الأحد، 25 مايو 2025

خدع الاحتلال

 


كنت وفي منشور سابق قدبينت الاساليب الاستعمارية الخبيثة لابقاءالبلادالعربية والاسلامية في حالة تخلف حضاري وذلك بالنهب المنظم لثرواتها ابقائها سوقا لتصريف صناعاتها ومقاومة اية محاولة للنهضة في هذه البلاد وهذا مافعلته الدول الاستعمارية مع محمدعلي باشا ومع محمدمصدق وصدام حسين رحمهم الله جميعا.

نهج اخرتعاملت به الدول الاستعمارية معنا وهوالقضاء على اي بوادر حكم ديمقراطي يسمح للشعب باختيارالحاكم ونواب البرلمان ومهما كانت هذه الديمقراطية هزيلة او منقوصة وذلك.لان الديمقراطيات تصلح نفسها وبالتدرج كما انها تفتح المجال لكل المواهب بالتفتح والابداع ولكن اكثر ماكان يقلق المستعمر هو ان الديمقراطية ستقود في نهاية المطاف الى نظام اسلامي وعندما اقول(نظام اسلامي)فلا اقصد.انه فقط الذي تزدهر في ظله حرية العبادة بل تزدهر في ظله الصناعةوالتقنية والتجارة ويظهر علماء في مختلف الاختصاصات العلمية--فيزيائية ورياضية وكيميائية وحيوية ونووية--كما تمتلئ المؤسسات باصحاب الشهادات الهندسية المبدعة.

واول محاولة لوأد حكم ديمقراطي كانت ايام الخديوي توفيق عام ١٨٨٢م عندما شكل محمدشريف باشا(من اصل تركي) اول حكومة ديمقراطية في تاريخ البلاد العربية ورغم انها كانت في المهد وفي بداية الطريق الا ان بريطانيا لم تمهل تلك الحكومة بضعة اسابيع فارسلت حملة عسكرية هزمت الجيش المصري بقيادة احمد عرابي ودخلت القاهرة ومعها الخديوي توفيق واعدمت عددا من الضباط ونفت عرابي والبارودي الى جزيرة نائية.

لكن الديمقراطية ترسخت من جديد في مصر بدءا من عهد حسين كامل ثم الملك فؤاد وابنه فاروق وبدات مصر تشهد نهضة حضاريةوفي كل المجالات ويكفي ان نعلم ان كل ادباء مصر المشهورين ظهروا في العهدالملكي كما بدات الصناعة المصرية بالتطور على يد راسمالية وطنية محترمة وراقية كان من اركانها طلعت حرب وامثاله كما نعمت مصر بتعددية سياسية وحزبية فيها كل الاتجاهات القومية والليبرالية والاسلامية والشيوعية وكان يتم انتخاب رئيس الوزراء والنواب مباشرة من الشعب وكان الملك فاروق رحمه الله ملكا ديمقراطيا وعدوا لدودا للانكليز ويميل للالمان والطليان فدفع ثمن مواقفه هذه في اول انقلاب عسكري غاشم قاده مجموعة من الضباط سموا انفسهم بالاحرار(والتاريخ هو من يثبت صدقهم اوزيفهم) وذلك يوم ١٩٥٢/٧/٢٣م.

ولتبقى الحقيقة دوما نبراسا لنا فانه كان انقلابا سلميا لم تتم فيه اراقة الدماء ابدا بأمر من الملك فاروق كما ان الانقلابيين عاملوه باحترام وودعوه وداعا ملكيا حيث توجه الى ايطاليا وبقي فيهاحتى وفاته عام ١٩٦٤م رحمه الله وغفر له.

لكن انقلابا دمويا فظيعا وحشيا تم في العراق يوم ١٩٥٨/٧/١٧م ضد الملك الفتى فيصل الثاني بن غازي الاول وكان طيب القلب يعاني من مرض مزمن يعيش في تجمع من المباني يسمى(قصر الرحاب)ومافيه شيء من حياة القصور وفي ويحكم العراق حكما ديمقراطيا تعدديا مع صحافة حرة وبوادر نهضة شاملة  وفي ذلك اليوم المشؤوم توجهت عدة قطعات من الجيش العراقي باتجاه القصر وحاصرته فقال الملك رحمه الله ولماذا الجيش؟؟!!اذا كانوا لايريدون حكمنا فسنذهب لوحدنا!!.

لكن ضابطا مهووسا ناقما يدعى شاكر العبوس جمع افراد العائلة الملكية وبدأ باطلاق النار عليهم دون تمييز فقتلهم جميعا الا الاميرة نفيسة التي هربت بابن اخيها الامير علي ولجأت الى السفارة السعودية التي حمتها وابن اخيها بينما بقيت القوات البريطانية شامتة تتفرج.

ويبدو ان القوى الاستمعارية ارادت ان تكمل الحلقة وهنا جاء دور سورية قلب العروبة النابض التي كانت تعيش في ظل نظام ديمقراطي حقيقي بعد الانفصال عام ١٩٦١م فحصلت انتخابات حرة ونزيهة فاز فيها ناظم القدسي(حزب الشعب) رحمه الله برئاسة الجمهورية كما فاز عدد من الاحزاب بالدخول للبرلمان وبترتيب الاصوات هي:حزب الشعب والحزب الوطني وحزب البعث وحزب الاخوان المسلمون في المرتبة الرابعة وكان ذلك مترافقا مع صحافة وطنية حرة لاتحابي احدا بدءا من رئيس الجمهورية.

ولكن القوى الاستعمارية استكثرت علينا هذه الفُسحة من الحرية فكان الانقلاب الشيطاني الاسود يوم ١٩٦٣/٣/٨م  على هذا الحكم الديمقراطي النبيل وبيد العسكرالجهلة القتلة السفلةأصحاب الشهوات الدنيئة المحمومةحيث اصبحت الدول التي صنعت مجدالامة وتاريخها مقهورة بالانظمة المستبدة ولتدخل سورية الحبيبة بعدها في ظلمات بعضها فوق بعض حتى اذِن الله ان يزول العهد البعثي/النصيري على يد الفتية المؤمنين النبلاء الأخلاقيين ينبوع الحق والرحمة والخير والعدل أعمدة الشهامة والمروءة والكرامة.

وساكتفي ايها الاعزاء بهذا القدر  وساعود ان شاء الله لأتكلم عن انقلابات عسكرية غيرها  طعنت شعوبنا العربية في صميم وجودها

مشاركة من الاخ عدنان عبد النبي الفروح

السبت، 24 مايو 2025

جابر عثرات الكرام

 جابر عثرات الكرام 

حدث أبو الحسن علي بن صالح البلخي بمصر قال أخبرني بعض عمال شيوخنا عن شيبة بن محمد الدمشقي قال : كان في أيام سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم رجل يقال له : خزيمة بن بشر ، من بني أسد بالرقة ؛ وكانت له مروءة ونعمة حسنة وفضل وبر بالإخوان ، فلم يزل على تلك الحال حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يتفضل عليهم فواسوه حيناً ثم ملوه ، فلما لاح له تغيرهم أتى امرأته وكانت ابنة عمه فقال لها : يا بنت عم! قد رأيت من أخوتي تغيراً وقد عزمت على لزوم بيتي إلى يأتيني الموت ، وأغلق بابه عليه ، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد وبقي حائراً في أمره .

وكان عكرمة الفياض الربعي والياً على الجزيرة ، "ما بين النهرين دجلة والفرات" فبينما هو في مجلسه وعنده جماعة من أهل البلد إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر فقال عكرمة : ما حاله؟، فقالوا : صار من سوء الحال إلى أمر لا يوصف ، فأغلق بابه ولزم بيته ، فقال الفياض ، وإنما سمي بذلك لأجل كرمه : فما وجد خزيمة بن بشر مواسياً ولا مكافئاً ؟، قالوا : لا ، فأمسك ، ثم لما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار فجعلها في كيس واحد ، ثم أمر بإسراج دابته وخرج سراً من أهله فركب ومعه غلام من غلمانه يحمل المال ، ثم سار حتى وقف بباب خزيمة فأخذ الكيس من الغلام ثم أبعده عنه ، وتقدم إلى الباب فدقه بنفسه فخرج إليه خزيمة فناوله الكيس وقال له : أصلح بهذا شأنك ، فتناوله خزيمة فرآه ثقيلاً فوضعه ، ثم أمسك لجام الدابة ، وقال له : من أنت؟، جعلت فداك ؛  قال : ما جئتك هذه الساعة وأنا أريد أن تعرفني ، قال خزيمة : فما أقبل أو تخبرني من أنت ، قال : أنا جابر عثرات الكرام قال : زدني قال : لا ، ثم مضى ودخل خزيمة بالكيس إلى امرأته فقال لها : أبشري فقد أتى الله بالفرج والخير ، ولو كانت فلوساً فهي كثيرة ، قومي فأسرجي ، قالت : لا سبيل إلى السراج ، فبات يلمسها فيجد خشونة الدنانير ولا يصدق .

ورجع عكرمة إلى منزله فوجد امرأته قد افتقدته وسألت عنه فأخبرت بركوبه منفرداً فارتابت لذلك ، فشقت جيبهاً ولطمت خدها : فلما رآها على تلك الحال قال لها : ما دهاك يا بنت عم ، قالت : غدرت يا عكرمة بابنة عمك ، قال وما ذاك؟، قالت : أمير الجزيرة يخرج بعد هدأة من الليل منفرداً من غلمانه في سر من أهله !، والله ما يخرج إلا إلى زوجة أو سرية قال : لقد علم الله أني ما خرجت إلى واحدة منها ، قالت : فأخبرني فيم خرجت؟، قال : يا هذه !، لم أخرج في هذا الوقت وأنا أريد أن يعلم بي أحد قالت : لا بد ، قال فاكتميه إذاً قالت : أفعل ، فأخبرها القصة على وجهها ، وما كان من قوله ورده عليه ، ثم قال لها : أتحبين أن أحلف لك؟، قالت : لا فإن قلبي قد سكن إلى ما ذكرت .

قال : ثم أصبح خزيمة فصالح الغرماء وأصلح من حاله ، ثم تجهز يريد سليمان بن عبد الملك بفلسطين ، فلما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بمكانه وكان مشهور المروءة ، كان سليمان به عارفاً فأذن له ، فلما دخل عليه وسلم بالخلافة ، قال : يا خزيمة ، ما أبطأك عنا؟، قال : سوء الحال ، قال : فما منعك من النهضة إلينا؟ قال : ضعفي ، قال فيم نهضت؟، قال: لم أعلم يا أمير المؤمنين بعد هدأة الليل إلا ورجل طرق بابي فكان منه كيت وكيت ، وأخبره القصة من أولها إلى آخرها فقال له : هل تعرفه؟، قال : ما عرفته يا أمير المؤمنين ، وذلك لأنه كان متنكراً وما سمعت منه إلا : جابر عثرات الكرام قال : فتلهف سليمان بن عبد الملك على معرفته ، وقال لو عرفناه لأعناه على مروءته ثم قال : علي بقناة فأتي بها فعقد لخزيمة الولاية على الجزيرة على عمل عكرمة الفياض .

فخرج خزيمة طالباً للجزيرة فلما قرب منها خرج عكرمة وأهل البلد للقائه فسلم عليه سارا جميعاً إلى ان دخلا البلد فنزل خزيمة في دارة الإمارة وأمر أن يؤخذ عكرمة وأن يحاسب فحوسب ، فوجدت عليه فضول كثيرة فطلب خزيمة بأدائها فقال : ما لي إلى شيء منها سبيل قال : لا بد منها قال : ما هي عندي فاصنع ما أنت صانع ، فأمر به إلى الحبس ثم بعث إليه يطالبه فأرسل إليه : إني لست ممن يصون ماله بعرضه فاصنع ما شئت فأمر به فكبل بالحديد وضيق عليه وأقام كذلك شهراً أو أكثر ، فأضناه ذلك وأضر به ، وبلغ ابنة عمه ضُرَّهُ فجزعت واغتمت لذلك ثم دعت مولاة لها ذات عقل وقالت : امضي الساعة إلى باب هذا الأمير فقولي : عندي نصيحة ، فإذا طلبت منك فقولي : لا أقولها إلا للأمير خزيمة بن بشر ، فإذا دخلت عليه فسليه أن يخليك فإذا فعل فقولي له : ما كان هذا جزاء جابر عثرات الكرام منك ، كافأته بالحبس والضيق والحديد ، قال : ففعلت ذلك ، فلما سمع خزيمة قولها قال : واسوأتاه !، وإنه لهو ؟، قالت : نعم ، فأمر من وقته بدابته فأسرجت وبعث إلى رؤوس أهل البلد فجمعهم وأتى بهم إلى باب الحبس ففتح ، ودخل خزيمة ومن معه ، فألفى عكرمة في قاع الحبس متغيراً قد أضناه الضر ، فلما نظر إليه عكرمة وإلى الناس أحشمه ذلك ونكس رأسه ، فأقبل خزيمة حتى أكب رأسه فقبله ، فرفع عكرمة رأسه وقال : ما أعقب هذا منك ؟، قال : كريم فعالك وسوء مكافأتي ، قال : فغفر الله لنا ولك ، ثم أمر بالحداد ففك القيد عنه ، وأمر خزيمة أن يوضع في رجل نفسه ، فقال عكرمة : تريد ماذا ؟، قال : أريد أن ينالني الضر مثل ما نالك ، قال : أقسم عليك بالله ألا تفعل ، فخرجا جميعاً إلى أن وصلا دار خزيمة فودعه عكرمة وأراد الانصراف ، قال له : ما أنت ببارح ، قال : وما تريد ؟، قال : أغير من حالك ، وحيائي من ابنة عمك أشد من حيائي منك ، ثم أمر بالحمام فأخلي ودخلا جميعاً ، ثم قام خزيمة فتولى خدمته بنفسه ، ثم خرجا ، فخلع عليه وجمَّله وحمل إليه مالاً كثيراً ، ثم سار معه إلى داره واستأذنه في الاعتذار إلى ابنة عمه ، فأذن له فاعتذر لها وتذمم من فعله ذلك ، ثم سأله أن يسير معه إلى أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك ، وهو يومئذ  مقيم بالرملة ، فأنعم به لذلك فسارا جميعاً حتى قدما على سليمان ابن عبد الملك ، فدخل الحاجب فأعلمه بقدوم خزيمة بن بشر فراعه ذلك ، وقال : والي الجزيرة يقدم بغير أمرنا ؟، مع قرب العهد به ، ما هذا إلا لحادث عظيم ، فلما دخل عليه قال له قبل أن يسلم : ما وراءك يا خزيمة ؟، قال : خير يا أمير المؤمنين ، قال : فما الذي أقدمك ؟، قال : ظفرت بجابر عثرات الكرام فأحببت أن أسرك به ، لما رأيت من تلهفك وشوقك إلى رؤيته ، قال : ومن هو ؟، قال : عكرمة الفياض فأذِنَ له بالدخول ، فدخل وسلم عليه بالخلافة ، فرحب به وأدناه من مجلسه ، وقال : يا عكرمة !، ما كان خيرك له إلا وبالاً عليك ، ثم قال : اكتب حوائجك كلها وما تختاره في رقعة ، قال : أوَ يعفيني أمير المؤمنين ؟، قال : لا بد ، ثم دعا بدواة وقرطاس وقال : اعتزل واكتب جميع حوائجك ، ففعل ذلك ، فأمر بقضائها جميعاً من ساعته ، وأمر له بعشرة آلاف دينار وسفطين من ثياب ثم دعا بقناة وعقد له على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان ، وقال له : أمر خزيمة إليك ، إن شئت أبقيته وإن شئت عزلته ، قال : بل أرده إلى عمله يا أمير المؤمنين ، ثم انصرفا جميعاً ، ولم يزالا عاملين لسليمان بن عبد الملك مدة خلافته .

ثمرات الأوراق في المحاضرات (ج1ص214)، ونوادر الخلفاء (ص64)، والمستجاد من فعلات الأجواد (ص8)