الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر
إنَّ
اللَّهَ لَيسألُ العبدَ يومَ القيامَةِ حتَّى يقولَ ما منعَكَ إذ رأيتَ المنكرَ أن
تُنْكِرَهُ فإذا لقَّنَ اللَّهُ عبدًا حجَّتَهُ قالَ يا ربِّ رَجوتُكَ وفَرِقْتُ
منَ النَّاسِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو سعيدٍ
الخُدْريُّ رَضِي اللهُ عَنه: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
يقولُ: "إنَّ اللهَ لَيَسأَلُ العبدَ يومَ القيامةِ"، أي: يَسأَلُه عن
كلِّ شيءٍ، "حتَّى يقولَ: ما منَعَك إذْ رأيتَ المنكَرَ أن تُنكِرَه؟!"،
أي: ما عُذرُك في عدَمِ النَّهيِ عن المنكَرِ عِندَ حُضورِك له؟! "فإذا
لَقَّن اللهُ"، مِن التَّلقينِ والتَّفهيمِ، أيْ: فَهَّم وألْهَم
"العبدَ حُجَّتَه"، أي: بُرهانَه في جوابِه لربِّه، "قال"،
أي: العبدُ: "يا ربِّ رَجَوتُك" أن تَغفِرَ لي ولا تُؤاخِذَني بتَركِ
النَّكيرِ، "وفَرِقْتُ مِن النَّاسِ"، أيْ: خِفتُ مِنهم، فسامَحتُ في
حقِّك؛ اعتِمادًا على أنَّك كريمٌ مَرجُوٌّ؛ لكَمالِ فَضلِك ولُطفِك.
قيلَ لِأُسامةَ : ألَا
تُكلِّمُ عُثمانَ؟ فقال: إنَّكم تَرَوْنَ أنِّي لا أُكلِّمُه إلَّا أُسمِعُكم،
إنِّي لا أُكلِّمُه فيما بَيني وبَينَه ما دُونَ أنْ أفتَتِحَ أمرًا لا أُحِبُّ
أنْ أكونَ أوَّلَ مَنِ افتَتَحَه، واللهِ لا أقولُ لِرَجُلٍ: إنَّكَ خَيرُ الناسِ،
وإنْ كان علَيَّ أميرًا، بَعدَ أنْ سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
يَقولُ. قالوا: وما سَمِعتَه يَقولُ؟ قال: سَمِعتُه يَقولُ: يُجاءُ بالرَّجُلِ
يَومَ القيامةِ، فيُلقى في النارِ، فتَندَلِقُ به أقْتابُه، فيَدورُ بها في النارِ
كما يَدورُ الحِمارُ برحاهُ، فيُطيفُ به أهلُ النارِ، فيَقولونَ: يا فُلانُ، ما
أصابَكَ؟ ألم تَكُنْ تَأمُرُنا بالمَعروفِ وتَنهانا عنِ المُنكَرِ؟ فيَقولُ: كُنتُ
آمُرُكم بالمَعروفِ ولا آتيه، وأنْهاكم عنِ المُنكَرِ وآتيه.
وقال
صلى الله عليه وسلم: كَلامُ ابنِ آدَمَ كُلُّه عليه، لا
له، ما خَلا أمْرًا بمَعروفٍ أو نَهيًا عن مُنكَرٍ، أو ذِكرَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
قال ابن عباس :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لامرئ شهد
مقاما فيه حق إلا تكلم به؛ فإنه لم يقدم أجله ولم يحرمه رزقا هو له.
وروى
أبو أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كيف أنتم إذا طغى نساؤكم،
وفسق شبانكم ، وتركتم جهادكم؟ قالوا وإن : ذلك لكائن يا رسول الله؟ قال : نعم ،
والذي نفسي بيده ، وأشد منه سيكون .
قالوا
: وما أشد منه يا رسول الله ؟ : كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ، ولم تنهوا عن
منكر ؟ قالوا : وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده وأشد منه
سيكون.
قالوا
: وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟ قالوا:
وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال نعم : والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون
قالوا
: وما أشد منه ؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا :
وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، يقول الله
تعالى : بي حلفت ، لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران .
وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز دخول
دور الظلمة والفسقة ولا حضور المواضع التي يشاهد المنكر فيها ولا يقدر على تغييره
فإنه قال : اللعنة تنزل على من حضر ، ولا يجوز له مشاهدة المنكر من غير حاجة ؛
اعتذارا بأنه عاجز ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في
الأسواق والأعياد والمجامع وعجزهم عن التغيير ، وهذا يقتضي لزوم الهجر للخلق ولهذا
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله ما ساح السواح وخلوا دورهم وأولادهم إلا بمثل ما
نزل بنا حين رأوا الشر قد ظهر ، والخير قد اندرس ، ورأوا أنه لا يقبل ممن تكلم
ورأوا الفتن ولم يأمنوا أن تعتريهم وأن ينزل العذاب بأولئك القوم فلا يسلمون منه
فرأوا أن مجاورة السباع وأكل البقول خير من مجاورة هؤلاء في نعيمهم ، ثم قرأ ففروا
إلى الله إني لكم منه نذير مبين.
قال:
ففر قوم ، فلولا ما جعل الله جل ثناؤه في النبوة من السر ; لقلنا : ما هم بأفضل من
هؤلاء فيما بلغنا أن الملائكة عليهم السلام لتلقاهم وتصافحهم ، والسحاب والسباع
تمر بأحدهم فيناديها ، فتجيبه ويسألها أين أمرت ؟ فتخبره ، وليس بنبي .
وقال
ابن عباس رضي الله عنهما قيل : يا رسول الله ، أتهلك القرية وفيها الصالحون ؟ قال
: نعم . قيل : بم يا رسول الله ؟ قال : بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله تعالى .
وقالت
عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عذب أهل قرية فيها
ثمانية عشر ألفا عملهم عمل الأنبياء ، قالوا : يا رسول الله ، كيف ؟
قال : لم يكونوا يغضبون لله ، ولا يأمرون
بالمعروف ، ولا ينهون عن المنكر .
وقال
الحسن البصري رحمه الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل شهداء أمتي رجل
قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ، ونهاه عن المنكر، فقتله على ذلك فذلك الشهيد
منزلته في الجنة بين حمزة وجعفر .
وقال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بئس
القوم قوم لا يأمرون بالقسط ، وبئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن
المنكر .
-
حديث معاذ بن جبل أنه قال: يا رسول الله، أخبرني عن قول الله تعالى: يا أيها الذين
آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ، الآية، وقال: يا معاذ، مروا
بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيتم شحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل امرئ
برأيه، فعليكم أنفسكم، لا يضركم ضلالة غيركم؛ فهو من ورائكم أيام صبر، المتمسك
فيها بدينه مثل القابض على الجمر، فللعامل منهم يومئذ مثل عمل أحدكم اليوم كأجر
خمسين منكم. قلت: يا رسول الله، خمسين منهم؟ قال: بل خمسين منكم أنتم.
عن الضحاك عن ابن عباس قال:
كنا عند ابن مسعود ، فوقع بين رجلين بعض ما يكون بين الناس حتى قام كل واحد منهما
إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن
المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك؛ فإن الله تعالى يقول: عليكم أنفسكم لا
يضركم من ضل إذا اهتديتم ، فسمعها ابن مسعود، فقال: مه، لم يجئ تأويل هذه
الآية بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم
تلبسوا شيعا، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء
وألبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل الآية.
(وقال
صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، إن الله تعالى يقول: لتأمرن بالمعروف ولتنهون
عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجيب لكم)
.
(وقال
صلى الله عليه وسلم: إياكم والجلوس على الطرقات. قالوا: يا رسول الله ما لنا بد؛
إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا ذاك فأعطوا الطريق حقها. قالوا:
وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن
المنكر .
قال
صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لا يعذب الخاصة بذنوب العامة حتى يرى المنكر
بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه)
.
عن
عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقفن
عند رجل يقتل مظلوما؛ أي: من غير وجه شرعي (فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم
يدفعوا، ولا تقفن عند رجل يضرب مظلوما؛ فإن اللعنة تنزل على من حضره ولم يدفع عنه)
.
وروى الترمذي وحسنه، وابن ماجه من حديث أبي سعيد: لا يمنعن رجلا هيبته
للناس أن يقول الحق إذا علمه.
هذا
الحديث يدل على أنه لا يجوز دخول دور الظلمة والفسقة، (وحيث يشاهد المنكر ولا يقدر
على تغييره) بيده، أو بلسانه؛ (فإنه قال: اللعنة تنزل على من حضره، ولا يجوز له
مشاهدة المنكر من غير حاجة؛ اعتذارا بأنه عاجز) عن دفعه، (ولهذا اختار جماعة من
السلف العزلة) عن الناس؛ لمشاهدتهم المنكرات وعجزهم عن التغيير، وهذا يقتضي
مهاجرتهم .
-قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حضر
معصية، فكرهها، فكأنه غاب عنها، ومن غاب عنها فأحبها، فكأنه حضرها) .
وقال
ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله عز وجل
نبيا إلا وله حواري) أي: أنصار (فيمكث النبي بين أظهرهم ما شاء الله يعمل بكتاب
الله وبأمره، حتى إذا قبض الله نبيه مكث الحواريون يعملون بكتاب الله وبأمره وسنة
نبيهم، فإذا انقرضوا كان من بعدهم قوم يركبون رؤوس المنابر، ويقولون ما يعرفون،
ويعملون ما ينكرون، فإذا رأيتم ذلك فحق على كل مؤمن جهادهم بيده، فإن لم يستطع
فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ليس وراء ذلك إسلام) قال العراقي : رواه مسلم.
قلت:
وكأنه يشير إلى حديث أبي سعيد الخدري من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم
يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .
قال
ابن مسعود رضي الله عنه: كان فيمن مضى أهل قرية يعملون بالمعاصي، وكان فيهم أربعة
نفر ينكرون عليهم بما يعملون، فقام أحدهم فقال: إنكم تعملون كذا وكذا (من المعاصي )
فجعل ينهاهم ويخبرهم بقبيح ما يصنعون، فجعلوا يردون عليه ولا يرعوون أي: لا ينكفون
عن أعمالهم القبيحة فسبهم بلسانه فسبوه، وقاتلهم بيده فغلبوه، فاعتزل عنهم ثم قال:
اللهم إني قد نهيتهم عن المعاصي فلم يطيعوني، وسببتهم فسبوني، وقاتلتهم فغلبوني.
ثم ذهب، ثم قام الآخر فنهاهم فلم يطيعوه، فسبهم فاعتزل عنهم ثم قال: اللهم إني قد
نهيتهم فلم يطيعوني، وسببتهم فسبوني، ولو قاتلتهم غلبوني وفي نسخة لقاتلوني، ثم
قام الثالث فنهاهم فلم يطيعوه، فاعتزل عنهم ثم قال: اللهم إني قد نهيتهم فلم
يطيعوني، ولو سببتهم لسبوني، ولو قاتلتهم غلبوني. ثم ذهب، ثم قام الرابع فقال:
اللهم إني لو نهيتهم عصوني، ولو سببتهم لسبوني، ولو قاتلتهم غلبوني. قال ابن
مسعود: بعد أن ساق حديثهم (كان الرابع أدناهم منزلة، وقليل فيكم مثله) .
وقد
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ، (وقال ابن عباس ) رضي الله عنه (قيل: يا رسول
الله، أتهلك القرية وفيها الصالحون؟ قال: نعم. قيل: بم يا رسول الله؟ قال:
بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله تعالى) .
وروى
ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن إبراهيم بن عمر والصغاني: أوحى الله إلى يوشع بن
نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم. قال: يا رب،
هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، فكانوا يؤاكلونهم،
ويشاربونهم.
عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، قلت: يا
رسول الله، أي الشهداء أكرم على الله تعالى؟ قال: رجل قام إلى وال جائر فأمره
بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقتله؛ فإن لم يقتله فإن القلم لا يجري عليه بعد ذلك
وإن عاش ما عاش) .
وقال صلى الله عليه وسلم: كلام ابن آدم كله عليه، لا له، إلا أمرا
بمعروف ، أو نهيا عن منكر ، أو ذكرا لله تعالى .
قال
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لا مرئ شهد مقاما فيه حق إلا تكلم
به؛ فإنه لن يقدم أجله ولن يحرمه رزقا هو له .
والصلاة
والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبة وسلم