣﺒﺮﺭ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: (ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ اﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻲ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ اﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻲ).

ﻓﺎﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻗﺎﻡ اﻟﺤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺴﻴﺪﺓ اﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺮﻗﺖ ﻟﻢ ﻳﻘﺒﻞ ﺷﻔﺎﻋﺔ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ اﻟﻴﻮﻡ ﻗﺎﻡ ﻭﺧﻄﺐ ﺧﻄﺒﺔ ﻟﻴﻔﻬﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﺪﻗﻴﻖ؛ ﻟﻴﻀﻊ ﻟﻬﻢ ﺃﺳﺲ ﺑﻨﺎء ﺩﻭﻟﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻟﻴﻮﺿﺢ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ اﻟﻌﺪﻝ ﺃﺳﺎﺱ اﻟﻤﻠﻚ ﺣﻘﺎ، ﻭﺗﻄﺒﻴﻘﺎ ﻭاﻗﻌﻴﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻗﺎﻡ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻗﺎﻝ: (ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻫﻠﻚ اﻟﻨﺎﺱ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﺇﺫا ﺳﺮﻕ ﻓﻲﻫﻢ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﺗﺮﻛﻮﻩ، ﻭﺇﺫا ﺳﺮﻕ ﻓﻴﻬﻢ اﻟﻀﻌﻴﻒ ﺃﻗﺎﻣﻮا ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺪ، ﻭاﻟﺬﻱ ﻧﻔﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻴﺪﻩ ﻟﻮ ﺃﻥ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺳﺮﻗﺖ ﻟﻘﻄﻌﺖ ﻳﺪﻫﺎ) ﻫﻜﺬا ﻓﻲ ﻣﻨﺘﻬﻰ اﻟﻮﺿﻮﺡ، ﻓﺤﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﺑﺪا ﺃﻥ ﻧﻘﺘﺮﺏ ﻣﻨﻬﺎ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﺗﻠﻚ ﺣﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ ﻓﻼ ﺗﻘﺮﺑﻮﻫﺎ} 


[ اﻟﺒﻘﺮﺓ:187] 

ﻭﻗﺎﻝ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ: {ﺗﻠﻚ ﺣﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ ﻓﻼ ﺗﻌﺘﺪﻭﻫﺎ} 


[ اﻟﺒﻘﺮﺓ:229] 

، ﻫﻜﺬا ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﻣﻊ ﺣﺪﻭﺩ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ.

ﻓﻬﻮ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺗﺄﻟﻒ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺄﻣﻮﺭ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻭﺑﺄﻣﻮﺭ ﻣﺎﺩﻳﺔ ﻫﺬا ﺃﻣﺮ ﻣﻤﻜﻦ، ﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﺄﻟﻒ ﻗﻠﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺘﻌﻄﻴﻞ ﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ ﻓﻬﺬا ﻻ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻄﻠﻘﺎ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻫﺬا اﻟﺬﻱ ﺃﺧﻄﺄ ﻋﺰﻳﺰا ﺃﻭ ﺷﺮﻳﻔﺎ ﻛﺒﻴﺮا ﺃﻭ ﺻﻐﻴﺮا، ﺭﺟﻼ ﺃﻭ اﻣﺮﺃﺓ، ﻓﺄﻱ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﺪﻭﺩ اﻟﻠﻪ ﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻡ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺤﺪ.

ﻭﻫﺬﻩ اﻟﻜﻠﻤﺎﺕ اﻟﺘﻲ ﻗﺎﻟﻬﺎ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺧﻄﺒﺘﻪ: (ﻟﻮ ﺳﺮﻗﺖ ﻓﺎﻃﻤﺔ ﺑﻨﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻘﻄﻌﺖ ﻳﺪﻫﺎ)، ﺣﺘﻰ ﻳﻔﻬﻢ ﺑﻨﻲ ﻣﺨﺰﻭﻡ ﺃﻥ ﻫﺬا ﺃﻣﺮ ﻟﻴﺲ ﺧﺎﺻﺎ ﺑﻬﻢ، 


مرت هذه القصة وانا اقرا دروس الدكتور .راغب السرجاني ..

الجمعة، 26 يوليو 2024

شاب نشأ في عبادة الله

 عن أبي هريرة  قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ متفقٌ عَلَيْهِ.

الخميس، 25 يوليو 2024

اتقان العمل

 

اتقان العمل

اتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسلوبًا فريدًا في تعليم الصحابة؛ فقد كان -صلّى الله عليه وسلّم- يُقرئ الصحابة عشر آياتٍ فلا يجاوزها إلى عشرٍ أخرى؛ حتى يتعلّموا ما فيها من العمل، فيعلمهم القرآن والعمل معًا، فكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذا الأسلوب قدوةً حسنةً للصحابة الكرام وللمسلمين جميعًا في إتقان العمل.

 تعريف إتقان العمل : هو القيام بالعمل المطلوب إنجازه، والانتهاء منه بإحسانٍ على أكمل وجهٍ وبأفضل صورةٍ، وذلك من خلال بذل الجهد والابتعاد عن المماطلة في العمل، وقد جاءت نصوصٌ شرعيَّةٌ كثيرةٌ من القرآن الكريم وأحاديث نبوية عن إتقان العمل، ومبيِّنةً لفضله.

فمن القرآن قوله تعالى: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،

ومن السنة ما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ إذا عملَ أحدُكمْ عملًا أنْ يتقنَه).

وتعدّ كلمة إتقانٍ مصدر لكلمة أتقن، بمعنى أنجز العمل بإحكامٍ وبدقَّةٍ متناهيةٍ

قصص الصحابة عن إتقان العمل

قصة عاصم بن كليب عن عاصم بن كليب عن أبيه قال إنّه: (شهد مع أبيه جنازةً شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا غلامٌ أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر، ولم يمكن لها، قال: فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: سووا لحد هذا، حتى ظن الناس أنّه سنَّةٌ، فالتفت إليهم، فقال: أما إنَّ هذا لا ينفع الميت ولا يضرُّه، ولكن الله يحبُّ من العامل إذا عمل أن يحسن).

قصة عمرو بن العاص أوكل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحابي عمرو بن العاص -رضي الله عنه- بإمارة ذات السلاسل، وجعل تحت إمرته العديد من الصحابة والسابقين في الإسلام، ولم يؤمّر النبيّ عليهم عمرو بن العاص؛ لأنّه يفوقهم علماً بأمور الدين، بل لأنّه يفوقهم علماً بأمور الحرب، وفنون القتال والنزال والمناورة، بالرغم من أنّه لم يمض على إسلامه أكثر من خمسة شهور، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: "لقد ولّيته؛ لأنّه أبصر بالحرب"

 

السبت، 20 يوليو 2024

الطريقة الغزواية #غزة

 اعزروني قد تكون طويلة للبعض لكنها رائعة جزى الله كاتبها كل الخير ومن قرأها  



في تعقيبه على مقطع لأحد مقاتلي "القسـ.ـام" وهو يزرع عبوة أسفل آلية إسرائيلية قبل تفجيرها.. الكاتب الأردني عبد الهادي راجي المجالي يكتب: 

"كنت أقرأ الآية التي تضعها "المقـ.ـاومة" على فيديوهاتها :

                         

بسم الله الرحمن الرحيم

(ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون)

أمس حين شاهدت "المقـ.ـاوم" الذي فتح الباب ومن ثم وضع العبوة الناسفة وعاد للمنزل، شعرت أنه يطبق الآية الكريمة على أرض الواقع تماما.. هل هو من البشر؟ أنا أسال برسم الذهول هل هو مثلنا من البشر؟ له رقم على هوية أحوال وله فصيلة دم وله أشقاء وشقيقات وينام تحت الحر، ويشرب الماء مثلنا.. أنا اسأل ولولا أني أخاف أن تقولوا عني جننت لقلت إنه ملاك من عند الله جاء لينصرهم ويقاتل معهم.. صدقوني أنه لم يكن يضع عبوة، هو كان يترجم الآية الكريمة على أرض الواقع .

يا سيدي يا هذا "المقـ.ـاوم".. أنا سمعت بالطرق الصوفية، قرأت عن مالك بن الريب عن البلخي، عن ابن عربي، عن الحلاج، عن عبدالقادر الجيلاني قرأت عن الأحمدية والشاذلية، قرأت كثيرا، ولكنني اليوم رأيت الطريقة (الغزاوية).. أنا ابن الطريقة (الغزاوية)، وهي على ما يبدو طريقة باب الجنة فيها هو الأقرب.. والرجولة فيها هي أعلى درجات التصوف، والجهـ.ـاد هو روحها.. أنا اليوم فقط آمنت أن هنالك طريقة (غزاوية).. لا تحكم القلب في الوصول إلى الله بل تحكم المفخخة والقذيفة والطلقة.. هؤلاء صلاتهم هي الجهـ.ـاد، وطعامهم هو الجهـ.ـاد وأغلى أمانيهم لقاء وجه ربهم.. وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 

يا سيدي لو كان في هذه الأمة عدالة، لنصبنا لك بعد الحرب (زاوية) في الأزهر الشريف، وجاء إليك الذين ساروا على دربك كي يستمعوا إليك ويتعلموا مبادئ الطريقة (الغزاوية).. ولأسميناك يا سيدي شيخ الطريقة (الغزاوية) ومؤسسها، وفرضناها منهاجا في كتب التاريخ واللغة العربية، ولصار لك الكثير من الأتباع ولحملناك على أكفنا حين تدخل عاصمة عربية أو تدخل مدرسة.

 أما أنا فاسمح لي يا سيدي فقط أن أقبل اليد التي وضعت المفخخة وأتبرك بها.. يجوز التبرك باليد التي تدافع عن شرف الأمة، والتبرك يجوز باليد التي باعت الروح والأهل وكل متاع الدنيا لأجل رضا الخالق.

أين أنت الآن يا شيخ الطريقة (الغزاوية)؟ في أزقة الشجاعية تترصد ناقلة جند؟ أنا ومن مثلي من المهزومين العرب يا سيدي نجلس تحت (الكونديشن) الآن لا حول ولا قوة لنا.. سوى اللطم والعويل والخجل، حتى الخجل هرب منا فهذه أمة تعرت تماما.. أين أنت قل لي في نفق تقاسي الحر؟ وغيرك من الشباب العرب الذين ولدوا بذات تاريخ مولدك يشتكون حكومات بلدانهم أن الكهرباء انقطعت.. والصيف قد تسبب بجفاف البشرة لديهم، أمة جفت فيها الكرامة وانعدم الضمير تماما، ولكن المهم ألا تجف البشرة.. والمهم أن يعود راغب علامة لتونس هذا الصيف، وأن تغني أحلام على شواطئ الساحل الشمالي، من المهم يا سيدي أيضا ألا تغضب الجماهير على (عمرو دياب) ...فنحن اخترنا طرقنا بمحض إرادتنا، اخترنا طريقة عمرو (دياب)، وأنت جئت بكل جبروتك لا لكي تفجر دباباتهم.. بل لتصفعنا جميعا..

ما زلت يا سيدي وإمامي في كل ساعة، أعيد مشاهدة الفيديو وأتذكر اليد التي فتحت لك الباب حين خرجت منه حاملا القنبلة فقط.. ومرتديا قميصا خفيفا وحذاء من صنع غزة.. وهم خلف قلاع من الحديد ويرتدون الستر الواقية.. وترصدهم الطائرات وتساندهم وكل العالم خلفهم، ومع ذلك عريتهم جميعا.. لو كانت إسرائيل لديها ذرة من الشرف بعد هذا الفيديو لسجنت كل جنرالاتها، لو أن إسرائيل يا سيدي وإمامي امتلكت مقومات الضمير والدولة.. لسحقت جيشها كاملا بعد هذا الفيديو، أو رحلت كلها بما تملك، لكنهم يعرفون ويدركون أنك لست وحدك، يعرفون أن زيتون فلسطين يسير على خطاك، ويدركون أن مواليد في الأرحام سيتبعون نهجك حين يولدون، ويقدرون أن المستقبل سيكون نار جهنم التي تصب فوق رؤوسهم 

أنا صراحة لم أشاهد صلاح الدين ولا قطز.. لم أشاهد نور الدين زنكي ولكني قرأت عن بطولاتهم، وأقترح في العواصم العربية قبل أن ننصب لهم التماثيل فلننصب بعض التماثيل أيضا  لعبوة (شواظ) وللعبوة (الرعدية).. فلننصب تمثالا لمؤسس الطريقة (الغزاوية)، ولنكتب تحت التمثال ما يلي: (هذا الرجل هو الذي قرأ الآية الكريمة: (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) كنت أظن أن كتاب الله يفسر على يد الأئمة والوعاظ والشيوخ، ولكنها المرة الأولى في حياتي التي أرى الآيات تطبق على أرض غزة، وبتفاصيلها وبكل الإيمان والمعاني الجهادية المطلقة.

أنا من اليوم تركت كل الكتب وكل الطرق، تركت الشافعية والحنفية.. تركت ابن عربي والحلاج، تركت كل مدارس التفسير، واتبعت (الطريقة الغزاوية) 

عبد الهادي راجي المجالي"

الخميس، 18 يوليو 2024

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

إنَّ اللَّهَ لَيسألُ العبدَ يومَ القيامَةِ حتَّى يقولَ ما منعَكَ إذ رأيتَ المنكرَ أن تُنْكِرَهُ فإذا لقَّنَ اللَّهُ عبدًا حجَّتَهُ قالَ يا ربِّ رَجوتُكَ وفَرِقْتُ منَ النَّاسِ.

وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو سعيدٍ الخُدْريُّ رَضِي اللهُ عَنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "إنَّ اللهَ لَيَسأَلُ العبدَ يومَ القيامةِ"، أي: يَسأَلُه عن كلِّ شيءٍ، "حتَّى يقولَ: ما منَعَك إذْ رأيتَ المنكَرَ أن تُنكِرَه؟!"، أي: ما عُذرُك في عدَمِ النَّهيِ عن المنكَرِ عِندَ حُضورِك له؟! "فإذا لَقَّن اللهُ"، مِن التَّلقينِ والتَّفهيمِ، أيْ: فَهَّم وألْهَم "العبدَ حُجَّتَه"، أي: بُرهانَه في جوابِه لربِّه، "قال"، أي: العبدُ: "يا ربِّ رَجَوتُك" أن تَغفِرَ لي ولا تُؤاخِذَني بتَركِ النَّكيرِ، "وفَرِقْتُ مِن النَّاسِ"، أيْ: خِفتُ مِنهم، فسامَحتُ في حقِّك؛ اعتِمادًا على أنَّك كريمٌ مَرجُوٌّ؛ لكَمالِ فَضلِك ولُطفِك.

 قيلَ لِأُسامةَ : ألَا تُكلِّمُ عُثمانَ؟ فقال: إنَّكم تَرَوْنَ أنِّي لا أُكلِّمُه إلَّا أُسمِعُكم، إنِّي لا أُكلِّمُه فيما بَيني وبَينَه ما دُونَ أنْ أفتَتِحَ أمرًا لا أُحِبُّ أنْ أكونَ أوَّلَ مَنِ افتَتَحَه، واللهِ لا أقولُ لِرَجُلٍ: إنَّكَ خَيرُ الناسِ، وإنْ كان علَيَّ أميرًا، بَعدَ أنْ سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ. قالوا: وما سَمِعتَه يَقولُ؟ قال: سَمِعتُه يَقولُ: يُجاءُ بالرَّجُلِ يَومَ القيامةِ، فيُلقى في النارِ، فتَندَلِقُ به أقْتابُه، فيَدورُ بها في النارِ كما يَدورُ الحِمارُ برحاهُ، فيُطيفُ به أهلُ النارِ، فيَقولونَ: يا فُلانُ، ما أصابَكَ؟ ألم تَكُنْ تَأمُرُنا بالمَعروفِ وتَنهانا عنِ المُنكَرِ؟ فيَقولُ: كُنتُ آمُرُكم بالمَعروفِ ولا آتيه، وأنْهاكم عنِ المُنكَرِ وآتيه.

وقال صلى الله عليه وسلم: كَلامُ ابنِ آدَمَ كُلُّه عليه، لا له، ما خَلا أمْرًا بمَعروفٍ أو نَهيًا عن مُنكَرٍ، أو ذِكرَ اللهِ عزَّ وجلَّ.

قال ابن عباس :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لامرئ شهد مقاما فيه حق إلا تكلم به؛ فإنه لم يقدم أجله ولم يحرمه رزقا هو له.

وروى أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كيف أنتم إذا طغى نساؤكم، وفسق شبانكم ، وتركتم جهادكم؟ قالوا وإن : ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده ، وأشد منه سيكون .

قالوا : وما أشد منه يا رسول الله ؟ : كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ، ولم تنهوا عن منكر ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون.

قالوا : وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟ قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال نعم : والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون

قالوا : وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، يقول الله تعالى : بي حلفت ، لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران .

وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز دخول دور الظلمة والفسقة ولا حضور المواضع التي يشاهد المنكر فيها ولا يقدر على تغييره فإنه قال : اللعنة تنزل على من حضر ، ولا يجوز له مشاهدة المنكر من غير حاجة ؛ اعتذارا بأنه عاجز ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق والأعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير ، وهذا يقتضي لزوم الهجر للخلق ولهذا قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله ما ساح السواح وخلوا دورهم وأولادهم إلا بمثل ما نزل بنا حين رأوا الشر قد ظهر ، والخير قد اندرس ، ورأوا أنه لا يقبل ممن تكلم ورأوا الفتن ولم يأمنوا أن تعتريهم وأن ينزل العذاب بأولئك القوم فلا يسلمون منه فرأوا أن مجاورة السباع وأكل البقول خير من مجاورة هؤلاء في نعيمهم ، ثم قرأ ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين.

قال: ففر قوم ، فلولا ما جعل الله جل ثناؤه في النبوة من السر ; لقلنا : ما هم بأفضل من هؤلاء فيما بلغنا أن الملائكة عليهم السلام لتلقاهم وتصافحهم ، والسحاب والسباع تمر بأحدهم فيناديها ، فتجيبه ويسألها أين أمرت ؟ فتخبره ، وليس بنبي .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما قيل : يا رسول الله ، أتهلك القرية وفيها الصالحون ؟ قال : نعم . قيل : بم يا رسول الله ؟ قال : بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله تعالى .

وقالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عذب أهل قرية فيها ثمانية عشر ألفا عملهم عمل الأنبياء ، قالوا : يا رسول الله ، كيف ؟

 قال : لم يكونوا يغضبون لله ، ولا يأمرون بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر .

وقال الحسن البصري رحمه الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل شهداء أمتي رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ، ونهاه عن المنكر، فقتله على ذلك فذلك الشهيد منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بئس القوم قوم لا يأمرون بالقسط ، وبئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر .

- حديث معاذ بن جبل أنه قال: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، الآية، وقال: يا معاذ، مروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيتم شحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل امرئ برأيه، فعليكم أنفسكم، لا يضركم ضلالة غيركم؛ فهو من ورائكم أيام صبر، المتمسك فيها بدينه مثل القابض على الجمر، فللعامل منهم يومئذ مثل عمل أحدكم اليوم كأجر خمسين منكم. قلت: يا رسول الله، خمسين منهم؟ قال: بل خمسين منكم أنتم.

عن الضحاك عن ابن عباس قال: كنا عند ابن مسعود ، فوقع بين رجلين بعض ما يكون بين الناس حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك؛ فإن الله تعالى يقول: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، فسمعها ابن مسعود، فقال: مه، لم يجئ تأويل هذه الآية بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعا، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل الآية.

(وقال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، إن الله تعالى يقول: لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجيب لكم) .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس على الطرقات. قالوا: يا رسول الله ما لنا بد؛ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا ذاك فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر .

قال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لا يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يرى المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه) .

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقفن عند رجل يقتل مظلوما؛ أي: من غير وجه شرعي (فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا، ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوما؛ فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه) .

وروى الترمذي وحسنه، وابن ماجه من حديث أبي سعيد: لا يمنعن رجلا هيبته للناس أن يقول الحق إذا علمه.

هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز دخول دور الظلمة والفسقة، (وحيث يشاهد المنكر ولا يقدر على تغييره) بيده، أو بلسانه؛ (فإنه قال: اللعنة تنزل على من حضره، ولا يجوز له مشاهدة المنكر من غير حاجة؛ اعتذارا بأنه عاجز) عن دفعه، (ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة) عن الناس؛ لمشاهدتهم المنكرات وعجزهم عن التغيير، وهذا يقتضي مهاجرتهم .

-قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حضر معصية، فكرهها، فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها فأحبها، فكأنه حضرها) .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله عز وجل نبيا إلا وله حواري) أي: أنصار (فيمكث النبي بين أظهرهم ما شاء الله يعمل بكتاب الله وبأمره، حتى إذا قبض الله نبيه مكث الحواريون يعملون بكتاب الله وبأمره وسنة نبيهم، فإذا انقرضوا كان من بعدهم قوم يركبون رؤوس المنابر، ويقولون ما يعرفون، ويعملون ما ينكرون، فإذا رأيتم ذلك فحق على كل مؤمن جهادهم بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ليس وراء ذلك إسلام) قال العراقي : رواه مسلم.

قلت: وكأنه يشير إلى حديث أبي سعيد الخدري من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .

قال ابن مسعود رضي الله عنه: كان فيمن مضى أهل قرية يعملون بالمعاصي، وكان فيهم أربعة نفر ينكرون عليهم بما يعملون، فقام أحدهم فقال: إنكم تعملون كذا وكذا (من المعاصي ) فجعل ينهاهم ويخبرهم بقبيح ما يصنعون، فجعلوا يردون عليه ولا يرعوون أي: لا ينكفون عن أعمالهم القبيحة فسبهم بلسانه فسبوه، وقاتلهم بيده فغلبوه، فاعتزل عنهم ثم قال: اللهم إني قد نهيتهم عن المعاصي فلم يطيعوني، وسببتهم فسبوني، وقاتلتهم فغلبوني. ثم ذهب، ثم قام الآخر فنهاهم فلم يطيعوه، فسبهم فاعتزل عنهم ثم قال: اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني، وسببتهم فسبوني، ولو قاتلتهم غلبوني وفي نسخة لقاتلوني، ثم قام الثالث فنهاهم فلم يطيعوه، فاعتزل عنهم ثم قال: اللهم إني قد نهيتهم فلم يطيعوني، ولو سببتهم لسبوني، ولو قاتلتهم غلبوني. ثم ذهب، ثم قام الرابع فقال: اللهم إني لو نهيتهم عصوني، ولو سببتهم لسبوني، ولو قاتلتهم غلبوني. قال ابن مسعود: بعد أن ساق حديثهم (كان الرابع أدناهم منزلة، وقليل فيكم مثله) .

وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، (وقال ابن عباس ) رضي الله عنه (قيل: يا رسول الله، أتهلك القرية وفيها الصالحون؟ قال: نعم. قيل: بم يا رسول الله؟ قال: بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله تعالى) .

وروى ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن إبراهيم بن عمر والصغاني: أوحى الله إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم. قال: يا رب، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، فكانوا يؤاكلونهم، ويشاربونهم.

 عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، قلت: يا رسول الله، أي الشهداء أكرم على الله تعالى؟ قال: رجل قام إلى وال جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقتله؛ فإن لم يقتله فإن القلم لا يجري عليه بعد ذلك وإن عاش ما عاش) .

وقال صلى الله عليه وسلم: كلام ابن آدم كله عليه، لا له، إلا أمرا بمعروف ، أو نهيا عن منكر ، أو ذكرا لله تعالى .

قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لا مرئ شهد مقاما فيه حق إلا تكلم به؛ فإنه لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له .

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبة وسلم